مستقبل الخليج على المحك ... ماذا نحن فاعلون!
دول مجلس التعاون الخليجي، على الرغم من عدم تحقيقها التكامل الاقتصادي، ولكنها تعتبر حتى يومنا هذا التجربة التكاملية العربية الوحيدة التي كتب لها البقاء والاستمرار. واستطاعت تجاوز كل المعوقات والأحداث التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط ومنطقة الخليج، لذلك ولمرة أخرى، يعود الشأن الخليجي ومستقبله للطرح حيناً بعد حيناً، آخرها التقرير الذي نشرته صحيفة الاقتصادية في عددها الصادر يوم الجمعة الرابع من أيار (مايو) 2007، بعنوان "ثلاثة سيناريوهات متوقعة للاقتصاد الخليجي خلال العشرين سنة القادمة".
أسباب الدراسة، كما نقلها التقرير، ليس أمن الطاقة وحسب، بل للعوامل المتسارعة التي تشهدها أسواق المال والبناء اللوجستي للمدن الاقتصادية ومحاولة استغلال موقعها الاستراتيجي في التجارة العالمية! والحديث الآن، ما الجديد؟ فالسيناريوهات المعلن عنها تغطي كافة الاحتمالات المتوقعة.
هذا صحيح! ولكن الدراسة أعمق وأشمل، وشملت مدى قبول الحكومات بأحدث تغير جذري في سياستها الخارجية، ودراسة وتقييم القطاعين العام والخاص وقدرتهما على إجراء الإصلاحات السياسية والاقتصادية وفرض سيادة القانون واحترام الحريات القانونية والشخصية، وكذلك مدى قدرتنا كخليجيين المحافظة على الاستقرار والأمن الداخليين؟ ومن الملاحظ هنا أن عوامل التغير أصبحت مقبولة لدى دول الخليج وهي تتفاوت في حراكها وتسارعها، فنجدها في الكويت بتجربتها الدستورية، وفي سلطنة عُمان بتجربتها المدنية، وأخيرا إمارة دبي بتجربتها الاقتصادية.
الدراسة استغرق إعدادها 18 شهراً، وشارك فيها أكثر من 300 خبير من منطقة الخليج وخارجها بالتعاون مع مجلس التنمية الاقتصادية في البحرين وجهاز الشؤون التنفيذية في أبوظبي، و"شركة العليان المالية" في السعودية، والدراسات الثلاث حملت عناوين "الواحة"، و"العاصفة الرملية"، و"الخليج الخصيب".
فالأولى سيناريو "الواحة": وهي ترى أن الاستقرار الإقليمي سيظل يشكل تحدياً بالنسبة لدول الخليج، ولكنها ستتمكن من تحقيق إصلاحات مؤسسية كبيرة، كما ستعمل دول المنطقة على بناء علاقات تعاون قوية وستعمل معاً لتنسيق السياسات الاقتصادية والدبلوماسية من خلال إدارة حكم تكنوقراطية، وسوق داخلية أكثر قوة، وهنا تعليق جيد من الخبير برهان غليون، بقوله إن المطلوب مراجعة جذرية للخيارات الاستراتيجية الكبرى التي حكمت نظام الأمن الخليجي في العقود الأربع الماضية، فلم يعد من المقبول ابتعاد دول الخليج عن البيئة الإقليمية المحيطة، وارتباطه مباشرة أمنيا وسياسيا وتجاريا وثقافيا باقتصادات العالم الغربي، وهو ما يزيد من اغترابه، ويقلل من تفاعله الإيجابي مع الشعوب القريبة منه.
وهنا يمكننا القول، إنه ليس هناك ما يحتم على دول الخليج أن تختار استراتيجية الجزيرة المعزولة، التي تجعلها جنة على الأرض مقارنة بما حولها ولكنها قلعة محاصرة. والخيار الأمثل هو أن يكون هناك نظام أمني قائم على كاهل الدولة وأبنائها، وتبني استراتيجية إيجابية قائمة على تعزيز علاقات التعاون والتشاور والتفاهم مع دول المنطقة جميعا والدول الكبرى بما فيها الصين والهند، مع أهمية تجاوز الإيديولوجيات القومية المنتشرة في المنطقة، ولا يتطلب تحقيق ذلك أن تتخلى دول الخليج عن علاقاتها المتميزة مع الغرب، ولكن ضرورة الاحترام والاعتراف بالمصالح العليا الاستراتيجية لدول الخليج وعدم خلطها كليا مع حاجات ضمان تدفق النفط إلى الدول الصناعية، وهو ما يتطلب تأكيد هامش استقلال أكبر لهذه الدول في صوغ سياساتها والتعامل مع محيطها، والاعتراف بشخصيتها ومصالحها الأمنية المتميزة.
ثانيا: سيناريو "العاصفة الرملية": وهو يرى أن حالة عدم الاستقرار في المنطقة هي العامل الرئيسي الذي سيقوض قدرة دول الخليج على إجراء الإصلاحات المؤسسية الضرورية بطريقة فاعلة، بسبب عدد من العوامل المركبة التي تجعل المنطقة المحيطة مضطربة إلى حد كبير منها ما هو (داخلي) مثل تنامي الشعور القبلي والتعصب التي تسعى لمصالحها على حساب الأقليات. وهنا يشير الدكتور حسن الشريف مستشار "الإسكوا"، إلى أن غياب مؤسسات الدولة الفاعلة وعدم قدرتها أو إرادتها على الالتزام بمعايير حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية، يؤدي إلى "تراجع مفهوم المواطنة مقابل تقدم الانتماءات العرقية والمذهبية الضيقة على سواها من الانتماءات الوطنية". "وأضيف"على قوله إن انتقالنا من (الوسطية) إلي تيارات دينية مختلفة وبأسماء حركية مثل: تيار إسلامي متشدد، وتيار إسلامي ليبرالي، وكلاهما يسيران تحت مظلة الشريعة الإسلامية، ولكن المشكلة في التيارين الصراع وحب السيطرة ورغبتهم التحكم في المجتمع بطريقة التوجيه والسير بنا إلى (أيديولوجيتهم) الفكرية.
كذلك نجد أن عراكهم مع الحكومات الخليجية، يتسم ما بين الاندفاع البطيء نحو التغير أو الرفض والمواجهة، يقابلها في الطرف الآخر التحدي (الخارجي) مثل النزاع الدائر بين الولايات المتحدة وإيران، والعنف الحاصل في العراق، الذي خرج من الدكتاتورية المطلقة إلى الفوضى العارمة، وقد تفضي بدورها إلى اتساع دائرة العنف إلى خارج العراق للدول المحيطة، ويتضح من هذا السيناريو أن واشنطن ستدير العمليات في المنطقة بالصورة التي تتوافق مع رؤيتها، وتوحي لدول الخليج على وجه الخصوص باتخاذ المواقف المناسبة من العراق وإيران، وهو مأزق تعيشه الدول الست، مما يجعل مستقبل منطقتنا شبه غامض وملامحه غير واضحة.
ثالثاً سيناريو "الخليج الخصيب": ويرى ظهور دول الخليج كمراكز للابتكار في بيئة عالمية تتسم بالطلب القوي على الطاقة وتنامي العولمة، وسيتيح الاستقرار الإقليمي لدول مجلس التعاون الخليجي الفرصة لتركيز جهودها على تطوير كوادرها البشرية على جميع المستويات، والاستثمار بقوة في التعليم، ومواصلة مسيرة الإصلاح السياسي والمؤسسي وتطوير مفهوم الدولة المدنية والمتحضرة إسلامياً، والتي تأخذ بالتدرج في تطوير آليات الشورى والقضاء الشرعي وبناء المجتمع المدني، وهي الأنسب لنا في دول الخليج حتى نضمن استمرار عمليات التنمية الإصلاحية وفق متطلبات الشعوب.
ختاماً، هناك شبه اتفاق بين المواطنين على أن "الإرادة السياسية" في مجلس التعاون الخليجي، حسمت كثيراً من الملفات داخل الكيان الخليجي وتمثل ذلك في سلسة من القرارات والاتفاقيات، فالواضح أن المشكلة الرئيسة في الجانب الاقتصادي تتمثل في برنامج وجدول تنفيذها، أي أننا في حاجة إلى "إرادة سياسية" مرة أخرى لدفعها إلى الإمام! لكننا إذا أردنا الشفافية قليلاً فلم تعد أبداً لغة "المصلحة" تتفوق على لغة "الإرادة!