الغاز السعودي والتحول المنتظر

الغاز السعودي والتحول المنتظر

الغاز السعودي والتحول المنتظر

[email protected]

التركيز على صناعة الغاز في السعودية التي حفل بها الأسبوع الماضي إثر تصريحات وزير النفط المهندس علي النعيمي في ختام مؤتمر "يوروموني"، تصادف تقريبا مرور قرابة عشر سنوات على اللقاء الذي أجراه ولي العهد وقتها الأمير عبد الله بن عبد العزيز مع مجموعة من قيادات الشركات الأمريكية للتفاكر فيما يمكن أن يلعبه النفط في تطوير العلاقات السعودية الأمريكية.
ذلك اللقاء انتهى إلى ما عرف فيما بعد وإثر درس وتمحيص وجولات من المناقشات والمفاوضات، إلى ما أطلق عليه مبادرة الغاز، التي وقعت الشركات الأمريكية الرئيسية على تعاقدات مبدئية بشأنها، ولو أن تركيزها الأساسي كان يتمثل في أن تكون تلك العقود مدخلا لها للعودة إلى صناعة النفط، خاصة في جانب العمليات الأمامية من مسح وتنقيب وحفر واستخراج للنفط.
الملاحظة الرئيسية في هذا الصدد أن القرار السياسي أفسح المجال أمام ذلك الفني والمهني للبحث في التفاصيل والعمل على الوصول إلى اتفاقيات تخدم المصلحة العامة في النهاية، وهي التي تم وضعها وتلخيصها بوضوح في توفير اللقيم المناسب في شكل إمدادات للغاز وعلى رأسها تلك البتروكيماوية الثانوية، وفوق ذلك توفير الفرصة للقطاع الخاص للقيام بمشاريع والاستفادة من البنية التحتية الموجودة في مختلف بقاع السعودية، وكذلك اللقيم الذي توفره إمدادات الغاز، ويتيح الفرصة لقيمة مضافة لمنتج كان يهدر بحرقه في الهواء سابقا.
التركيز على هذه الجوانب أدى إلى بروز خلافات مع الشركات الأمريكية التي حصلت على العقود الأولية لمبادرة الغاز بصورة مبدئية. وبسبب الدعم السياسي للقرار الفني انتهى الوضع إلى إعادة تلك المشاريع إلى طاولة البحث مرة أخرى وهيكلتها مرة أخرى مع فتح باب التنافس والتفاوض بشأنها مرة ثانية، وهو ما انتهى إلى مفاجأة ببروز مجموعة من الشركات الأوروبية، الصينية، والروسية هي التي فازت بالعقود الجديدة. فقطاع الصناعة النفطية السعودية كان قاصرا على الشركات الأمريكية إلى أن تمت السيطرة بالكامل على شركة أرامكو من قبل السعودية وتسلمت إدارتها نهائيا قبل أكثر من عقدين من الزمان.
وهكذا لعب الغاز دورا مهما في تطوير علاقات الرياض الدولية ومع جهات ذات ثقل لا يُنكر على المسرح العالمي، وهو ما يماثل الدور الذي لعبه النفط ولا يزال، وهو دور مفصلي خاصة فيما يتعلق بالعلاقات مع الولايات المتحدة، الأمر الذي يمكن أن يطرح سؤالا حول المدى الذي يمكن أن يلعبه الغاز في توجهات علاقات السعودية الخارجية وإذا كانت نوعية الشركات، غير الأمريكية، التي حصلت على التعاقدات في مبادرة الغاز المعدلة تعطي إشارة إلى نوع التحول المنتظر.
النقطة الأساسية في هذا كله أن صناعة النفط السعودية حققت تطورا كبيرا خلال الأعوام الماضية أوصلها إلى مرحلة النضوج المتمثل في القدرة الداخلية على توفير التقنية والتمويل الاستثماري اللازمين لإبقاء صناعتها منافسة وتلبي احتياجات السوق، وهو عبء ظلت تقوم به وبكفاءة حتى الآن، رغم المفارقة في أن "أرامكو" تقريبا هي آخر شركة نفط وطنية تسيطر عليها دولتها. وفي الوقت الذي عادت فيه بقية شركات النفط الوطنية في الدول المنتجة إلى البحث عن مختلف أنواع الشراكات مع الخارج، فإن "أرامكو" وفيما يتعلق بالميدان النفطي تحديدا لم تبد إشارة على احتمال تخليها عن عزمها على إدارته بمفردها وبصورة كاملة.
مبادرة الغاز وما يجري على ساحته يتميز بثلاث خصائص أساسية، أن هناك تركيزا على ميدان الغاز غير المصاحب، وأهمية هذا الجانب أنه يعطي مرونة للتحركات على ساحة النفط الخام وخفض الإنتاج إذا برزت الحاجة تطبيقا لقرارات منظمة الأقطار المصدرة للنفط (أوبك) أو بسبب قرار خاص بالرياض من واقع قراءتها لواقع السوق وكيفية التعامل معه، فمعظم النفط المنتج يأتي ومعه ما يعرف بالغاز المصاحب. وبسبب الصناعة البتروكيماوية المتوسعة، فإن توفير اللقيم اللازم لها يتطلب حدا معينا من الإنتاج النفطي، لكن التحول إلى استخراج غاز مصاحب يعطي المرونة المطلوبة لتوفير الإمدادات اللازمة من الغاز ودون تضحية بحرية الحركة فيما يتعلق بمستوى انتاج النفط الخام.
أما الجانب الثاني فيتعلق بالتنقيب في مناطق جديدة لم تكن خاضعة لمثل هذا النشاط من قبل، كما أن توفير الفرصة أمام القطاع الخاص يشكل إضافة لما هو متاح من فرص اقتصادية، فالجانب الصناعي خاصة ذلك الذي يتعلق بالنفط والغاز يوفر ميزة تنافسية يمكن استغلالها لتنويع القاعدة الاقتصادية في البلاد.
زيادة الاحتياطيات من الغاز الطبيعي واحتلال المرتبة الرابعة عالميا والتوسع في شأن الغاز غير المصاحب والانفتاح إلى شراكات أجنبية تبدو مقدمات للاستعداد لوقت يتجه فيه الغاز إلى لعب دور أكثر نشاطا في ميدان الطاقة.

الأكثر قراءة