نجاح الصناديق الاستثمارية الإسلامية يتطلب قبول كل بلد بتشريعات البلد الآخر
كيف نستنبط تشريعات كفؤة وفاعلة لتسهيل عمليات التمويل الإسلامي العابرة للحدود؟
من منظور تنظيمي وتشريعي، فإن نقطة البداية التي ينبغي الانطلاق منها هي التسليم بأن المبادئ الأساسية لتنظيم أسواق المال التقليدية تنطبق بالقوة نفسها على أسواق المال الإسلامية.
وينبغي أن يخضع هذا الأمر للاختبار لأنه سيكون له تأثير جوهري على النهج الذي تتبعه الحكومات والمشرعون مع امتداد تأثير هذه الأسواق واتساع دائرة عملها.
وإذا ما ركزتم على الفلسفات الرئيسية التي تميز بين أسواق المال التقليدية والإسلامية، فمن المرجح أن تتوصلوا إلى الاستنتاج الخاطئ. ذلك أن تحريم عدم اليقين والمضاربة، والمطلب القاضي بأن يتمتع البائع بحقوق ملكية قانونية قبل المضي في عملية البيع- إذا أخذا معاً, قد يوحيان بأن طوبات البناء التشريعي الخاصة بتنظيم التمويل الإسلامي ينبغي أن تكون مختلفة عن الطوب المستخدم في تنظيم التمويل التقليدي. وفي اعتقادي أن هذا خطأ.
إذ إن المبادئ التي تشكل أساساً لتنظيم الأسواق التقليدية مصممة بشكل رئيسي لضمان قدرة المؤسسات المالية على الوفاء بوعودها. وقد تتخذ هذه شكل وعود بتعويض حملة البوالص عن الخسارة، أو تسديد حقوق المستثمرين أو المودعين بناء على شروط معينة يتم الاتفاق عليها عند إبرام العقد. وقد قامت اتفاقية بازل بتطوير مبادئ ومعايير (تعكس خصائص الوعود البنكية)، وطورت IAIS مبادئ ومعايير (تعكس خصائص الوعود التأمينية)، كما طورت IOSCO مبادئ ومعايير (تعكس خصائص وعود أسواق المال). وبالطبع، فإن التنظيم يمتد إلى ما هو أكثر من تأكيد الوعود، وأكثر ما يتجلى ذلك في قطاع السندات حيث تعتبر نزاهة السوق الثانوية هدفاً رئيسياً لهذه السياسة. ولكن في الأغلب، جاء تطور تنظيم الخدمات المالية لتخفيف آثار عدم الاستقرار الذي يمر به نظام مالي ما عندما لا تحترم المؤسسات المالية وعودها.
بناء عليه، فبينما تحتاج القواعد التنظيمية إلى ما يكملها لاستيعاب نواحي الاختلاف، فإنه ينبغي تبني المعايير الدولية التي تحكم التمويل التقليدي من قبل، باعتبارها حجر الزاوية لتنظيم التمويل الإسلامي.
وتلعب منظمات مثل مجلس الخدمات المالية الإسلامية IFSB وال AAIOIFI دوراً مهماً في التعامل مع مسائل كالتكميل، ولكنها ينبغي أن تتجنب الازدواجية أو تغيير المعايير الحالية التي يمكن أن تنطبق بالقدر نفسه على القطاعين التقليدي والإسلامي كليهما. وإذا فعلنا غير ذلك، فإننا نضيف إلى عبء التقيد الخاص بهذه الصناعة، ونضع القيود على تدفقات المنتجات العابرة للحدود ونعيق قبول منتجات نظام التمويل الإسلامي باعتبارها جزءاً مكملاً لأسواق المال العالمية.
ويستتبع ذلك أنه عند التفكير في أفضل كيفية يمكن للمشرعين أن يسهلوا بها المعاملات المالية العابرة للحدود، ينبغي أن نبدأ بالسوق التقليدية. فإذا قمنا بتحديد القضايا الرئيسية في تلك السوق، فإننا نستطيع عندها أن نتعامل مع المسائل التكميلية التي تنشأ في سياق التمويل الإسلامي.
إن تسهيل تدفقات الأعمال التجارية العالمية عبر مواءمة التشريعات ليس بالموضوع الجديد وسيظل محل خلاف.
ولكي ينجح هذا المسعى، هناك حاجة إلى التبادلية. وهذا معناه أن يرضى كل بلد عن التشريعات التنظيمية المعمول بها في البلدان الأخرى. وفي حالة الصناديق المدارة، فإن هذا يعني النظر إلى متطلبات كل منها فيما يخص حوكمة الصناديق، وإلى متطلبات الإفصاح الخاصة بها، وإلى التزاماتها المتعلقة بالتقارير وما إلى ذلك. إن على كل مشرع أو جهة تنظيمية أن تكون راضية بأن الآخر لديه أحكام مناسبة على صعيد التقيد، وصلاحيات وممارسات تنفيذية، وأن الطرفين يتمتعان بمكانة جيدة لدى واضعي المعايير ذوي العلاقة، وأنهما ملتزمان بالمستويات المناسبة من المشاركة في المعلومات والتعاون. فإذا أمكن التغلب على جميع هذه العقبات، فإن بإمكان كل مشرع أن يطمئن إلى أن الاختلافات في التفاصيل على صعيد النهج التشريعي أو التنظيمي لن تلحق ضرراً بالمستهلكين المحليين للمنتجات ذات المصدر الأجنبي.
إن كل ذلك يبدو معقداً، وهو كذلك بالفعل. ولكن للأسباب التي أوضحتها اليوم، فإن ذلك هو السبيل الوحيد المتاح حالياً لمعظم المشرعين، ويمكن أن ينجح، كما يستدل على ذلك من الإعلان المشترك الذي صدر أخيرا عن SC Malaysia هيئة سوق المال الماليزية وعن سلطة دبي للخدمات المالية.
لقد تمخض هذا عن إبرام أول اتفاقية اعتراف متبادل بين هاتين الجهتين التنظيميتين وعن التأسيس لأول مرحلة مهمة لنا في مجال التنظيم العابر للحدود لصناديق الاستثمار الإسلامية. وبموجب إطار الاعتراف المتبادل، فإنه يجوز تسويق الصناديق الإسلامية التي وافقت عليها SC وتوزيعها في الـ DIFC بأقل قدر من التدخل التنظيمي. وعلى النحو نفسه، سيتم تسويق الصناديق الإسلامية التي تم تسجيلها لدى DFSA أو إشعارها بها، بسهولة أكثر لدى المستثمرين الماليزيين.
ونأمل أن تكون هذه مجرد خطوة أولى نحو علاقة متنامية ليس فقط بين هاتين الجهتين التنظيميتين، ولكن بين أهم مركزين للتمويل الإسلامي في العالم.