اليورو قوي لأن اقتصاد منطقة اليورو متماسك

اليورو قوي لأن اقتصاد منطقة اليورو متماسك

اليورو في ارتفاع، والدولار في هبوط. وفي الوقت الراهن يكاد اليورو أن يحقق مجددا المستوى القياسي الذي وصل إليه نهاية عام 2004. وبرغم هذا – وخلافا لما ساد وقتها - فإن السياسة والاقتصاد يأخذان ارتفاع قيمة اليورو هذه المرة بكل هدوء وارتياح. والسبب منطقي، فعلى خلاف ما كان عليه الوضع سابقا فإن قوة اليورو الآن تلقى الدعم عن طريق التطور في الوضع الاقتصادي وكذلك التطور الهيكلي. إذاً اليورو مرتكز على قوة نابعة من الداخل.
ويُعتبر تطور سعر اليورو مقابل الدولار ليس أكثر من جزء صغير من الصورة الكبيرة. وبهذا لا يحتل اليورو معدلا قياسيا مقابل الدولار فقط، ولكن كذلك مقابل أهم العملات النقدية، مثل الين، والفرنك السويسري. وعلى نحوٍ مماثل ينطبق الأمر على قائمة مؤشرات اليورو ذات الأهمية في التداول التجاري، التي تُعتبر نتيجة تبادل أسعار الصرف من أهم شركاء التداول البالغ عددهم 24 . وعلى نحوٍ عاكس للصورة برزت قائمة مؤشرات أسعار الدولار ذات الأهمية في التداول التجاري ضمن أدنى معدل له منذ 20 عاماً. وبصورة عامة يظهر الدولار ضعيفا، وحتى وإن لم ينطبق هذا على علاقته بالعملات النقدية الأخرى مثل الين.
والمسببات وراء ضعف الدولار هي النمو الاقتصادي المتناقص في الولايات المتحدة ومظاهر انخفاض سعر الفائدة الأساسية هناك. وإضافة إلى هذا، يضيف العجز الهائل في الميزان الإنتاجي الأمريكي عبئا مستمرا على الدولار، حيث بلغ العجز في الميزان الإنتاجي العام الماضي نحو 6.5 في المائة من حجم الناتج المحلي الإجمالي. ومن وجهة نظر اقتصادية فإن هبوط قيمة الدولار مرغوب فيه من هذه الناحية: حيث إنه يجعل السلع الأمريكية أرخص في الخارج؛ وهذا يأتي لصالح التصدير الأمريكي، وفي الوقت ذاته، ترتفع أسعار الاستيراد إلى الولايات المتحدة وكلا الجانبين يؤثران في تقليص حجم العجز في التجارة الخارجية الأمريكية.
ومع نهاية عام 2004، كان الدولار يتسم بضعف مماثل. وبالمقارنة بذاك الوقت فإن النطاق المحيط الآن مختلف بعض الشيء، فحينها تحرك هبوط قيمة الدولار بسرعة بشكل مقارن، والآن يأخذ مكانه ضمن وتيرة هادئة: منذ بداية العام، ارتفعت قيمة اليورو مقابل الدولار نحو 3 في المائة فقط. وهذا مكّن الاقتصاد الأوروبي من تعديل وملاءمة نفسه مع الأمر. ولكن بالأخص نما الاقتصاد في منطقة اليورو حينها بصورة ضعيفة فقط. وفي مقابل هذا، يقف الوضع الاقتصادي لمنطقة اليورو في الوقت الراهن تحت غشاوة وضباب – جزئياً بسبب الوضع الاقتصادي المرتفع للاقتصاد العالمي، ولكن جزئياً كذلك لأنه كسب قدرة تنافسية نظراً لإعادة الهيكلة في سوق العمل وإعادة الهيكلة الاجتماعية، وكذلك تراجع معدل الأجور. وإضافة إلى هذا، فإن البنك المركزي الأوروبي يتحرك في مسار رفع سعر فائدته الأساسية من جديد. وكذلك يجتذب مال المستثمرين الدوليين. وهذا ما يعمل على رفع قيمة اليورو.
وكذلك ما يتعلق بالهيكلة على المدى البعيد، هنالك قدرة اليورو على كسب قوة، لإضافة عبء على الدولار. وخطوة خطوة يؤسس اليورو نفسه إلى جانب الدولار على أنه العملة النقدية الأساسية. حجرة صغيرة في هذه الفسيفساء، حيث تم في العام الماضي ولأول مرة منح المزيد من القروض الدولية باليورو أكثر من الدولار. ومع اتجاهات السوق المالية في الاتحاد الأوروبي "ميفيد - Mifid – الأسواق في توجيه الأدوات المالية"، التي تم بدء العمل بها في تشرين الثاني (نوفمبر)، تصبح السوق الرأسمالية الأوروبية من وجهة نظر المستثمرين الدوليين أكثر شفافية، وبالتالي أكثر جاذبية.
وحجر فسيفساء آخر، بأن دول النمو القوية، مثل روسيا، والصين، لم تعد تربط عملاتها النقدية أكثر بالدولار وحده، ولكن بسلة من العملات النقدية، ومن ضمنها اليورو. وفي احتياطي النقدي الرسمي، فإن حصة اليورو منذ بداية عام 1999 ارتفعت من 17.9 في المائة إلى 25.8 في المائة، وانخفض وزن الدولار من 71 إلى 64.7 في المائة. وبالفعل فإن هذه لا تزال نصف الصورة الكبيرة فقط: حيث تؤسس دوماً المزيد من الدول باحتياطي نقدي كبير، من دول الخليج، إلى روسيا وحتى الصين، مؤسسات استثمارية حكومية. وهي لم تعد تخصص احتياطي فائض الحصص بالأوراق المالية الأمريكية ضمن تركيز عال ومكثف، ولكن تتجه في الأسواق المالية الدولية نحو مطاردة العوائد والأرباح. وكثير من الأمور تتحدث عن أن اليورو يُنظر له على أنه أقوى من حيث عوامل العوائد وكذلك من حيث عوامل التنوّع، أكثر مما لدى الاحتياطي النقدي الرسمي. وبالتأكيد سوف تصبح هذه الوُجهة أقوى فيما يتعلق باليورو، عندما يتحد أعضاء الاتحاد الأوروبي حتى عام 2009 على شكل العقد الأساسي، الذي يجعل الاتحاد الأوروبي أقدر من حيث التداول التجاري. أما بالنسبة للمستثمرين الدوليين، سوف تصبح السياسة الأوروبية في غمرة هذا أفضل من حيث الحسبة، وسوف تجعل منطقة اليورو أكثر جاذبية كدولة للاستثمارات.
وعن طريق تدفق رأس المال المرتفع والمنخفض، الذي يحدث بناءً على قرارات المستهلكين والمستثمرين، سوف تخضع القيمة الخارجية لليورو أكثر للتقلبات، وعلى نحوٍ مؤقت كذلك سوف تنخفض القيمة من جديد. ولكن البعض يتحدث عن أن اليورو في وجهة ليبقى قويا على المدى الطويل. وهدف السعر اللاحق للمتداولين التجاريين الآن 1.45 يورو، وهذا يطابق قيمة المارك الألماني مقابل الدولار في نيسان (أبريل) من عام 1995. ويعرض هذا الشركات في منطقة اليورو لتحديات كبيرة: ليكون بإمكانها البقاء قادرة تنافسياً، عليها أن ترفع إنتاجيتها بصورة ثابتة مستمرة. وفي المقابل يُعتبر اليورو الأقوى للمستهلك مسألة جيدة: فهو يجعل السلع الاستيرادية والرحلات إلى الخارج أرخص، ويحافظ على التضخم وبالتالي كذلك سعر فائدة متدن.
ومنذ أعوام كان ساسة النقد أمام مخاطر الأوزان العالمية غير المتعادلة. وبهذا كان بإمكان المناوشة التجارية الأمريكية – الصينية أن تنحل إلى موجة من إجراءات الحماية الاقتصادية القومية. وإضافة إلى هذا، يتوارى خلف عجز الميزان الإنتاجي الأمريكي المخاطرة، بأن يصل في يوم من الأيام إلى انزلاق في أسعار الدولار. وفي الوقت الراهن، تنخفض قيمة الدولار ببطء ولكن بثبات. وهذا يسمح بالقضاء على الأوزان غير المتعادلة ضمن مراحل منتظمة. وهنا لا تكمن أية فكرة، إلا أن التطاير المرتفع المتعلق باليورو يمكن كبحه عن طريق التدخل السياسي.

الأكثر قراءة