وليس من سبيل لإشباع شهية المخاطرة لدى المستثمرين

وليس من سبيل لإشباع شهية المخاطرة لدى المستثمرين

يفرك المتفائلون الشجعان بين المستثمرين أعينهم وهم في حالة من الذهول، فحركة التصحيح التي شهدتها أسواق الأسهم تبين أنها ليست فقط حركة تصحيح صغيرة، وإنما أيضا مذهلة في وتيرتها القياسية. ولم يستغرق الأمر سوى خمسة أسابيع لتعويض الخسائر في رسملة الأسواق. بينما لم تتمكن الأسواق من استعادة توازنها بعد حركة تصحيح أيار (مايو) إلا بعد ستة أشهر. ولكن هذا ليس كافيا. إذ يبدو أن شهية المستثمرين للمخاطرة لم يجر إشباعها حتى الآن، فهم يريدون المزيد، كما يتبين من الرقم القياسي الجديد لمؤشر داو جونز. وباختصار فإن ضعف سوق العقارات الأمريكية، وارتفاع أسعار النفط، وقوة اليورو، وخطر السخونة الزائدة في الصين، إن كل هذه العوامل الخطيرة مجتمعة لم تكن كافية لوقف السيل المتدفق من رؤوس الأموال الاستثمارية إلى أسواق الأسهم.
ومما لا شك فيه أن الانتعاش الذي تشهده الدورة الاقتصادية وحده لا يبرر هذا التفاؤل المبالغ فيه. صحيح أن الاقتصاد العالمي يمر بأطول مرحلة من النمو لم يشهد مثلها منذ 40 سنة، فوفقا للتنبؤات الأخيرة لصندوق النقد الدولي ستستمر مرحلة النمو فوق المتوسط حتى عام 2008. ولكن المهم بالنسبة لأسواق الأسهم هو حالة بدء تراجع واضح في نمو عائدات الشركات. ومن المعروف أن معدلات نمو الأرباح ذات الخانتين أصبحت في ذمة الماضي بالنسبة للعديد من الأسواق وقبل كل شيء في أمريكا خاصة. وبالتالي فإن ملامح مرحلة الازدهار بالنسبة للأسهم تغيرت، ففي الوقت الذي كانت فيه أرباح الأسهم في السنوات الأربع الماضية مدعومة من قبل تطور الأرباح بشكل عام، تبرز الآن عوامل أخرى يجري جمعها تحت اسم "الندرة"، حيث يتقلص المعروض من الأسهم ويتمدد الطلب على هذه الأسهم.
أو لزيادة الأمر حدة، يمكن القول إن المضاربات على علاوات الاستحواذ المجزية هي وحدها التي تدفع بمؤشرات الأسهم في العديد من الأسواق إلى ذرا جديدة. فحتى بالنسبة لقطاع يبعث على الملل، من حيث تطور عائداته، مثل قطاع الاقتصاد الائتماني، أصبح موضوعا ساخنا للمضاربات كما أظهر الأسبوع الماضي. إذ إن قرب بيع بنكABN Amro الهولندي يمكن أن يشكل دفعة لعملية إعادة تنظيم المشهد المصرفي الذي كان متوقعا منذ سنوات، وهو بالتأكيد له ما يبرره بالنسبة لحسابات المستثمرين.

وفي الوقت الذي تشتد فيه المنافسة على بنك أمرو الهولندي، وهو ما أدى لارتفاع سهمه مرة أخرى في الأسبوع الماضي بنسبة 8 في المائة، فإن من الضروري التعامل بحذر مع الشائعات التي تحيط بعملية الاستحواذ تلك. هذا وقد ارتفع سعر سهم الدويتشه بانك أيضا في خمسة من أيام التعامل بنسبة 7.3 في المائة، وذلك جزئيا بفضل المضاربات الجريئة حول احتمال عودة مجموعة سيتي جروب الأمريكية للاهتمام مجددا بالبنك الألماني الذي يحتل المرتبة الأولى في مجاله. وثمة أيضا أنباء حول اهتمام بنك يونيكريديت الإيطالي، ببنك سوسيتيه جنرال الفرنسي وهو ما أدى لارتفاع سعر سهمه في الأسبوع الماضي بنسبة 16 في المائة. غبر أن الفرنسيين نفوا الجمعة الماضية وجود أية مفاوضات بهذا الشأن. أما الجانب الإيطالي فيؤكد وجود بعض الاتصالات، ومن المعروف أن الاتصالات في العادة هي الخطوة السابقة للمفاوضات.
أما أن حمى الاستحواذ لن تبرد بسرعة كبيرة، فتضمنه شروط التمويل المثالية، وهي الشروط التي يجد المستثمرون أنها بقيت على ما كانت عليه دون تغيير. إذ على الرغم من زيادة أسعار الفائدة في أمريكا وأوروبا لا تزال الحوافز للتمويل الخارجي للصفقات كبيرة. كما أن أرباح الأسهم، التي تعرف بأنها عبارة عن نسبة عائد السهم إلى قيمته السوقية، والتي تبلغ في بلدان القارة الأوروبية ما نسبته 7 إلى 8 في المائة، وهو ما يشكل نحو ضعف عائد أسواق رأس المال في المدى الطويل. ويبدو أن هذه العلاقة لن تتغير على حين غرة، وإنما بشكل بطيء.
إن أسواق الأسهم الأوروبية، وقبل كل شيء أسواق الأسهم الألمانية، كانت هي المستفيدة في هذه الأثناء من الانطباع الإيجابي نحوها من قبل الجهات الخارجية. ويذكر في هذا السياق أن النمو الاقتصادي في الفضاء الأوروبي لهذا العام يتوقع له أن يتفوق على النمو في الولايات المتحدة، كما أن مستوى نمو أرباح الشركات سيكون في ألمانيا أعلى من مستواه في الخارج. وباختصار يمكن القول إن الجاذبية النسبية لأسواق الأسهم الأوروبية أقوى مما كانت في أي وقت مضى. وتجدر الإشارة أيضا إلى أن الاستطلاع الذي أجرته مؤسسة ميريل لينتش لمديري المشاريع بين أن الفضاء الأوروبي مقيم بأقل مما يستحق، بينما اعتبر السوق الأمريكية بأنها مقيمة بأكثر مما تستحق. هذا وقد ارتفع مؤشر الأسهم الألمانية منذ بداية السنة الجارية بنسبة 11.3 في المائة مقابل 4.7 في المائة فقط لمؤشر إس آند بي 500 الأمريكي. وطبعا هذه النسب محسوبة على أساس العملات المحلية. أما على أساس قاعدة نقدية مشتركة فإن الفارق أكبر من ذلك بكثير لأن اليورو ارتفع سعر صرفه في هذه الأثناء بنسبة 3 في المائة بالنسبة للدولار. وفي الأسواق الألمانية وفي يوم الجمعة تسلقت العملة المشتركة للمجموعة قمة أخرى ببلوغها 1.3638 دولار لليورو وهو ما يقل بأقل من نصف سنت عن الرقم القياسي الذي سبق لها أن سجلته في 30 كانون أول ( ديسمبر ) 2004 عند 1.3667 دولار لليورو. ومع ذلك فلا يكاد المرء يسمع أي تعليقات تعبر عن قلق السياسيين والمصرفيين الأوروبيين إزاء قوة اليورو. ولعل هذا يدل أيضا على استدامة هذه الحالة من الانتعاش الأوروبي. ومن الجدير بالذكر أن سعر صرف اليورو لم يرتفع خلال الأشهر الثلاثة الماضية بأكثر من 3 في المائة، ولكن هذه النسبة كانت كافية لتعكير آفاق النمو في الفضاء الأوروبي. ومع ذلك فإن الأمور لم تبلغ نهاياتها بعد، إذ مما لا شك فيه أن تجارة العملات ستكون في الأسابيع المقبلة بمثابة اختبار لمعرفة أين تبدأ حدود الألم الأوروبي.

الأكثر قراءة