النظام الأمريكي يبني مديرين مغرورين يركزون على أرباح قصيرة المدى

النظام الأمريكي يبني مديرين مغرورين يركزون على أرباح قصيرة المدى

إنه من نافلة القول أن نشير إلى أن أواخر تسعينيات القرن الماضي، وأوائل هذا العقد مثلتا حقبة عجت بشكل غير معقول بعدد هائل من الرؤساء التنفيذيين البارزين. كان يرأس بنك سيتي جروب صانع الصفقات الأسطوري ساندي ويل، وكان "نيوترون" جاك ويلش على رأس شركة جنرال إليكتريك، وكان مايكيل إيزنر يتربع على عرش "ديزني". وهؤلاء كانوا الأشخاص الجيدين نسبياً. وفي الجانب المظلم من هذه الظاهرة، كان كينيث لاي في شركة إنرون، بيرنارد إيبر في "وورلدكوم"، وكونراد بلاك في شركة هولينجر. وأخيراً جاءنا فوق هؤلاء اعتباراً من عام 2001 جورج بوش رئيا للولايات المتحدة نفسها.
غير أن تغييرات كبيرة حدثت في بضع سنوات، إذ إن ويل وويلش وايزنر جميعهم استبدلوا بأشخاص أقل منهم شأناً.وبالنسبة للآخرين فإن لاي قد توفي وايبر ينظر إلى جانب الخطأ من عمله الذي استمر 25 سنة، وبلاك يواجه محاكمة في آذار (مارس) يحتمل أن يحكم عليه فيها بما يزيد على 25 سنة. والوحيد المتبقي هو بوش الذي أصبح ضعيفاً وعاجزاً، خاصة في أعقاب نتائج الانتخابات النصفية التي جرت في تشرين الثاني (نوفمبر) من العام الماضي.
إذن هل يوجد لدينا في الواقع التي كان يحكمها أناس متوهجون رجال شركات أكثر توحداً وشعوراً بالرضا يعملون تحت وطأة قانون ساربانز- أوكسلي؟ من المؤكد أن هذه المقولة فيها شيء من الصحة. إذ يبدو أن روبرت آيجر الذي خلف مايكيل إيزنر في "ديزني" يحقق نجاحاً معقولاً. وكان من أولى الخطوات التي اتخذها عدم مركزية السلطة. كما قام بإجراء صفقة مع شركة أبل وحظي بثناء ستيف جونر الذي كان معروفاً بعدم إعجابه بايزنر. بيد أن كل ذلك لم يكن بهدوء وتؤدة. ذلك أن آيجر قام بعمل جيد بجعل مسافة بينه وبين سلفه، خاصة عبر فصل كبار الموظفين في شركة موبيت القابضة، وكان الكثير منهم ممن عينهم إيزنر. في هذه الأثناء، يواصل خلفه القول للعالم إنه كان على حق، الأمر الذي يدل على أنك لا تستطيع أن تحول دون نجاح شخص مهووس بذاته.
وهناك وضع مشابه في "سيتي جروب"، فرغم أن ويل هو الذي أسس العمل بنفسه، إلا أن أساليبه الأوتوقراطية قد تفتقر أكثر من أساليب أيزنر إلى هنا، يبدو أن خلفه تشاك برينس الذي مضى على وجوده في قمة الهرم أقل من عام أقل جرأة من سلفه. ولكن هناك قلقاً من أنه في وضع صعب. ذلك أن بعض المساهمين كانوا يتوقعون عوائد أفضل من الشركة وتساءلوا عما إذا كان لديه ما يكفي من الصفات القيادية. وقد يكون برينس منزعجاً من حقيقة أن سلفه يملك ما قيمته نحو مليار دولار من أسهم "سيتي جروب".
في كلتا هاتين الحالتين، كما علق شو إنلاي- أول رئيس وزراء لجمهورية الصين الشعبية وأحد الزعماء الذين يضافون إلى قائمة الزعماء الأتوقراطيين، عن الثورة الفرنسية بالقول:" ربما كان الوقت مبكراً للحكم عليها". ولكن من الأمثلة على شخص ذهب أبعد من ذلك، جيفري إميلت الذي قفز إلى القمة في عام 2001. فمقارنة بويلتش، يوصف بأنه شخصية "سلسلة"، ومن المرجح أن هذا ليس بالأمر الصعب. وهو يحاول في الوقت الراهن استبدال ثقافة ويلش الفظة والمغامرة تقريباً، التي تقوم على خفض التكاليف بثقافة تقوم على الإبداع والتفكير الأساسي التي تعتبر أكثر ملاءمة لأواخر هذا العقد. والناس يتحدثون الآن عن ثورة إميلت.
وهكذا، فإن هناك شعوراً عاماً بأن أسلوب الرئيس التنفيذي قد تغير في أعقاب فضيحة "إنرون" وأشياء أخرى ومع إدخال قانون ساربانز- أوكسلي في عام 2002. وتقول ليزلي جينس- روس، رئيس استراتيجية السمعة في شركة ويبر شاندويك العالمية:"من المؤكد أن هناك تغييراً في نوع القائد. فهم أكثر هدوءاً، واتزاناً ويركزون جداً على المحافظة على مصداقيتهم".
ومع ذلك، فإنها تضيف في الوقت نفسه بأن الرؤساء التنفيذيين بحاجة لأن يتواصلوا أكثر. "إن مسلسل جميع الفضائح أدخلت ذلك أخيراً في وعي الناس بشكل كبير. لذا، يترتب عليهم أن يثبتوا أنفسهم بشكل يوحي، وهذا يعني أن يكون الواحد متفتحاً جداً".
وتقف سارة سويتمان، إحدى كبار الشركاء في بلو ايدج لسيكولوجية الأنشطة العملية في المملكة المتحدة موقفاً مشابهاً، حيث تجادل بأن الأسلوب المهرج لم يعد كافياً. "تظهر الأبحاث أن هناك صلة بين ما يريده الناس من زعمائهم وبين ما يجري على الصعيد الاجتماعي. وهناك دليل متنام على أن الناس يريدون ثقة أكبر وبساطة أكثر في كيفية تسيير الأمور".
إن فكرة الزعامة أو القيادة الصادقة لا تعني الكثير للأدعياء وتعني الكثير للقادة الذين يولدون الثقة والعاطفة الإيجابية اللازمة من أجل مزيد من انخراط الموظفين. ولكن هنري مينتزبيرج، أستاذ كرسي كليجورن للدراسات الإدارية في كلية ديسوتيلز للإدارة في جامعة مكجيل، غير مقتنع بهذا الرأي حيث يقول:" أنا لست متأكداً أن الأمر يتعلق بأسلوب القيادة. بل أعتقد أن هناك الكثير من الرؤساء التنفيذيين الهدامين في أي مكان، وأننا أوجدنا توجهاً نحو الإفراط في الإعجاب بالأنانيين النرجسيين".
إذن، هل بدأنا نرى الضوء؟ أبداً بالمرة، ولن نرى النور إلى أن ندفن فكرة قيمة حملة الأسهم ونتخلص من الفكرة القائلة إن الشركات موجودة من أجل حملة الأسهم فقط. وإلى أن يتم ذلك، سيكون لدينا أناس يضعون كل شيء حول المديرين التنفيذيين، وسيكون ذلك جذاباً للنرجسيين". ويقول إن قيمة حملة الأسهم في الولايات المتحدة مدفوعة بروتين النتائج ربع السنوية الممل والذي لا يكل.
ويوافق جوناثان دانسي، مدير ممارسات مجالس الإدارة في شركة بويدن للأبحاث التنفيذية على أن هناك شيئاً حول النظام الأمريكي الذي ينتج هؤلاء الأشخاص:" إن النجاح في الولايات المتحدة أمر بالغ الصعوبة إلا إذا كنت قادراً على التأثير في ال AGM. فإذا كنت تعمل في إحدى شركات وول ستريت، فإنها يمكن أن تكون قاسية على الناس. ويمكن أن تكون لديك نتائج جيدة في 12 ربعاً، ويمكن أن توصف بالأداء غير المؤثر إذا لم تحقق النتائج المطلوبة في ربعين. ويواصل حديثه قائلاً إن النظام الأمريكي يبني أناساً جيدين في تحقيق أرباح في المدى القصير. وأنا لست متأكداً أن هذا جيد لأي شركة في المدى الطويل".
إذن، ماذا عن بقية العالم؟ إن أوروبا التي يمثل فيها الموظفون في مجالس الإدارة وذات الثقافة الرأسمالية الأقل عدوانية لا تنتج أي عدد من الأشخاص المتفاخرين المتهورين. ذلك أن بالغي الثراء في أوروبا لا يحبذون الشهرة. وأحياناً لدرجة يصبحون معها مشهورين بسبب خجلهم. وكذلك الأمر بالنسبة لبلدان مثل الصين، كوريا، واليابان التي تميل إلى التركيز على الشركة وليس على الفرد.
والبريطانيون كذلك يتسمون بالتحفظ عندما يتعلق الأمر بالتفاخر بأنفسهم. ذلك أن توم باور مؤلف كتاب كونراد والليدي بلاك: الرقص على الحافة الذي صدر أخيراً (2006) يشير إلى أنه حتى لو بدا عكس ذلك أحياناً، فإن كون المرء رئيساً تنفيذياً شهيراً ليس بالأسلوب البريطاني "إذا نظرت إلى روبرت ماكسويل، ورولاند تايني، ومحمد الفايد، وكونراد بلاك، فإن جميعهم إما أجانب وإما كانوا أجانب. لم يكن البريطانيون في يوم من الأيام من ملوك المال". ويضيف بأن الأشخاص الذين يظهرون هذه النزعة مثل ريتشارد برانسون يميلون إلى القيادة بعيداً عن أسواق الأسهم.
في الواقع، فإن البلد الوحيد الذي ينافس الولايات المتحدة على صعيد شخصية رجال الأعمال الكبير هو روسيا عبر القلة النافذة فيها وأسلوبها الاستهلاكي الواضح في عقد الثمانينيات من القرن الماضي. ولكن روسيا حالة خاصة فنظامها الرأسمالي في بداياته الأولى وثروة القلة النافذة فيها هي نتاج سلب موجودات العهد السابق ونهبها.
من المحتمل إذن أن يكون ما لدى الولايات المتحدة خليط فريد من نوعه- اقتصاد كبير بما يكفي لخلق أولئك العمالقة، وثقافة تميل إلى التساهل والتسامح معهم وأسواق تشجعهم. وحتى مع ذلك، فإن التوهج والعنجهية يبدوان أقل قبولاً مما كان قبل خمس سنوات. ويجب بنا أن نتذكر أيضاً أن الرؤساء التنفيذيين الأنانيين كانوا إلى درجة كبيرة نتاج زمنهم وشارك كل واحد منا إلى حد ما في خلقهم. لقد انتهت هذه الحقبة للتو، وكانت علامة بارزة من حيث الهوس بالأنشطة العملية.
وحظيت الصحافة بجزء لا بأس به من الوفرة غير المعقولة في أعداد الرؤساء التنفيذيين. إذ كانت الصحافة تبجل هؤلاء الناس وكانت صورهم تظهر على أغلفة جميع المجلات، وفجأة أصبحت صورهم بأهمية أفعالهم. وكانت الصحافة تسعى لمعرفة آرائهم، وكانت وسائل الإعلام تحتشد حولهم وتقلق راحتهم سواء برغبة أو دون رغبة منهم، ووصلت ملكية الأسهم إلى الأجزاء التي لم تصل إليها الاستثمارات الأخرى. وفي ضوء هذا الإعجاب بشخصية قائد النشاط العملي، فربما كان بعض وحوش الأنا هؤلاء وحوشاً إعلاميين ويقول مينتربيرغ:" إنني لا أعتقد حقيقة أن جاك ويلش كان قائداً نرجسياً. إن الصحافة هي التي كونت هذه الصورة حوله".
على صعيد مختلف قليلاً، فإننا بحاجة إلى الحذر حول كيفية النظر إلى الماضي. ويشير سويتمان إلى حدوث شكل من المراجعة التاريخية. إذ يقول إننا بحاجة إلى أن نسأل أنفسنا ما إذا كنا نعتقد أن هؤلاء الأشخاص كانوا مميزين في ذلك الوقت- أم أننا نراهم كذلك لنؤكد ذكرياتنا عن حقبة زمنية؟ إن الأشرار الأوائل- وهذا هو الاعتقاد السائد- يمثلون حقبة مجنونة تتسم بهوس الذات، لذلك يجب أن يكون من يحركونها ويهزونها هم المهووسون بالذات.
ولكن ذلك لا يغير من حقيقة أن هناك تغييراً. لذا يجدر بنا أن نتساءل عما إذا كان ينبغي لنا أن نغتبط لأن هؤلاء الرؤساء التنفيذيين المدفوعين بذواتهم في طريقهم إلى مغادرة المسرح. وربما كانوا الأشخاص المناسبين في أوقاتهم. وربما ليسوا كذلك. وفي واحد من أفضل الكتب (وأكثرها مبيعاً)، التي صدرت حول هذا الموضوع حتى الآن، وهو كتاب Good to Great (2001)، يورد جيم كولينز عدداً من الشروط والأحوال المسبقة التي من شأنها أن تؤدي إلى وجود شركة عظيمة. وأحد هذه الشروط هو سلسلة من الرؤساء التنفيذيين الذين صعدوا إلى أعلى المراتب وجمعوا بين " التواضع الشخصي والإدارة المهنية". وفي الحقيقة، فإنه لا ينصح بالرؤساء التنفيذيين الكاريزميين (الذين يسحرون الجماهير).
وزيادة على ذلك، فإن هناك الكثير من الرؤساء التنفيذيين العظام الذين رغم شهرتهم ليسوا بأكبر من الحياة ويمضون وقتهم في تسيير العمل والعمل على تقدمه. وكان الكثير منهم موجودين قبل الرؤساء التنفيذيين والأنانيين وما زالوا موجودين في الساحة. ويعتبر بيل جيتس مثالاً عظيماً على هؤلاء. وكذلك هو وورين بوفيت، وكذلك سيرجي برين ولاري بايج من جوجل، وبيير أوميديار من إيباي.
وبطبيعة الحال، فإن العديد من هذه الأسماء شائعة، ولكن ذلك يعود فقط إلى أن بريق الشهرة يلاحقهم، وليس العكس. وربما من الجدير الذكر أن جميعهم امتلكوا (أو يمتلكون) حصصاً كبيرة في شركاتهم، وبالتالي يتفادون الحاجة للانحناء إلى مطالب حملة الأسهم بالطريقة المعتادة ويعطونهم الوقت للتركيز على الأهداف بعيدة المدى.
إذن، هل هناك بالفعل ما يمكن أن نقول إنه رئيس تنفيذي ذو شخصية جيدة؟ ربما. يقول مات كنجدون، رئيس مجلس إدارة إنوفيشين للاستشارات: " لا أعتقد أن هنالك اختياراً بين الرؤساء التنفيذيين المتغطرسين والبارعين." وماذا لو كان الأمر كذلك!. ويضيف: " إن عملنا مع كبار قادة الأعمال في أنحاء العالم أبرز هذا الاتجاه الذي يكتسب زخماً على ما يبدو، وهو القيادة من خلال "التبعية"- وهو أنك قائد حقيقي فقط إن كان هنالك من يتبعك."
وإن حاجة القادة إلي تابعين قد يبدو واضحاً، ولكن حينما تقارن بين بوفيه وأي رئيس تنفيذي عادي، يحيا أو يموت وفقاً لنتائج الربع المقبل، فحينها يمكن أن تقدر ما يعنيه كنجدون. وسواء أكانت مثل هذه التبعية بعد ربعين من النتائج السيئة ممكنة لرئيس تنفيذي لا يمتلك حصة كبيرة في شيء آخر.
وهل يميز هذا التحول تحولاً دائماًً؟ بالطبع لا. فالأساليب التجارية تأتي وتذهب مثل أي موضة، ولرؤية الرئيس التنفيذي المتغطرس في العمل، فإن المرء بحاجة إلى النظر إلى الوراء إلى إقطاعيي أواخر القرن التاسع عشر، حيث كانوا أكثر من مكافئين لنظرائهم الحاليين حينما يتعلق الأمر بغرور الرئيس التنفيذي وكثير من أسمائهم مثل جون دافسون روكفيللير، وأندرو كارنيج، وجي بي مورجان، وكورنيليوس فانديربيلت، تعتبر جزءًا من ثقافة شعبية. ومن المستبعد أن ينطبق هذا على العديد من الأسماء اللامعة في وقتنا الحاضر، على الرغم من أن كين لاي يمكن أن يقوم بذلك.
ومن ثم يمكن أن يبدو أن الرؤساء التنفيذيين ذوي الشخصيات الكبرى أصبحوا موضة قديمة، لكنهم لم ينحدروا أو يخرجوا. على الرغم من أن معظم الأشخاص الذين ترأسوا العمل يمكن أن يكونوا الآن شخصيات رئيسية أدنى، إلا أن العديد منهم يرى أن النظام الأمريكي يعاني خللا جوهريا وسوف يظل دوماً يجتذب رئيساً تنفيذياً يعاني الغرور.
هل يمكن لأي شيء أن يصنف ذلك؟ يرى منتزبيرغ أنه بغية اجتذاب النوع السليم من الأشخاص ذوي التوجه السليم لإنشاء القيمة فإن الشركات بحاجة إلى التخلي عن التقارير ربع السنوية، وأن هنالك عدداً قليلاً منها يجب ألا تدرج نفسها، ويجب أن يكون لها ممثلون من دوائر أخرى ( مثل الموظفين) في مجالس إداراتها. وبالطبع، فإن العامل الرئيسي الذي من شأنه أن يحقق الكثير من هذا بضربة حجر واحدة هو الركود الكبير.
فهل يعتقد أن هذا سيحدث؟

الأكثر قراءة