ما قصة نجاح الشركات الصينية والهندية .. نماذج من الاستثمار الأمثل للعولمة

ما قصة نجاح الشركات الصينية والهندية .. نماذج من الاستثمار الأمثل للعولمة

ما قصة نجاح الشركات الصينية والهندية التي دخلت قائمة الـ "فاينانشيال تايمز" لأكبر 500 شركة؟
توجه الانتقادات الحادة واللاذعة إلى الشركات متعددة الجنسيات على أنها تستغل أفقر الناس في هذا الكوكب. ولكن هذه النظرة خاطئة تماماً وعارية من الصحة.
هناك جيش خليط من أنواع شتى من الذين يشنون حملة قوية لإنقاذ العالم، وهو منذ سنوات يستصرخ العالم ويحذره من سوء الشركات متعددة الجنسيات وشرها، ويعدها تقوم بدور شرير في موجة العولمة التي تكتسح بلدان العالم الثالث. وهم يقولون إن هذا الاتجاه العام المنذر بالشؤم إنما يعمل على ملء بطون الأغنياء وتعميق الفقر والاضطهاد في صفوف الفقراء وعلى سحق الاقتصادات المحلية.
ولكن تبين فيما بعد أن العولمة أمر طيب، ليس للأغنياء فقط، وإنما للفقراء على وجه الخصوص. ويقول صندوق النقد الدولي إن الاقتصاد المزدهر في الهند والصين ـ الفيل والتنين ـ عمل على انتشال 200 مليون شخص من وهدة الفقر المدقع في التسعينيات مع ازدياد زخم العولمة. وقفز عشرات الملايين غيرهم مسافة بعيدة باتجاه الطبقة المتوسطة.
أطلقت الصين اقتصادها في عام 1978، حيث زرعت الرأسمالية بين المزارعين الذي حرروا حديثاً وأصبح بإمكانهم بيع ثمار حقولهم بدلاً من تسليم المحصول إلى الجمعيات التعاونية التابعة للحزب الشيوعي.
وساعد الاستثمار المباشر الأجنبي المباشر على دفع الناتج المحلي الإجمالي في الصين إلى أكثر من عشرة أضعاف ما كان عليه في عام 1978. فمنذ أن بدأت الإصلاحات، تدفقت إلى الصين مبالغ مقدارها 600 مليار دولار، منها 70 مليار دولار في العام الماضي. وأنشأ الأجانب مئات الآلاف من المعامل الجديدة في الوقت الذي أنشأت فيه الحكومة الصينية مناجم الفحم والشبكات الكهربائية الواسعة والمطارات والطرق السريعة لتيسير التوريد لتلك المعامل.
وفي الوقت الذي كانت فيه الصين تبني البنية التحتية، أنشأت مناطق اقتصادية خاصة تستطيع عن طريقها الشركات الأجنبية الراغبة في إنشاء معامل حديثة توظيف اليد العاملة الرخيصة ومواصلة العمل لسنين دون دفع أية ضرائب، وأن تدع للحكومة بناء الطرق ومشاريع البنية التحتية الأخرى اللازمة لها. وعمل هذا كله بدوره على دفع صادرات الصين من 970 مليون دولار إلى 974 مليار دولار خلال ثلاثة عقود.
وقفز معدل دخل الفرد في الصين من 16 دولاراً في السنة عام 1978 إلى 2000 دولار الآن.
أي أن أهل الصين بادلوا بدراجاتهم إما الدراجات النارية أو السيارات.
تقول إحدى النساء، وعمرها 23 سنة، وهي تعمل لدى إحدى شركات الشحن الدولية في بكين: "كان والداي يعملان في سلك التعليم حين كانا في سني، وكان أجرهما 30 يوانا (3.70 دولار) في الشهر. أما أنا فإنني أتقاضى أربعة آلاف يوان (500 دولار) شهرياً، وأعيش عيشة مريحة وأشعر أن أمامي فرصاً أفضل مما كان متوافراً لوالدي".
جدير بالذكر أن الرأسمالية وحدها لا تكفي لإعادة تشكيل اقتصادات العالم الثالث، وإنما العولمة هي الأساس في ذلك. ومن أهم الأسباب التي تجعل الهند متخلفة عن جارتها في الشمال الشرقي في إخراج الطبقات الدنيا من الفقر هو أنها، حتى بعد اعتناقها الرأسمالية، أبقت الحواجز أمام تدفقات رأس المال من الخارج. وهكذا نرى أن 77 في المائة من الهنود يعيشون على دولارين أو أقل في اليوم، كما يقول بنك التنمية الآسيوي.
تحررت الهند من الاستعمار البريطاني في عام 1947 وظلت تحمل علامات من آثاره الأبوية (أي تقديم الرعاية دون إعطاء الحقوق أو المسؤوليات). في البداية جمعت الهند بين الرأسمالية والانعزالية الاقتصادية. وعرقلت جهود الشركات الأجنبية التي كانت عازمة على الاستثمار فيها وأعاقت الشركات الهندية التي كانت تحاول تصدير منتجاتها إلى الخارج.
وفي عام 1991 ضربت الهند أزمة مالية. وكانت بحاجة ماسة إلى السيولة، ولذلك أرسلت حمولة طائرة من احتياطي الذهب إلى لندن وبدأت بفتح اقتصادها على كره منها. ومنذ ذلك الحين عادت الشركات الأجنبية إلى الهند واستثمرت فيها 48 مليار دولار منذ 1991، منها 7.5 مليار دولار خلال السنة المالية السابقة فقط، وهو المبلغ نفسه الذي يُضخ في الصين كل ستة أسابيع. وبحلول منتصف التسعينيات ازدهر الاقتصاد وخلق ملايين الوظائف. وبحلول أواخر التسعينيات بدأت شركات التكنولوجيا بالتحول إلى الهند من أجل تصميم برامج الكمبيوتر.
وأثبت الهنود أنهم يتمتعون بالمقدرة وبالعمالة الرخيصة، وبدأت طفرة شركات الأفشور التي كانت مكروهة من قبل. وفجأة أخذ مهندسو البرمجيات الهنود يصممون برامج أجهزة الكمبيوتر في الشركات الأمريكية. ووظفت شركات البناء عمال الإنشاء لبناء بنايات عالية جديدة كثر الطلب عليها فجأة مع تدافع الشركات الأمريكية والأوروبية لتوظيف العمال الهنود.
إن الفيل الذي كان ثقيل الحركة، يقفز الآن في حركة نشطة، رغم مطاراته المهملة وطرقاته المليئة بالحفر، وينمو بمعدل يزيد على 7 في المائة سنوياً خلال العقد الأخير.
ولكن هذا كله ليس كافياً لإقناع هيئة تعرف باسم "المنتدى الدولي حول العولمة". إذ تصرح هذه المجموعة أن هدف العولمة هو "تحقيق المنفعة للشركات متعددة الجنسيات على حساب العمال، وللمستثمرين الأجانب على حساب الشركات المحلية، وللبلدان الغنية على حساب البلدان النامية. وفي حين أن المدافعين عن العولمة يدعون أن هذا الأنموذج هو الموجة المقبلة التي سترفع جميع القوارب (أي أن الازدهار الاقتصادي هو في مصلحة الجميع) إلا أن حركات المواطنين تجد أنها بدلاً من ذلك لا ترفع إلا اليخوت الفاخرة".

الأكثر قراءة