دراسة: المشاعر السلبية تنتقل بين الموظفات بسرعة انتشار الفيروسات

دراسة: المشاعر السلبية تنتقل بين الموظفات بسرعة انتشار الفيروسات

دراسة: المشاعر السلبية تنتقل بين الموظفات بسرعة انتشار الفيروسات

الشخصية المتذمرة التي ينطبق عليها المثل القائل "لا يعجبه العجب "، شخصية تنتشر في عدد لا بأس به من مواقع العمل، خصوصا النسائية منها، ولا يقتصر تأثيرها على الشخص نفسه، بل يتعداه ليؤثر في زملائه في العمل، طبقا لدراسة حديثة، تناولت هذا النمط من الشخصيات بالتحليل النفسي الدقيق ومعرفة مدى الأبعاد العملية التي تنعكس من هذه الشخصية حيث تعرضت الدراسة بتحليل مواقف مختلفة لها وطرح الحلول المقترحة للتعامل معها.
وأظهرت الدراسة أن الموظف المتذمر يؤثر سلبا في جو العمل العام كما أن مشاعره السلبية تنتقل بدورها إلى بقية الموظفين، فهنالك موظفون اعتادوا التذمر من جميع ما يدور حولهم، وفي كل مكان، فتراهم يتذمرون خلال الاجتماع الدوري للموظفين أو حتى في وقت الراحة أو في الكافتيريا.
وتقول الدراسة إن هذا النوع من الموظفين بإمكانه امتصاص طاقة زملائه الموظفين بمجرد إطلاقه بضع كلمات سلبية، كما أن تعليقاتهم السلبية تطال حتى الأخبار الجيدة فمزاجهم المتعكر ينتقل كالعدوى لزملائهم فيتعكر مزاجهم تباعاً، وهنا أكد مختص في علم النفس أن المرأة أكثر تأثرا بالشخصية المتذمرة في داخل العمل نظرا لطبيعتها وتكوينها الفسيولوجي.
وقالت البروفيسورة سيجال بارساد المحاضرة في قسم الإدارة في جامعة وارتون والذي يعنى بدراسات حول تأثير العواطف على جو العمل "أن العواطف تنتقل من شخص إلى آخر كانتقال الفيروسات، وبتعبير آخر أن العواطف سواء كانت سلبية أو إيجابية فهي معدية".

الموظفات أكثر تأثرا بالشخصية السلبية
من جانبه علق الدكتور عبد الرحمن الأطرم استشاري الطب النفسي في جامعة الإمام على نتائج الدراسة بقوله "إن الشخص المتذمر يؤثر سلبا في محيط العمل ولكن تأثيره يختلف من شخص إلى آخر، مؤكدا أن المرأة تتأثر بالمشاعر السلبية في العمل أكثر من الرجل لأن أغلب السيدات لديهن استعداد عاطفي للتأثر، إضافة إلى أنهن أكثر حساسية من الرجل وكذلك الهرمونات الأنثوية تلعب دورا في سرعة التأثر".
ويضيف الأطرم أن تأثير الشخصية المتذمرة تكون أقوى فيما لو كان الشخص المستقبل قابلا للتأثر، كأن يكون ذا طبيعة حساسة بدرجة عالية، بينما يقل تأثير هذه الشخصيات السلبية فيما لو كان الشخص المستقبل يتمتع بشخصية مستقلة وقوية, مبينا أن هناك شرائح من الناس يكونون متذمرين بطبيعتهم, وهذا بلا شك يؤثرون في المحيطين بهم إذا كان عندهم استعداد أو كانوا سلبيين بطبيعتهم, فيما يمر بعض الأشخاص بحالات اكتئاب قد تؤثر في مزاجهم العام وتجعلهم يتذمرون مما حولهم، وهؤلاء من الأفضل تحويلهم على إخصائيين نفسيين لعلاجهم.
ويرى الدكتور محمود غلاب أستاذ مساعد في قسم علم النفس في جامعة الملك سعود أن الشخصية المتذمرة تعاني نقصا في الكفاية في مجال العمل، فإما أن تكون مهام الموظف في العمل اكبر من قدراته أو أنه لا يستمتع بوجوده في العمل كون العمل غير مناسب لميوله، فيصبح عدوانيا ويحاول أن يحبط زملاءه بعبارات تذمر عن كل ما يدور حوله, مبينا أن الشخصية المتذمرة ليس لها علاقة بنوع الجنس، مرجعا سبب ظهور الشخصية المتذمرة لبناء الشخصية فليس هناك فرق بين رجل وامرأة في هذه الحالة.
وهنا تساءلت البروفيسورة بارساد في بحثها الذي يدور حول تأثير العواطف داخل منظمة العمل عن سبب تأثير العواطف في سير العمل، وجاءت الإجابة بأن مزاج الموظفين وعواطفهم تؤثر بشكل مباشر في أدائهم في العمل وفي اتخاذ القرار، ويؤثر كذلك في الإبداع وكذلك في العمل الجماعي والمفاوضات والقيادات داخل العمل.
من جانبه ذكر دونالد جبسون المشارك في البحث من كلية دولان للأعمال في جامعة فيرلاند " أن تأثير الشخصية المتذمرة تؤثر في بيئة العمل لأن الأشخاص مرتبطون بعضهم ببعض، إضافة إلى أنهم يأتون للعمل محملين بجميع أعبائهم الشخصية ومزاجهم وعواطفهم، وبالتالي فإن تعابيرهم تؤثر في الآخرين".
وقالت بارساد التي أجرت أبحاثا استمرت لأكثر من 15 عاما حول تأثير العواطف في ديناميكية العمل إن "ثورة تأثير العواطف" ظهرت خلال الثلاثين عاما الماضية حيث توصل الأكاديميون والمديرون إلى أن عواطف الموظفين تنعكس على ما يجري داخل المنظمة، مبينة أن الجميع ينقلون عواطفهم معهم أثناء العمل، فالمشاعر تُسير الأداء وتنعكس كذلك على تصرفات الموظف".

المشاعر والعواطف تنتقل كالعدوى بين الموظفين
وقسم الباحثان بارساد وجيبسون المشاعر إلى ثلاثة أنواع وهي كالتالي، المشاعر قصيرة المدى، كالفرح والغضب والخوف والاشمئزاز, أما النوع الثاني المزاج والذي يستمر لفترة أطول من النوع الأول، وهذا النوع من المشاعر ليس بالضرورة أن يكون نتيجة لسبب معين، فعلى سبيل المثال قد يكون الشخص بمزاج مرح أو مزاج متعكر.
فيما وصف الباحثان النوع الثالث بأنه السمة الغالبة على شخصية الموظف وعادة ما تعكس نظرة الشخص للحياة بشكل عام، فمثلا يطلق على شخص صفة المرح لأنه يبدو دائما بهذه الحالة فيما يوصف شخص آخر بأنه متشائم على الدوام".
وتقول بارساد إن جميع الأنواع الثلاثة للمشاعر ممكن أن تكون معدية فليس بالضرورة أن تكون العواطف ظاهرة لتتمكن من التأثير في الآخرين، فمهما حاول الشخص إخفاء مشاعره ببراعة، فقد تظهر هذه المشاعر بمجرد عبوسه في وجه زملائه ولو لفترة وجيزة، وتوضح البروفيسورة حديثها بمثال فتقول "لو افترضنا أن رئيسك في العمل يتمتع بروح الدعابة طوال الوقت, وفي أحد الأيام خلال اجتماع ركز نظره عليكِ بطريقة غريبة, حتى لو لم يستمر في (البحلقة) فيك خلال الاجتماع، فإن عينيه أوحت لكِ بمعلومة ثمينة تجعلك قلقة طوال فترة الاجتماع".
وتعلق بارساد بقولها على الرغم من أن بعض الأشخاص أفضل من غيرهم في التحكم في مشاعرهم، فإن هذا لا يعني أن زملاءهم في العمل لن يلحظوا تغير مزاجهم حيث تسهم تعابير الوجه ولغة الجسد في الكشف عن حالة الشخص المزاجية مهما حاول إخفاءها.
مفهوم تقنين العاطفة في العمل
وناقش الباحثان مفهوما عرف بـ"تقنين العاطفة في العمل" حيث يعمد الموظفون إلى تطويع مظاهرهم الخارجية للتوافق مع توقعات معينة، ومن أمثلة ذلك " تصنع التعاطف ظاهرياً " كان تضطر ممثلة خدمات العملاء في شركة طيران والتي تعاني الإرهاق ومن ضغوط نفسية إلى الابتسام والتصرف بلطف مع زبون غاضب فقدت حقائبه, وفي المقابل يمكن أن نقارن هذا التصرف بـ " إبداء التعاطف مع المشاعر" حيث تظهر الموظفة تعاطفاً مع مشاعر الزبون، وفي هذه الحالة ستتعاطف الموظفة مع الزبون وتبدي مشاعر تبين مدى تعاطفها مع ما يمر به الزبون.
وترى بارساد أن النوع الثاني أفضل لأنه يقلل من التوتر الذي تشعر به الموظفة ويلغي المشاعر الإحباط من جراء محاولة تمثيل دور المتعاطف.
ولكن هل هناك آثار سلبية لقول الحقيقة؟ إذا كانت الشركة تمر بظروف مالية سيئة قد تضطرها إلى تقليص عدد موظفيها, هل يجب على المدير أن الذي يشعر بضغوط نفسية أن ينقل شعوره بالامتعاض لمرؤوسيه أو عليه أن يحاول الظهور بمظهر الشخص المرح ويتصرف كأن الأمور تسير على ما يرام؟ , تقول بارساد هنا إن المدير يستطيع أن ينقل لموظفيه مشاعر صادقة وإيجابية في الوقت نفسه, بأن يقول لهم على سبيل المثال "أعرف أنكم قلقون من أن الأمور لا تسير على ما يرام, ولكن أريدكم أن تعرفوا بأننا وجدنا طريقة للخروج من هذا المأزق ولكننا لن نستطيع أن ننجح في تطبيقها إلا إذا تعاونا جميعاً" ففي حالة كهذه سيقدر الموظفون صدق مديرهم وسيشعرون بالتفاؤل.

الذكاء العاطفي في مجال العمل

الذكاء العاطفي عبارة طنانة أصبحت مألوفة في علم النفس والتعليم وحاليا بدأ هذا المفهوم بالظهور في مجال العمل كذلك، وتضيف بارساد تدرب كليات إدارة الأعمال المديرين التنفيذيين كيف يكونوا أذكياء عاطفيا وكيف يستطيعون أن يديروا مشاعر الموظفين الآخرين.
ووفقا للباحثين "إن الفكرة التي تكمن خلف الذكاء العاطفي في مجال العمل أنه مهارة يستطيع الموظفون من خلالها التعامل مع العواطف كبيانات قيمة، فعلى سبيل المثال لو أتى مدير مبيعات بفكرة خلاقة سترفع العوائد إلى نحو 200 في المائة، ولكنه يعلم أن مديره يكون عادة سريع الغضب في الفترة الصباحية، إذا كان لدى مدير المبيعات ذكاء عاطفي فإنه سيأخذ حالة مديره المزاجية في اعتباره لذا رغم أن فكرته ممتازة وستعود بأرباح جيدة على الشركة ورغم حماسه لنقل فكرته إلا أنه سيتحكم بمشاعره وسينتظر إلى فترة بعد الظهر ليتحدث مع مديرة حول الفكرة".
وذكرت بارساد أن البحث أظهر أن الشخصيات الإيجابية عادة ما يكون أداؤها في العمل أفضل من غيرها, وذلك لا يعود فقط لكون الناس يميلون إليهم أكثر من الأشخاص العدوانيين, فالشخصيات الإيجابية تنتج بشكل فعال أكثر ومنظم أكثر, إذا كان الشخص بمزاج متعكر فإن جزءا كبيرا من طريقة أدائه ستتأثر بمزاجه, أما عندما يكون بمزاج إيجابي سيكون أكثر انفتاحا على الحديث وقدرة على مناقشة قضايا العمل بشكل جيد وفاعل في الوقت نفسه.
وتضيف بارساد "ربما لا نستطيع تغيير زملاء العمل المتذمرين والسلبيين ولكن نستطيع تجنب التأثر بمزاجهم السلبي, فعلى الموظفين أن يقنعوا أنفسهم قبل دخول أي اجتماع بأنهم لن يتأثروا بأي شخص اعتاد التقليل من شأن أفكار الآخرين أو أنهم لن يعطوا الشخص الذي يرسل إشارات محبطة أي تركيز أو اهتمام خلال الاجتماع.
وخلال البحث أجرت برساد دراسات على أماكن عمل متنوعة معظمها مراكز رعاية صحية، ووجدت من خلال بحثها أن مراكز الرعاية الصحية التي قال العاملون فيها إنهم يعملون في محيط إيجابي, كما ظهر أن نزلاء تلك المراكز يشعرون براحة أكثر من المراكز التي لا يشعر الموظفون فيها بأن بيئة العمل تولي اهتماما بمشاعرهم، كما بين البحث أن المرضى المراجعين للمراكز التي يسود فيها الجو الإيجابي كانوا أقل تذمرا كما قل معدل تكرار زيارتهم لقسم الطوارئ, كما أن معظمهم قالوا إنهم راضون عن الخدمة التي قدمت لهم.

التواصل عبر الإيميل قد يعطي نتائج عكسية

تقول بارساد، إن الريد الإلكتروني والرسائل النصية والمؤتمرات التي تبث من خلال دائرة تلفزيونية تشكل تحديا في أماكن العمل، مشيرة إلى أن الإيميل والرسائل القصيرة يمكن أن تفهم بطريقة خاطئة لأنه لا يوجد فيها تواصل مباشر يظهر تعابير الوجه أو لغة الجسد, فبعض الناس يحاولون جاهدين أن يجعلوا الرسالة التي سيبعثونها عن طريق البريد الإلكتروني حيادية إلا أنهم قد يختصرون الرسالة بشكل يجعلها تبدو جافة.
ومن جانب آخر يلجأ البعض إلى كتابة علامات تعجب أو استفهام أو قد يستخدمون حروفا كبيرة لكي يوصلوا للمستلم مشاعرهم, وهذه الأمور ممكن أن تكون خطيرة وتعطي نتائج عكسية بخاصة إذا كانت تحوي عبارات سخرية وتهكم.
والسؤال الذي يطرح نفسه في هذه الحالة كيف يمكننا أن نوصل مشاعرنا بالشكل المناسب من خلال استخدام وسائل الاتصال السابقة؟ وما مدى تأثير الرسائل النصية التي لم تعبر عن المعنى المرجو منها بالشكل الصحيح على الموظفين؟
أظهر البحث أن معظم الأشخاص يسرفون في ثقتهم بأنهم يستطيعون إيصال مشاعرهم بطريقة صحيحة من خلال التواصل عن طريق البريد الإلكتروني وبالتحديد عندما يكون القصد من الرسالة الدعابة أو السخرية، خاصة مع تزايد استخدام هذه الطرق للتواصل في أماكن العمل، إذ من الصعب فهم مدى تأثير النص المكتوب على متلقي الرسالة وكيف سيفسر نص الرسالة.
وتوضح بارساد أنه على أصحاب العمل أن يتعلموا الطريقة المثلى لاستخدام البريد الإلكتروني وتنصحهم بقولها "إذا كان هنالك أمر مهم وعرفت أن النص قد يفهم بطريقة خاطئة، فالأفضل استخدام الهاتف، لا تعتمدوا على البريد الإلكتروني" وتضيف حتى التواصل عبر الهاتف ربما لا يكون مجدياً بشكل كاف، ففي بعض الأحيان إذا كان الأمر على قدر من الأهمية، فعلى المدير أو الشخص الذي يرغب في توصيل رسالة ما، مقابلة المعنيين وجها لوجه حتى لو اضطر إلى السفر".

الأكثر قراءة