قراءة في نتائج موازنة البحرين لعام 2006
كشف تقرير الحساب الختامي الصادر من وزارة المالية في البحرين لعام 2006 عن تباين كبير بين الأرقام المعتمدة من جهة والفعلية من جهة أخرى، بل إن ما تحقق في العام الماضي ما هو إلا تكرار لما آلت إليه الأمور في السنوات القليلة الماضية وتطبيق المعادلة التالية: ارتفاع الإيرادات مقابل تراجع المصروفات ومن ثم تحويل العجز المتوقع إلى فائض فقد ارتفع دخل الموازنة بنسبة 44 في المائة وذلك على خلفية ارتفاع أسعار النفط, في المقابل حدث تراجع قدره 8 في المائة للمصروفات بسبب الضعف في صرف مخصصات المشاريع الإنشائية. وعليه تم تحويل العجز المتوقع وقدره 428 مليون دينار إلى فائض حقيقي حجمه281 مليون دينار (743 مليون دولار).
الدخل النفطي
كما أسلفنا, ارتفع دخل الخزانة بواقع 44 في المائة إلى 1840 مليون دينار (4.9 مليار دولار) لسبب جوهري هو تسجيل ارتفاع حاد للإيرادات النفطية الفعلية مقارنة بتلك المعتمدة. وكانت وزارة المالية افترضت سعرا منخفضا قدره 30 دولارا لبرميل النفط بيد أن المتوسط ارتفع إلى 59 دولارا للبرميل الواحد أي نحو ضعف الرقم المعتمد. وفي المحصلة شكلت الإيرادات النفطية تحديدا 77 في المائة من دخل الخزانة, ما يعني اعتماد الاقتصاد البحريني بشكل نوعي على القطاع النفطي رغم كل الحديث عن التنوع الاقتصادي.
تحصل البحرين على إيراداتها النفطية من ثلاثة مصادر، هي: حقل أبو سعفة, حقل البحرين, ومبيعات الغاز, شكلت مبيعات حقل أبو سعفة 80 في المائة من مجموع الدخل النفطي. المعروف أن البحرين تتقاسم إنتاج حقل أبو سعفة مع الجارة والشقيقة الكبرى السعودية (يبلغ إنتاج الحقل 300 ألف برميل في اليوم).
الإيرادات الأخرى
إضافة إلى الدخل النفطي, توقعت وزارة المالية دخلا غير نفطيا قدره 379 مليون دينار (مليار دولار) في عام 2006. تحصل الموازنة على هذه الإيرادات عن طريق الضرائب على الواردات فضلا عن الرسوم على الخدمات الحكومية ومبيعات المنتجات مثل الكهرباء وعوائد الاستثمارات, إضافة إلى الإعانات من دول الجوار.
بيد أن الأرقام النهائية كشفت عن ارتفاع الإيرادات الأخرى بنحو 12 في المائة لكنها مثلت 23 في المائة فقط من مجموع الإيرادات.
المصروفات المتكررة
اعتمدت السلطات البحرينية مصروفات لعام 2006 قدرها 1703 ملايين دينار (4.5 مليار دولار) إلا أنها صرفت أقل من ذلك بنحو 8 في المائة, أي 1558 مليون دينار. تنقسم المصروفات إلى قسمين (المتكررة والمشاريع): خصصت الحكومة مبلغا قدره 1101 مليون دينار للمصروفات المتكررة (أو 65 في المائة من مجموع المصروفات). وبالفعل تم صرف كل مخصصات المصروفات المتكررة لتغطية أمور مثل رواتب وأجور القطاع العام والصيانة.
كشف تقرير الحسابات الختامي عن بعض التفاصيل المثيرة منها أن الأجهزة الأمنية والعسكرية (وزارات الدفاع والداخلية والحرس زائد جهاز الأمن الوطني) استحوذت على 31 في المائة من مجموع المصروفات المتكررة. حقيقة لا يعرف سر هذا البذخ على الأمور الأمنية والعسكرية. لا شك من الأفضل توجيه الأموال نحو أمور أخرى مثل إنشاء مساكن للمواطنين وتطوير الطرقات وتحسين شبكات نقل الكهرباء (تم تسجيل العديد من حالات انقطاع التيار الكهربائي في أماكن مختلفة من البلاد في الأسبوعين الماضيين), فضلا عن الصحة والتعليم.
المصروفات الإنشائية
من جهة أخرى, خصصت السلطات 602 مليون دينار (1.6 مليار دولار) للمشاريع الإنشائية في موازنة عام 2006 للصرف على أمور مرتبطة بالبنية التحتية مثل الكهرباء والطرقات والإسكان وتطوير المطار والموانئ.
بيد أنه قامت الحكومة بصرف مبلغ قدره 457 مليون دولار (1.2 مليار دولار) من المصروفات المعتمدة للأغراض الإنشائية بواقع 145 مليون دينار أقل من الإحصاءات المعتمدة. لكن شكل الرقم 457 مليون دينار نقلة نوعية في المصروفات مقارنة بعام 2005 عندما صرفت الحكومة 265 مليون دينار فقط. بلغت نسبة التنفيذ لمخصصات المشاريع الإنشائية 76 في المائة عام 2006 مقابل 53 في المائة فقط في عام 2005. ويبدو أن مسألة عدم صرف المخصصات كاملة مرتبطة بقضايا مثل عدم توافر الإمكانات لتنفيذ المشاريع التنموية. وهناك سبب آخر وهو الخوف من زيادة حدة التضخم جراء مصروفات القطاع العام.
في المحصلة كشف تقرير الحساب الختامي لعام 2006 عن تزايد (وليس تناقص) الأهمية النسبية للقطاع النفطي, الأمر الذي يجعل الاقتصاد البحريني تحت رحمة التطورات في السوق النفطية العالمية. المعروف أنه ليس بمقدور البحرين التأثير في حركة أسعار النفط, بل إنها ليست عضوا في منظمة الأقطار المصدرة للنفط (أوبك). فقد شكل الدخل النفطي أكثر من ثلاثة أرباع دخل الخزانة العامة, كما مثلت الصادرات النفطية النسبة نفسها من مجموع الصادرات. يبقى أن البحرين تتحدث عن مساهمة القطاع النفطي في الناتج المحلي الإجمالي عندما تشير إلى التنوع الاقتصادي. يسهم القطاع النفطي بنحو 20 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة (أي تلك المعدلة لعامل التضخم), ويعود ذلك بالدرجة الأولى إلى أهمية قطاعات أخرى مثل الخدمات المالية.