هل تلبي مؤسسات الوساطة المالية احتياجات السوق والمستثمرين؟
تتطلع السوق المحلية مستقبلاً إلى العديد من التطورات الإيجابية على مختلف المستويات، لعل من أبرزها ترسخ دور المؤسسات الاستثمارية العملاقة في السوق، وتعاظمه بما يخدم استقرار السوق وتحقيق مصالح المستثمرين فيها، وأن تصبح بدورها قناة وسيطة بين أصحاب الاستثمارات من جهة، ومن جهةٍ أخرى أسواق الأوراق المالية المحلية والعالمية بمختلف أدواتها. على اعتبار أن تلك المؤسسات تسير في خططها ومنهجيتها العملية وفق آليات تتسم بالدرجة الأولى بالرشد والعقلانية المستندة إلى خبراتٍ عالية التأهيل والكفاءة، وقدرتها الفائقة أكثر من غيرها المتوافرة لدى الأفراد العاديين على اقتناص الفرص الاستثمارية الأكثر جدوى، وتجنب الخيارات العالية المخاطرة، بما يساهم في المحافظة على مدخرات المستثمرين بالدرجة الأولى، وتحقيق القيم المضافة فيها، هذا إضافة إلى أهمية أن ترتبط بالقرارات الاستراتيجية لتلك المؤسسات المالية العديد من القضايا الاقتصادية والمالية ذات العلاقة بالنمو الاقتصادي الوطني، بأن تساهم بدورها في تلبية الحاجات التمويلية للاستثمارات المحلية في المجالات التنموية، سواءً تلك التي تساهم في تنويع القاعدة الإنتاجية المحلية، أو ما يعزز من القدرة التنافسية للاقتصاد الوطني.
بدأت هيئة السوق المالية منذ منتصف عام 2005 بعد إصدارها لائحة "الأشخاص المرخص لهم" بمنح تراخيص الخدمات المالية، وصلت حتى اليوم إلى 53 ترخيصاً ممنوحاً في مجال الخدمات المالية، شملت خمسة مجالات رئيسة هي: "1" التعامل - يتضمن تنفيذ ومقاصة وتسوية صفقات التداول. "2" الإدارة – تتضمن إدارة صناديق الاستثمار وإدارة محافظ العملاء. "3" الحفظ – يتضمن خدمات حفظ أموال العملاء أو أصول العملاء، ويجب ألا يقل رأسمال مقدمي هذه الخدمات عن 50 مليون ريال. "4" الترتيب - يتضمن تنفيذ ترتيبات تقديم المنتجات والخدمات التي يقدمها الغير أو التي تقدم برعاية الغير أو تتعلق بالغير، وهذا الترخيص يجب ألا يقل رأسمال مقدم خدماته عن مليوني ريال. "5" الاستشارة – تتضمن تقديم الاستشارات الاستثمارية للعملاء، ويجب ألا يقل رأسمال مقدم هذه الخدمة عن 400 ألف ريال. ووفقاً للائحة الأشخاص المرخص لهم فقد أُلزم الشخص المرخص له بالالتزام التام بالعديد من المبادئ التي حرصت اللائحة على توافرها مجتمعةً لا إمكانية للتنازل أو التجاوز عن أحدها، وهي كما يلي: "1" النزاهة، وذلك بممارسة أعماله بنزاهة. "2" المهارة والعناية والحرص، وذلك بممارسة أعماله بمهارة وعناية وحرص. "3" فعالية الإدارة والرقابة، وذلك باتخاذ جميع الوسائل المعقولة لتنظيم شؤونه بمسؤولية وفعالية واعتماد سياسات ونظم ملائمة لإدارة المخاطر. "4" الكفاية المالية، وذلك بالاحتفاظ بموارد مالية كافية حسب القواعد التي تحددها الهيئة. "5" السلوك الملائم في السوق، وذلك بالالتزام بمعايير سلوك ملائمة في السوق. "6" حماية أصول العملاء، وذلك بترتيب الحماية الكافية لأصول عملائه. "7" التعاون مع هيئات الرقابة والإشراف، ومن ذلك الإفصاح للهيئة عن أي حدث أو تغيير جوهري في عملياته أو هيكله التنظيمي. "8" التواصل مع العملاء، وذلك بتزويدهم بالمعلومات بصورة واضحة وعادلة وغير مضللة. "9" مراعاة مصالح العملاء الأفراد، وذلك بمعاملتهم بإنصاف وعدل، ومراعاة مصالحهم. "10" عدم تضارب المصالح، وذلك بمعالجة تضارب المصالح بينه وبين عملائه الأفراد أو بين عميل فرد وعميل آخر بإنصاف. "11" الملاءمة للعملاء الأفراد، وذلك ببذل الحرص للتأكد من مدى ملاءمة مشورته وإدارته لأي عميل فرد يقدم له تلك الخدمات. وأجدها فرصةً هنا لأنصح أي مستثمر بضرورة العودة إلى نصوص لائحة الأشخاص المرخص لهم قبل أي تعاقد مع أي من المؤسسات المالية القائمة الآن، وإن لم تكن لديه القدرة على ذلك فلا بد من استشارة من يثق به للاستفسار عما لم يستطع فهمه منها قبل اتخاذ أي قرار في هذا الخصوص.
وبالنظر في تفاصيل التراخيص الممنوحة حتى الآن في السوق المحلية التي وصلت إلى 53 ترخيصاً، نجد أنها توزعت على النحو الآتي: 30 ترخيصاً للتعامل، أي ما نسبته 57 في المائة من الإجمالي. 24 ترخيصاً للإدارة، بنسبة 45 في المائة من الإجمالي. 23 ترخيصاً للحفظ، ما نسبته 43 في المائة. 40 ترخيصاً للترتيب، بنسبة 75 في المائة. 45 ترخيصاً للاستشارة، أي ما نسبته 85 في المائة. وتكشف هذه التوزيعات العددية والنسبية عن استئثار الاستشارة بالحصة الأكبر، يليها ترخيص الترتيب، فيما تظل حصة الإدارة والحفظ الأقل نصيباً، وفي رأيي أن ترخيص الإدارة قياساً على سمات سوقنا المحلية التي يتشكّل أغلب المستثمرين فيها من الأفراد بما يفوق 90 في المائة، فيما لا يتجاوز حجم قوة استثمارات الصناديق الاستثمارية القائمة الآن في السوق أكثر من 2.3 في المائة من إجمالي القيمة الرأسمالية للسوق. ومن جانبٍ آخر لا يتجاوز عدد الصناديق الاستثمارية السعودية بمختلف أنواعها 215 صندوقاً فقط! وصل إجمالي أصولها الاستثمارية بنهاية آذار (مارس) 2007 إلى نحو 81.2 مليار ريال، بأعدادٍ ضئيلة من المشتركين لا يتجاوزون 475.3 ألف مشترك. ننظر إلى هذه الأرقام على أنها متدنية قياساً على تجارب الأسواق المتقدمة أو الناشئة من حولنا، خاصةً وأنها صناعة رائدة ظلّت تتنامى عالمياً من عام 1924 في الولايات المتحدة إلى اليوم الذي أصبحت فيها أعدداها تتجاوز 57 ألف صندوق استثماري، بإجمالي أصول تفوق 18 تريليون دولار أمريكي "68 تريليون ريال". ففي الولايات المتحدة وحدها تتجاوز أعداد الصناديق الاستثمارية فيها 8.1 ألف صندوق استثماري بأصول تفوق 9.0 تريليون دولار أمريكي، وفي كوريا الجنوبية يتجاوز عددها 7.3 ألف صندوق استثماري بأصول استثمارية تتجاوز 200 مليار دولار أمريكي! إذاً يجب أن يتركز الكثير من الاهتمام التنظيمي والاستثماري على هذه المنتجات ذات الحاجة الماسة بالنسبة للسوق، إذا أُريد لها جدياً أن تتحول في الأجل الطويل إلى سوقٍ قائمة على المؤسسات الاستثمارية المتخصصة.