الجمعية الوطنية لمكافحة البيروقراطية

[email protected]

البيروقراطية داء يشتكي منه كثير من المراجعين لمختلف الجهات وهي قضية يعانيها الكبير والصغير والقريب والبعيد بل وحتى بعض المسؤولين أنفسهم يقفون أمام بعض الأنظمة البيروقراطية، التي لا يملكون تغييرها، إذ يحتاج ذلك إلى مستويات من الصلاحيات أكبر بكثير مما لديهم، ومن المتعارف عليه على أرض الواقع أن البيروقراطية هي الروتين الممل والإجراءات المعقدة والآليات العقيمة والتنظير والجدل والتطبيق الحرفي الذي لا يؤدي إلى نتائج ملموسة، في حين أن التعريف الصحيح لهذا المصطلح اليوناني أنه يعني (المؤسسة الحكومية) والمصطلح نظرية مقدمة من العالم الألماني ماكس ويبر سعى من خلالها إلى تقديم نظام إداري يتعامل مع التوسع الكبير والضخم للإنتاج يرتبط بالضبط والمراقبة وتحديد الأدوار والمهام لكل فرد ضمن هيكل هرمي يتم تعيين أفراده من خلال اختيار أكثرهم خبرة ومهارة على أن يتم العمل بهذا النظام عن طريق إجراءات وخطوات محددة ومقننة مسبقاً يتم تنفيذها من خلال أشخاص ذوي مهارة وخبرة عالية.
ومع جمال هذا التعريف لمصطلح البيروقراطية فإن تطبيق كثير من المؤسسات الحكومية قد اختلف تماماً عن هذا التعريف، إذ أصبحت البيروقراطية هي الأنانية وحب التملك وتعظيم الأنا والمركزية التي تساهم في وضع العقبات والعوائق المختلفة للتعقيد وإذلال المراجعين بدعوى تطبيق الأنظمة والتمسك باللوائح والنصوص الحرفية الموجودة ضمن القوانين.
لقد أصبحت البيروقراطية مثل السرطان إذا استشرت في مكان فهي تعم وتطغى على كل شيء وتشمل الصغير والكبير بدءًا من الحارس أو رجل الأمن أو الساعي وانتهاء بأعلى المناصب الإدارية في المنشأة مما فتح الباب واسعاً للفساد والرشوة والواسطة وغيرها من الأساليب المختلفة التي تقدم لكسر أقفال البيروقراطية وتسريع الإجراءات وإنقاذ مصالح المراجعين، إلا أن ذلك لم يساعد على إنهاء البيروقراطية بل زاد منها خصوصاً لدى ضعاف النفوس الذين تمسكوا بها أشد التمسك وأبدعوا في تطويرها ونشر ثقافتها بين زملائهم سعياً منهم نحو مصالح شخصية وحوافز مادية.
لقد أصبحت البيروقراطية - بمفهومها السعودي - واحدة من الصفات الرئيسة، التي تتسم بها كثير من المنشآت الحكومية وفي محاضرة ألقاها الدكتور عواد صالح العواد وكيل محافظ الهيئة العامة للاستثمار لشؤون الاستثمار مطلع هذا الأسبوع في الغرفة التجارية بالرياض أوضح من خلالها أن هناك العديد من التحديات التي تواجه مجتمع الأعمال اليوم والتي تكلف الدولة حوالي 60 مليار ريال ومن ضمن هذه المجالات البيروقراطية الموجودة في بعض الأنظمة، التي تساهم أيضاً في خسارة الدولة إلى 120 ألف وظيفة للشباب.
كما تم الإشارة في المحاضرة إلى أن من التحديات ضعف البنية التحتية خصوصاً في قطاع النقل وضعف إنتاجية الفرد في القطاع الخاص ففي حين ينتج الفرد في الدول المتقدمة ما بين 40- 45 ألف دولار سنوياً، أما في المملكة فإن نسبة إنتاجية الفرد الواحد في القطاع الخاص ما بين 18 – 20 ألف دولار، وهذا يؤكد أن سرطان البيروقراطية قد امتد للقطاع الخاص سواء من خلال تعامله مع القطاع الحكومي أو تبني بعض قيادات القطاع الخاص للآلية التي يعمل بها في القطاع الحكومي.

لقد قدمت دراسة متخصصة إلى إمارة منطقة الباحة العام الماضي تؤكد أن معوقات تنفيذ المشروعات الحكومية بالمنطقة تعود إلى النظم البيروقراطية التي تتحكم في تنفيذ المشاريع الحكومية بالمنطقة، وهناك عشرات الأمثلة على انتشار هذا الداء في كثير من أوساط مجتمعنا مما يدعونا إلى أن ننادي بإنشاء جمعية تهتم بمكافحة البيروقراطية في الدوائر كافة التي تخدم الجمهور ومثل هذه الخطوة ستساهم في الحد من انتشار هذا المفهوم وتقديم العلاج المناسب لتسهيل الإجراءات والحد من التعقيدات التي أذت الناس وعطلت مصالحهم وكلفت الدولة مليارات الريالات وأعادتنا إلى الوراء عقودا من الزمن في الوقت الذي تقدم فيه غيرنا إلى الأمام.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي