لا وجود للغرر والميسر والربا في التكافل.. الوجه الجديد للتأمين

لا وجود للغرر والميسر والربا في التكافل.. الوجه الجديد للتأمين

ينطوي التطور السريع الذي شهدته السوق الخاصة بآلية الحماية من المخاطر عبر نظام التكافل في أسواق التأمين العربية والآسيوية في الشهور الـ 28 الماضية على أهمية إقليمية كبيرة. ذلك أن المجتمعات الإسلامية برزت على الدوام بباع قصير في مجال التأمين، وخاصة الجوانب الشخصية منه، سواء التأمين على الحياة أو غيره. وتقدم شركات التكافل نفسها باعتبارها توفر للمسلمين حلاً مقبولاً لإدارة المخاطر والوقاية منها، وهذا ما لم تتمكن شركات التأمين التقليدية من تقديمه في نظر الكثيرين.
مما لا شك فيه أن العامل الديني الذي تعمل شركات التكافل في ظله يكبح من مرونتها على الصعيد التشغيلي، ومن المؤكد أنه يفرض عليها ضغوطاً إضافية في مجال الحوكمة الرشيدة للشركات، لأنه يتوجب عليها، أن تستنبط منتجات وخدمات تتفق مع أحكام الشريعة.
وقامت "ستاندرد آند بورز" بدراسة آليات عمل سوق التكافل من منظور تصنيف شركات التأمين من حيث قوتها المالية. وتبين لدينا أنه رغم عدم مألوفية الهياكل العملية لنظام التكافل، فما من شك في أن مفهوم التكافل جدير بأن يعد عملية تأمينية.

تقاسم الربح بـ "المضاربة" أو "الوكالة"
بالنسبة لجميع شركات التأمين، يقوم النشاط العملي على مبدأ تراكم الخطر وتقاسمه مع حملة الأسهم، سواء أكانوا من حملة بوالص التأمين أو المستثمرين.
إن العملية التأمينية هي عبارة عن قيام شخص أو جهة (حامل البوليصة) بتحويل الخطر المالي الذي قد يتعرض له إلى طرف ثالث (شركة التأمين) مقابل رسم محدد ( قسط التأمين). وعبر هذا الترتيب، يحصل حامل البوليصة على راحة البال أو اليقين فيما يتعلق بتكلفة النائبة التي تحل به وتسبب خسارة له، ويتمكن من استعادة قيمة الخسارة أو إعادة الوضع إلى سابق عهده. أما شركة التأمين، فتتجمع لديها حقيبة من المخاطر تتقاضى رسوماً مقابل تحملها للمسؤولية المترتبة عليها. وبفضل تنوع هذه الحقيبة، فإنه يمكن تخفيف آثار المخاطر في حالة وقوع حدث تنجم عنه خسارة، وعندها يتم استخدام المبالغ المتجمعة من رسوم التأمين لتعويض حملة البوالص.
وإذا كانت شركة التأمين قد قدرت احتمالات وقوع الحدث الذي يسبب الخسارة بشكل صحيح، وحددت السعر تبعاً لذلك، فإنها يمكن أن تحقق ربحاً من هذه العمليات. ويمكن تقاسم هذا الربح مع أي من حملة أسهم البرنامج التأميني – أي حملة الأسهم والمستثمرين و/أو الموظفين والمديرين، وذلك يعتمد على نوع النشاط العملي لشركة التأمين. وفي نظام التكافل، يمكن أن يتم تقاسم هذا الربح عبر طرق المشاركة "كالمضاربة" أو "الوكالة"، الأمر الذي يعتمد على البرامج التأمينية.
إن شركات التكافل توفر الحماية للمساهمين أو المشاركين ( حملة البوالص في نظام التأمين التقليدي) وذلك عبر تجميع المساهمات ( أقساط التأمين) ووضعها في صندوق يتم تأسيسه من أجل المنفعة المشتركة للمساهمين. وهذا الصندوق هو المصدر الذي يتم منه الدفع للمساهمين، وإذا ما تعرضوا لخسارة يجوز لهم المطالبة بالتعويض عنها.
تعتبر الشريعة الإسلامية أن نظام التأمين التقليدي يحقق الفائدة عبر حالة عدم اليقين، ومن المقامرة والفائدة الربوية في تعاملاته، وهذا هو سبب تحريم الدين لاستخدامه من قبل المجتمع الإسلامي. وهذا ما حدا بعلماء الدين المسلمين إلى إيجاد آلية التكافل التي تتفق مع الأحكام الشرعية لتجنب المخاطر وإدارتها. وتكتسب العلاقات الاجتماعية بين أطراف هذا البرنامج أهمية بدورها لأن الإسلام يحث على التعاون والمشاركة، ومن السمات الرئيسية لشركات التكافل الإسهام في الصالح الاجتماعي بشكل ما، عدا عن تقاسم الأرباح.
ومن وجهة نظر ستاندرد أند بورز، فإن هناك اختلافاً مهماً بسيطاً بين نموذج التكافل وبين التأمين التقليدي من منظور الممارسة العملية والمنافع أو الميزات التي تقدم لحملة الأسهم، وأطراف العملية التأمينية. إن الآلية الأساسية لقبول الخطر والمشاركة فيه تستخدم من جانب كثير من شركات التأمين التقليدية. ومن أبرز الأمثلة على ذلك، قطاع التأمين المتبادل المستخدم عالمياً، ونوادي الحماية والتعويض أو التأمين للأسواق البحرية العالمية، التي يعتبر فيها الأعضاء المشتركون مسؤولين فقط عن تحمل تكاليف المخاطر المتكبدة.
إن البدائل العملية للمحفظة الوطنية التعاونية لصناديق الادخار في فرنسا، وبنوك الادخار التعاوني الإسبانية مثل بنك Caja de Ahorros في إسبانيا التي تعد مؤسسات مالية اجتماعية خيرية وغير ربحية، وهي نظائر لنموذج التكافل في تقاسم الأرباح وتقديم الدعم على الصعيد الاجتماعي. كما أن سوق اللويدز التي يتشارك فيها الأعضاء الضامنون في تقاسم المخاطر عبر آلية الصندوق المركزي هي مثال مفيد على هذا التشابه.
وفيما يلي إيضاح لنقاط المقارنة بين نموذج التكافل وبين النموذج الأساسي (التقليدي) للتأمين.

عدم اليقين ( الغرر)

تسعى جميع بوالص التأمين إلى توفير حالة من اليقين والاطمئنان لحامل البوليصة فيما يتعلق بالتكلفة (وهي القسط الذي يتم تقاضيه) تحويل خطورة غير مؤكدة إلى طرف آخر، وتعويض الخسائر الحاّلة.
إن العلاقة بين المؤمن عليه وبين شركة التأمين منظمة ومشرعة بإحكام عبر العالم، وتوفر تصنيفات ستاندارد آند بورز للقوة المالية لشركات التأمين دليلاً لحملة بوالص التأمين على مأمونية شركات التأمين أو قدرتها على الدفع. ففي المملكة المتحدة، على سبيل المثال، تخضع شركات التأمين لأنظمة متشددة تحكم عملها وتتدخل الجهات المعنية إذا ما كان هناك غموض يكتنف العقود التي تبرم مع حملة البوالص. إن القواعد التي تحكم إدارة العمل التأميني وممارسة نشاطه تؤمن عموماً باليقين والوضوح، وهذا موضع ترحيب في جميع أعمال التأمين ويعمل به في الطيف التأميني برمته.

القمار (الميسر)
إن فكرة المقامرة بذاتها بغيضة بالنسبة لشركات التأمين. وإن ما تسعى هذه الشركات إليه هو تعويض حامل البوليصة عن خسارته. وأهم عنصر من عناصر نموذج النشاط التأميني هو أن المؤمن عليه لا ينبغي أن يصبح أفضل حالاً أو أكثر ثراء في حال حصول تسوية تأمينية. ذلك أن أي حامل بوليصة ينتفع بشكل غير عادل أو مشروع من حماية اشتراها يلحق الضرر بالأطراف الأخرى للعملية التأمينية.
ففي العملية التأمينية، يخوّل حامل البوليصة حق الحصول على فائدة قابلة للتأمين، وهو معرض في الحقيقة إلى خسارة محتملة. وهناك أنواع من التأمين تتضمن عنصراً من عناصر الربح غير المتوقع، ويرتبط هذا العنصر بعملية تحويل الخطر، ولكن في جميع الحالات يكون تحويل الخطورة مستقلاً من الناحية التعاقدية عن عدم يقينية عنصر الربح. بيد أن تعقيدات هذه الهياكل محددة بوضوح في بنود العقد وشروطه، ولا يتم إخفاؤها عن أطراف هذه العملية.

الفائدة الربوية
تسعى شركات التأمين إلى تعزيز دخلها التأميني الصرف عبر استثمار المبالغ الفائضة لديها. وقد تستثمر هذه المبالغ، على سبيل المثال، في صناديق تعطي فائدة ربوية أو في محافظ أسهم تولد أرباحاً ومكاسب استثمارية، وهذه ببساطة مسألة ترجع إلى ما يختاره المديرون أو حملة أسهم الشركة. أما صناديق المشاركة في الأرباح، فاليقين فيها أقل فيما يتعلق بحجم المداخيل والتدفقات النقدية، وهي أقل أماناً وأكثر عرضة للتقلب، مما تزيد معه حالة عدم اليقين وعنصر "المقامرة".

الأكثر قراءة