عوامل نجاح تطبيق البنوك السعودية معايير "بازل 2"

[email protected]

جاء إعلان حمد بن سعود السياري محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي (ساما)، عن دخول البنوك السعودية مرحلة وحيز التقيد والالتزام بتطبيق معايير (بازل 2) في بداية عام 2008، ليتوافق ذلك مع توجهات البنوك العالمية، التي تعمل في دول متقدمة في العالم، مثال الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا وغيرهم، سيساعد البنوك على التعزيز من وجودها على الساحة المصرفية العالمية، وسيمكنها أيضاً من الحصول على تقييمات مالية متقدمة من قبل شركات التقييم الدولية المعروفة، مثال "ستاندرد آند بورز"، ووكالة فيتش رايتنجز الدولية، وغيرهما.
الجدير بالذكر أن البنوك السعودية، تمكنت في الماضي بفضل إحكام الرقابة الداخلية المالية المشددة من قبل مؤسسة النقد العربي السعودي، من تحقيق مستويات متقدمة، فيما يتعلق بالتزامها بتطبيق معايير الملاءة المالية، التي تفرضها لجنة (بازل 1)، التي تطلبت تحقيق المصارف العالمية نسب كفاية رأس مال وملاءة مالية نسبة للأصول المرجحة بالمخاطر تساوي بحد أدنى (8 في المائة)، حيث إن البنوك السعودية تمكنت من تحقيق ما يقارب ثلاثة أضعاف تلك النسبة أو ما يساوي نحو (21 في المائة).
جاء تأكيد ثلاثة من كبار محللي وكالة التصنيف الائتماني العالمية "فيتش رايتنجز" لـ "الاقتصادية" في العدد (4981)، أن البنوك السعودية، ستتمكن من تحقيـق معاييــر (بازل 2)، لكل من رأس المال والمخاطر الائتمانية، بحلول 2008، منسجماً تماما من تأكيد محافظ (ساما)، على قدرة البنوك السعودية على تحقيق ذلك المطلب، كما أن ذلك يؤكد حقيقة وواقع حال الملاءة المالية، التي تتمتع بها البنوك السعودية، ويؤكد أيضاً مدى مستوى الجودة والنوعية المرتفعة لقاعدة الأصول المرجحة بالمخاطر، كما أن مثل تلك الشهادة، وبالذات لكونها قد جاءت من خبراء ماليين يعملون في وكالة تقييم مالي دولية محايدة مثل "فيتش رايتنجز"، يؤكد في رأيي سلامة ومتانة وقوة الوضع المالي للبنوك السعودية، الأمر الذي بطبيعة الحال سيساعدها وسيؤهلها بإذن الله تعالي للتعامل والالتزام بتطبيق معايير (بازل 2)، بحلول مطلع عام 2008، ولا سيما أن مثل تلك الشهادة الدولية لم تأت من فراغ، بل استندت في واقعها إلى التاريخ والأداء المالي المتميز والمشرف للبنوك السعودية، بالذات فيما يتعلق بالتعامل مع متطلبات (بازل 1)، التي كما أسلفت، ركزت في الماضي على تقييمها ملاءة وكفاية رأس المال، كما أن تلك الشهادة استندت في تقيميها الأداء المالي للبنوك السعودية، إلى معايير قياس فنية قاسية ومعقدة للغاية، مثال ما يعرف بـمؤشر الأنظمة المصرفية Banking System Indicator، الذي يقيس القوة الذاتية للنظام المصرفي وقدرته على التعامل مع متطلبات الاستقرار المالي.
بالرغم من المتانة المالية المتميزة، التي تتمتع بها البنوك السعودية، التي أهلتها لأن تتبوأ مراكز متقدمة على مستوى العالم، بالذات مقارنة بمصارف الدول العربية الأخرى، إلا أن ذلك الأمر لا يقلل بأي حال من الأحوال، من وجود تحديات كبيرة أمامها تتطلب منها التعامل معها من منطلق الإحساس بالمسؤولية المهنية، وأنها تعمل تحت مظلة بيئة تنافسية اقتصادية ومالية ونقدية حرة، وبالذات في ظل الانضمام الأخير للمملكة العربية السعودية إلى منظمة التجارة العالمية WTO، كما أنه يجب ألا نقلل أيضاً بأي حال من الأحوال من المتطلبات والمعايير المهنية المعقدة جدا، التي تفرضها (بازل 2) مقارنة بـ (بازل 1)، على البنوك العالمية، ولا سيما أن (بازل 2)، لا تركز فقط في تقيميها أداء المصارف على الملاءة المالية فقط، حيث إنها تركز إضافة إلى مطالبتها بتحقيق مستويات ملاءة مالية معينة، على تحقيق الالتزام بعدد كبير من المعايير التشغيلية الأخرى، ذات العلاقة بقدرة المصارف على تقييم وإدارة المخاطر الحديثة، مثال مخاطر الائتمان، ومخاطر التسويق، ومخاطر التشغيل.
في رأيي أن مسؤولية البنوك السعودية في التعامل والوفــاء بمعاييـــر ومتطلبـــات (بازل 2)، ستكون أصعب بكثير مقارنة، بغيرها من البنوك الأخرى، بالذات في ظل توجه جميعها في الوقت الحالي لتبني تطبيق تعاملات المصرفية الإسلامية، التي في رأيي ستجعل المسؤولية مضاعفة على البنوك السعودية، في التزامها بقياس درجات المخاطر، وبالذات المخاطر المتعلقة بنواحي الائتمان الإسلامي، ولا سيما أن المصارف الإسلامية تختلف في أسلوب تقيميها، لذلك النوع من المخاطر، مقارنة بالبنوك التقليدية، بسبب طبيعة صيغ التمويل الإسلامي، وكذلك أسلوب المشاركة مع العملاء في المخاطر، القائم على احتساب نسب الربحية طبقاً للنتائج الفعلية.
خلاصة القول، أن البنوك السعودية، مقبلة خلال المرحلة المقبلة على مواجهة العديد من التحديات، التي لعل من بين أبرزها وأهمها الالتزام بتطبيق معايير (بازل 2)، وكما أسلفت في مطلع العام المقبل، الأمر الذي يتطلب منها حشد الطاقات البشرية والمالية اللازمة لتحقيق ذلك المطلب، الذي بدوره رأي يتطلب التعامل مع العديد من التحديات الأخرى، التي من بين أهمها وأبرزها، التحدي المرتبط بإعداد الكوادر البشرية المؤهلة التأهيل المصرفي المهني الجيد القادر على التعامل مع تلك المعايير والمتطلبات المهنية المعقدة، وبالذات في ظل توسع البنوك المحلية في التعاملات الإسلامية.
كما أنه يجب ألا نغفل بأي حال من الأحوال، أهمية التحديات المصرفية الأخرى، التي ستواجهها البنوك السعودية في المستقبل القريب، إلي جانب الالتزام بتطبيق معايير (بازل 2)، التي من بينها على سبيل المثال لا الحصر، التحديات المرتبطة بتقديم خدمات مالية ومصرفية مبتكرة وجديدة، خاصة في قطاع الاستثمار، وإدارة الأموال، وإدارة الأصول، والتأجير، والرهن العقاري، وتمويل المستهلكين، إضافة إلى التعامل مع تحديات الموارد البشرية وتنميتها، وبالذات توطين الوظائف، وكذلك التعامل مع تحديات القدرة على تطوير أنظمة حديثة للتعامل مع إدارة المخاطر، وبالله التوفيق.

مستشار اقتصادي وخبير مصرفي
عضو جمعية الاقتصاد السعودية

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي