80 % من قضايا الفساد تبقى غامضة
تغرق شركة سيمنز الألمانية الكبرى لتصنيع الإلكترونيات بصورة متزايدة في دوامة من الفساد قوية في مستنقع الفساد - وهي ليست الحالة الوحيدة في ألمانيا. ويقدّر توستن ميليس الخسائر التي تسببها حوادث جرائم الاقتصاد في ألمانيا سنويا بمئات المليارات من اليورو. تورستن ميليس الذي كان يشغل سابقا منصب مدير قسم الجريمة المنظمة في مكتب الاستخبارات الألماني يشغل حاليا في هامبورج منصب رئيس مجلس إدارة شركة بريفينت التي تساعد الشركات - من بينها العديد من القيم في مؤشر البورصة داكس - في كشف حقائق قضايا فساد وفي تطوير استراتيجيات حماية.
أسماء مثل "سيمنز" و"فيليبس" و"فولكس فاجن" - أسماء كبيرة ومعروفة فهل قضايا الفساد هذه هي رأس جبل الجليد ؟
نعم حيث إن عددا قليلا جدا من هذه القضايا يظهر على الساحة العامة. وتقول تقديرات إن 80 إلى 90 في المائة من قضايا الفساد تبقى غامضة، أي بالأحرى لا تنكشف على الإطلاق. ومن الـ 10 إلى 20 في المائة من قضايا الفساد التي يتم الكشف عنها، يصل جزء قليل جدا إلى الأوساط الإعلامية.
لماذا ؟
- نادرا ما تكون الشركات مهتمة بأن تنكشف قضايا الفساد في صفوفها الداخلية وتظهر على الساحة العامة. فهي تحتاج إلى النجاح في التجارة والأعمال وليس إلى الشعبية السلبية من خلال أضرار يسببها بعض الأشخاص من داخل أسوار الشركة.
كم حجم خسائر حوادث جرائم الاقتصاد في المانيا ؟
لقد سجل مكتب التحريات الجنائية الاتحادية في عام 2005 خسارة بقيمة 4.2 مليار يورو. ولكن هذه القيمة هي قيمة خسائر الجرائم التي كشفتها هيئات التحريات الجنائية. ومع شمول جميع القضايا التي لم يتم في شأنها رفع دعوى قانونية، فمن المحتمل أن تفوق الأضرار المادية السنوية مئات المليارات من اليورو. ولكن الخسائر المترتبة على سمعة ومظهر الشركة الخارجي فادحة جدا، ولا يقيم تقدير قيمتها بأي رقم.
هل لديك انطباع بأن حساسية الشركات تجاه ما يتعلق بقضايا الفساد بدأت تزداد - وبالأخص بسبب التقارير الإعلامية الكثيرة حول "سيمنز" وشركائها؟
نعم لقد ارتفعت الحساسية بصورة ملموسة، وقد ساعد في ذلك، بالتأكيد، الانتشار الموسع للتقارير في الأوساط الإعلامية. ولكن إلى أي مدى سيؤثر هذا على حدوث تغيرات عملية في أساليب العمل، يختلف من شركة إلى أخرى – وفق كون مسألة الاحتياطات الواقية الاستراتيجية من شأن المدير، أم لا. فالعديد من مديري الشركات لا يتجاوبون إلا عندما تصبح الشركة ضحية لممارسات جنائية اقتصادية. الموقف هنا خطير، فالمخاطر ارتفعت خلال الأعوام الماضية بصورة ملحوظة، كما أن الاحتياطات الاستراتيجية أصبحت أكثر أهمية عن ذي قبل.
لماذا ؟
- لقد أخذ ضغط المنافسة العالمية يزداد ضراوة. وأخذت العمليات التجارية تزداد تعقيدا يوما بعد يوم، متيحة بذلك مجالا أوسع لفرص وقوع الجرائم. فالدخول في أسواق جديدة يضع الشركات أمام ثقافات تجارية لا تتناسب مع المعايير الحالية للامتثال Compliance Standards أو مع نظم إدارة موحدة للشركات Corporate-Governance . ففي دول شرق أوروبا والشرق الأقصى والأدنى وكذلك في آسيا تسود معايير وحساسيات أخرى عديدة في المواضيع المتعلقة بجرائم الاقتصاد والفساد، وبهذا تسود قيم بدرجات مختلفة فيما يتعلق بتخطي القوانين القائمة.
هذا يعني، أن الشركات الغربية لن تستطيع في هذه الدول أن تنجح من دون فساد أو رشا؟
بالطبع لا. الشركات تستطيع أن تنجح أيضا من دون فساد. ولكن المسألة هي أن خطر الوقوع في وجه ظواهر جنائية اقتصادية يعتبر في هذه الدول أكثر احتمالا مقارنة بالأعمال في دول أوروبا الغربية.
لكن، على سبيل المثال، عندما تمارس شركة فرنسية أعمال فساد، فيما ترفع شركة ألمانية نظيرة راية الإخلاص والشرف، ألن تخسر الأخيرة كل صفقة ؟
عادة ما يتفوه المرء بتسرع بهذه الأقاويل والحجج، وهي أن الشركة من دون فساد لن تنجح اقتصاديا. في نظري لم تُستنفد بعد جميع الإمكانيات من أجل استيفاء كل المتطلبات التي تستدعيها نظم أعمال أخلاقية وعادلة من جهة، ومن أجل استيفاء نقاط النجاح الاقتصادي من جهة أخرى.
فإذاً كيف يجب أن تبين شركة، أن عرضها الذي تقدمه بدون سبل فساد أفضل من عرض الشركة النظيرة ؟
في نظري تعتبر الشركات الألمانية مرغوبة جدا في شرق أوروبا كشركاء تجاريين. وهذا يعود إلى جودة منتجاتها وخدماتها. فعندما توضح شركة ألمانية بداية منطقة الممنوع لديها، تستطيع حينها أن تأخذ موقعا واضحا وأن تضع حدودا إيجابية مع الشركات المنافسة التي تمارس الفساد.
لقد طرحت وزيرة العدل برجيته تسابريس مشروع قانون يزيد من حدة القوانين الجنائية ضد قضايا الفساد. هل ترى أن هذه الخطوة صحيحة ؟
من أجل مكافحة الفساد يستلزم الأمر قانونا جنائيا حادا. ولكن تحديد المكافحة على هذا المقياس سيقصر من طول يد العدالة. فمن أجل مكافحة الفساد يستلزم الأمر أيضا مواقف فكرية وسلوكية على قدر كبير من الأخلاق. فعلى الشركات أن تحدد بنفسها ما يتماشى معها وما لا يتماشى. كما يجب على الشركات ألا تنسى قول كلمة لا في وجه المواضيع التي تمس جرائم الاقتصاد.
هيئات التحريات منهكة ومكلفة فوق طاقتها. فهل توجد مشكلات كبيرة في معالجة وتقصى قضايا الفساد؟
الدوائر الحكومية تواجه ضغوطا كبيرة فيما يتعلق بمسألة الكادر الوظيفي والمصادر التنظيمية. ولكن مع ذلك، توجد الآن في العديد من الأقاليم الاتحادية نيابة عامة وأقسام خاصة لمكافحة جرائم الاقتصاد تعمل، حسب رأيي، بنجاح كبير. ولكن هذا من شأنه ألا يدفع للتفكير أن الطاقات تصل في الأغلب إلى حدودها القصوى. وهذا أمر سيئ، لأن مدى كشف القضايا يرتبط مباشرة بمحيط وعمق التحريات.
ماذا يجب على الشركات أن تفعل فعليا لكي تحمي نفسها ؟
في البداية يجب أن تضع تحليلا دقيقا للعمليات التجارية. مثال على ذلك: عندما تعتزم شركة أن تدخل السوق الأوروبية الشرقية، عليها في البداية أن تعاين المخاطر التي قد تنتج في المنطقة من أعمال جرائم الاقتصاد والفساد، وبعدها تعمل على تطوير نموذج حماية مناسب لها. إضافة إلى ذلك، يجب على الشركات أن تدقق في أهلية الشركاء والزبائن والقوى القيادية.
هل تريد أن تقول إن على الشركات أن تنفصل عن الشركاء والزبائن الذين - لا يطابقون المعايير في الأمور المتعلقة بجرائم الاقتصاد ؟
نعم، فبذلك ستجلب الشركة لنفسها على المديين المتوسط والطويل أضرارا في السمعة وكذلك مخاطر. وهذه تزن أثقل من النجاح الاقتصادي الذي ستحققه الشركة على المدى القصير.
ما الأخطاء الجسيمة التي ترتكبها الشركات عندما تتحرى خطى حادثة من حوادث جنايات الاقتصاد ؟
أنا أرى أن هناك ثلاثة أخطاء جسيمة. الخطأ الأول: الشركات تتفاعل في الأغلب مبكرا وتوجه الاتهامات للمتهمين من دون أن يتم تحليل القضية بصورة نظامية. ومن خلال ذلك، سيكون في مقدور المتهمين أن يمسحوا آثار الجريمة بكل بساطة ويعوقوا عملية التحريات. كما أن اتخاذ الإجراءات بصورة مبكرة يساعد المشاركين في الجريمة والأشخاص الذين يعملون من وراء الكواليس. الخطأ الثاني: في الأغلب يوجد نقص في الكفاءة والخبرة حول الموضوع. في العادة يقوم المتهمون بهذه الأعمال الجنائية بطاقة وخيال إجرامي عاليين. ولهذا السبب يحتاج المرء إلى أدوات وأساليب عمل خاصة لكشف اللثام عن القضايا بصورة دقيقة. الخطأ الثالث: أعمال التحري تكون في الأغلب عرضة لضغط زمني تسببه هي بنفسها، مما يؤدي إلى إعاقة القيام بعمليات تحريات واسعة النطاق.
هل النزعة إلى إشهار قضايا الفساد علنيا في تزايد ؟
هذا يختلف من شركة إلى أخرى ومن قضية إلى أخرى. ولكن هناك مواقف، تقوم فيها الشركات بإعطاء إشارة إلى هذه الرغبة من خلال إقامتها دعوى قضائية لدى السلطات الجنائية المختصة.
ما القضايا الأكثر شيوعا في جرائم الاقتصاد ؟
قضايا جرائم الاقتصاد تمس جميع القطاعات. في كل مكان يتم فيه تحريك مبالغ ضخمة، يوجد هنالك حافز للرشوة، والغش والاختلاس. والأعمال الجنائية أخذت تزداد تعقيدا وانتشارا على مستوى العالم، كما أن المؤسسات الظاهرية بدأت تنتشر في جميع أنحاء العالم، في بعض الأحيان من أجل استنفاد مبالغ مالية ضخمة للمؤسسات. كما أن الإفشاء أو الهجوم على أسرار الشركة أو معرفة وخبرة المؤسسة أخذ ينمو بشدة. ففي عالم اشتدت فيه العولمة تحدد سرعة الدخول إلى المعلومات من الذي سيتربع على القمة في سوق جديدة. ولتحقيق هذه الغاية يتم في الأغلب اللجوء إلى طرق غير شرعية.
هل توجد هناك صورة مثالية للمتهم في جرائم الاقتصاد ؟
في الأغلب لا يمتلك المتهمون في جرائم الاقتصاد إدراكا للظلم ولا فهما واسع المدى للقيمة. في العادة يتصرف المتهمون من واقع الشعور بأنهم يُعاملون بصورة سيئة، أو من واقع الإيمان أن الجميع يتصرف كما هم يتصرفون.