لقاء المائدة المستديرة الآسيوي الثاني
لقاء المائدة المستديرة الآسيوي الثاني
لقاء المائدة المستديرة الذي استضافته الرياض لمنتجي ومستهلكي النفط الآسيويين، يأتي بعد أكثر من عامين من اللقاء الأول الذي استضافته العاصمة الهندية نيودلهي بمبادرة من الوزير السابق ماني شانكار، الذي تمكن وبدعم كويتي من تحقيق اللقاء الأول.
الآن وكالذي سبق، فإن اللقاء تعرض إلى قضايا متعددة على رأسها أمن الإمدادات وضمان تدفقها سواء فيما يتعلق بالناحية الجيوسياسية والأمنية، أو حتى بمجرد وجود الطاقة الإنتاجية القادرة على تلبية احتياجات السوق الآسيوية المتنامية، التي أصبحت مركز الثقل فيما يتعلق بنسبة الاستهلاك التي تمثل الجزء الأكبر من السوق. ولخص المهندس علي النعيمي وزير النفط السعودي، الوضع بقوله إن المنتجين في غرب القارة على استعداد لضمان توفير الإمدادات للمستهلكين في شرقها.
الذي يربط بين الجانبين يتجاوز عنصر الجغرافيا كونهما في قارة واحدة، وإنما ينسحب إلى أن السوق الآسيوية أصبحت أكثر مستهلكي نفط الخليج، إذ تستوعب قرابة 60 في المائة من صادرات المنطقة إلى الأسواق العالمية إلى جانب أنها السوق صاحبة أكبر نسبة نمو في الطلب المتوقع في المستقبل المنظور، إذ تمثل قرابة نصف النمو المنتظر.
ولهذا يفترض أن تلعب مثل هذه اللقاءات دورا يتجاوز الحوارات العادية التي تشهدها مثل هذه المؤتمرات، خاصة أن هناك عوامل لا بد من وضعها في الاعتبار، وعلى رأسها أنه رغم تنامي الحديث عن اللجوء إلى خيارات أخرى في ميدان الطاقة وتحديدا بعد بروز قضايا التغيير المناخي، إلا أن واقع الحال يشير إلى أنه حتى منتصف القرن، فإنه يتوقع لحصة النفط إلا تشهد تغيرا كبيرا فيما يتعلق بنصيبها في إطار التشكيلة العامة لمصادر الطاقة.
أما النقطة الثانية، فإن الحصيلة النهائية لجهود ثاني أكبر اقتصاد في العالم وهو الاقتصاد الياباني وعبر أكثر من ثلاثة قرون من الزمان لتخفيف اعتمادها على النفط وعلى نفط الخليج تحديدا يبدو أنها لم تحقق الأهداف الكبيرة التي وضعت لها، بدليل الجولة التي قام بها رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي إلى منطقة الخليج، وركزت فيما ركزت على ضمان الإمدادات لاحتياجات بلاده من النفط والغاز لدرجة تقديم عروض بتمويل طويل الأجل أو الحصول على تعهدات بإقامة مخزونات استراتيجية تعطي أولوية إلى اليابان عند الحاجة والعمل على تعديل استراتيجية الطاقة اليابانية بما يساعد على تملك حصص أكبر في شركات أو مصادر عاملة في مجال النفط، وهو ما رأى فيه العديد من المحللين إقرارا عمليا بفشل الجهود السابقة.
على أن العامل الأكثر أهمية إنما يتمثل في أن القارة الآسيوية وبسبب نموها الاقتصادي الضخم من ناحية فهي في حاجة ماسة ومتنامية لتوفير احتياجاتها من الإمدادات، لكنها في الوقت ذاته تكاد تخلو من موارد نفطية كافية تجعل الإقليم مكتفيا، الأمر الذي يجعل من الضروري البحث في الخارج عن مصادر لتلبية هذه الاحتياجات. وتمثل حالة إندونيسيا تلخيصا لوضع الطاقة النفطية الآسيوية، فإندونيسيا هي الدولة الوحيدة العضو في منظمة الأقطار المصدرة للنفط، لكنها تقريبا الوحيدة التي يتراجع إنتاجها باستمرار، كما أنها لم تستطع الاستفادة من نمو الطلب وذلك لأسباب هيكلية تعود إلى تراجع مخزونها، رغم أنها لا تزال في وضع أفضل فيما يتعلق بمخزونها من الغاز الطبيعي.
والأمر هكذا فإن القارة مرشحة لحدوث سباق لضمان الإمدادات وضعا في الاعتبار أن معظم دولها تتمتع باقتصادات ذات معدلات عالية للنمو السنوي، هذا إلى جانب نموها السكاني الكبير، وهو ما يضع ضغوطا كبيرة عليها يتجاوز كونها دولة مستهلكة إلى جانب المنتجين والمصدرين، فتلبية الاحتياجات يظل هاجسا لجهة العمل لمنع حدوث حالة من الهلع تؤدي إلى مضاربات سعرية يتأذى منها المنتجون كالمستهلكين، ولهذا فإن مثل لقاءات المائدة المستديرة هذه تكتسب لها أهمية إضافية أكثر من كونها لقاء عاديا بين منتجين ومستهلكين، كما أنها تتجاوز نوع العلاقة التي كانت سادت عندما برزت قضايا الطاقة ببعدها الاستراتيجي عند الصدمة النفطية الأولى.
على غير العلاقة مع الدول الغربية، فإن البعد السياسي يبدو مغيبا إلى حد ما رغم صعوبة استبعاده كلية، كما أن للدول الآسيوية عموما خاصة النجوم البازغة مثل الصين والهند وكورية الجنوبية، سجل أفضل فيما يتعلق بسجلها في التعامل التجاري مع بقية دول العالم الثالث وهي أكثر تفهما لعقلية وآمال وطموحات المنتجين بصورة مما كان عليه الوضع إبان الحوارات التي دارت بين المنتجين والمستهلكين الغربيين بصفة أساسية في فترة السبعينيات والثمانينيات، بل حتى العقد الماضي الذي شهدت بعض التطورات المتواضعة.
الانطلاق من حقيقة أن السوق والصناعة النفطية عموما أصبحت تتحرك من خلال لاعبين جددا يبدو هو المدخل الحقيقي لأي استراتيجيات أو خطط مستقبلية، لأن الدول الآسيوية أصبحت هي المرشحة لأحداث تأثير أكبر في السوق النفطية من الدول الغربية.