ما أسباب لجوء العاملات السعوديات إلى التقاعد المبكر؟
ما أسباب لجوء العاملات السعوديات إلى التقاعد المبكر؟
يصف مراقبون لسوق العمل النسائي لجوء الكثير من العاملات إلى التقاعد المبكر، بأنه أحد الحلول السهلة التي تساعدهن على التخلص من صراع الأدوار الذي تعانيه المرأة العاملة، ما بين العمل والمنزل، إلى جانب أنه فرصة للاحتفاظ بـ 50 في المائة من الراتب، لكن الواقع الذي عكسه هذا التقرير الصحافي يشير إلى أن هناك جوانب وظيفية أخرى تجبر العاملات على اللجوء إلى التقاعد المبكر، على الرغم من عدم رغبتهن في ذلك، منها طول ساعات العمل، وعدم تحقيق المؤسسات العامة والشركات الخاصة الكثير من الحقوق المهنية للموظفات، مثل الإجازات، ودور الحضانة، إلى جانب أسباب أخرى تستعرضها "المرأة العاملة"، وفق آراء عدد من العاملات، فإلى التفاصيل:
معنى التقاعد المبكر
تشرح موظفة في المؤسسة العامة للتقاعد ـ فضلت عدم ذكر اسمها ـ المقصود بالتقاعد المبكر فتقول" التقاعد المبكر هو تقليص مدة الخدمة إلى 20 سنة أو قريبا من ذلك بما يمكن الموظفة الحصول على 50 في المائة من الراتب، ما يساعد على توسيع فرص التوظيف أمام المرأة العاملة السعودية، كهدف مطلوب لذاته، وهو أيضا تنظيم يتيح للموظفة التي أصبحت على أبواب الأربعين أن تعود إلى بيتها لخدمة زوجها وأولادها، وأن تنعم بالراحة بما تتقاضاه من معاش تقاعدي يعادل ما كانت تتقاضاه في السنوات الأولى لتعيينها".
طول ساعات العمل
وهنا تروي سعاد محمد الزيد، موظفة، سببا آخر، فتقول إن طول فترة الدوام الوظيفي "دوام فترتين"، هو السبب الرئيس الذي يدفعها إلى طلب التقاعد المبكر، إذ إن الصراع الدائم واليومي، بين دورها كأم لخمسة أبناء وربة منزل، وكموظفة في الوقت ذاته، يجعل من ساعات يومها الطويلة كابوسا يزعجها ويؤثر في من حولها.
وتضيف" لو كان عملي لفترة واحدة بالتأكيد سأتراجع عن هذا القرار وستنتظم أموري إلى حد بعيد".
وتوافقها الرأي فوزية الرشيد، مسؤولة إدارية في مستشفى، وتزيد "بحكم طبيعة عملي ألاحظ أن الكثير من الموظفات يطالبن بالتقاعد المبكر نتيجة طول فترة الدوام الوظيفي، إضافة إلى أن وجود المناوبات الليلية يزيد من توجههن نحو هذا التنظيم، في حين أن الموظفات اللواتي يعملن في بعض الأقسام الأخرى، والتي تقل ساعات الدوام الوظيفي فيها عن غيرهن لا يفكرن في هذا الجانب كحل لعلاج ظروف حياتهن".
هل هو حل مثالي؟
وترى الرشيد أن التقاعد ليس حلا يرضي الكثيرات بالرغم من إقدامهن عليه، نظرا لأن نقصان الراتب بنسبة 50 في المائة يزيد الأعباء المالية الملقاة على كاهل بعض الموظفات، بخاصة إذا كانت تسهم بنسبة كبيرة في تحمل مصاريف المنزل.
وقالت" وهذا يشير بوضوح إلى أن التقاعد المبكر قد يكون حلا عكسيا إذا أثر في مستوى دخل الأسرة، فقد يزيد من مشكلاتها بدلا من حلها، ما يعني الحاجة إلى حلول أخرى لتلكم الموظفات اللاتي يؤرقهن ارتفاع مستوى الضغوط الأسرية والاجتماعية الناتجة عن ظروف فترات الدوام الوظيفي".
من جهتها تقول نادية الحماد، موظفة،" بالرغم من أنني أحتاج إلى طلب التقاعد المبكر، إلا أن إحساسي بمسؤولية نحو دخل الأسرة يجعلني أتراجع نظرا لحاجتي للراتب كله، بسبب تدني مستوى مرتب زوجي الشهري، ونظرا للمسؤوليات الملقاة على كاهلي، وأولها تعليم أولادي في الخارج، لذا يتحتم علي تحمل أعباء العمل وان كانت فوق طاقتي".
ومن جانبها تؤيد سلوى بن داوود "إخصائية مختبر" ما قالته الرشيد وتزيد عليه قائلة"من المفترض أن يكون لدى العاملة مميزات تجعلها تستمر في عملها ولا تلجأ إلى التقاعد المبكر، إذا كانت قادرة على إكمال مسيرتها العملية، لكي تتمكن المنشأة من الاحتفاظ بالموظفات ذوات الخبرات الطويلة".
حاجات المرأة العاملة
واقترحت أن يكون أحد القوانين هو تحديد احتياجات المرأة العاملة التي لديها أبناء يزيدون عن الستة، معللة ذلك بأن زيادة عدد الأبناء يدفع العاملة بطبيعة الحال نحو التقاعد المبكر.
وبالرغم من تأييد عزيزة الشريف، طبيبة نساء وتوليد، لما قالته ابن داوود إلا أنها تطالب إضافة إلى ذلك، بضرورة استحداث أقسام خدمة اجتماعية في وزارة الخدمة المدنية، للنظر فيما يتعلق بالأنظمة الخاصة بالمرأة العاملة، ومدى مناسبتها لها، مبينة أنه من المفترض أن تتعاقد الجهات المعنية مع مراكز الرعاية الأسرية التي من شأنها القيام بتلك الأدوار.
وأكدت الدكتورة عزيزة أن استحداث هذه الأقسام التي تفتقر إليها الدوائر الحكومية المشرعة لقوانين عمل المرأة، يمكن تلك الجهات من توجيه كل عاملة إلى المكان المناسب للعمل، كما سيسهم هذا الإجراء في تقليل لجوء العاملات إلى التقاعد المبكر.
الروتين والملل
ولم يقتصر الدافع وراء زيادة طلبات التقاعد المبكر من قبل العاملات في طول فترة الدوام الوظيفي، إذ برز "الملل الوظيفي " كسبب حيوي آخر يدفع عددا من الموظفات إلى طلب التقاعد مبكرا، وهذا ما تؤكده الموظفة وفاء العامودي، والتي أشارت إلى أن الروتين المستفحل في عملها كمعلمة ولسنوات طويلة تزيد عن 20 سنة، يدفعها إلى التفكير في طلب التقاعد.
في المقابل تؤكد سعاد الكثيري، وتعمل موجهة، وجهة النظر التي تتحدث عن أن الملل الوظيفي سبب لطلب التقاعد وتزيد" العمل التعليمي الإداري يجعلني أفكر يوميا في المكوث في المنزل نظرا للملل الذي ينتابني يوما بعد يوم, وتزيد " لو لم يكن الروتين في الأعمال التعليمية وبخاصة الإدارية منها "قاتلا" لما فكرت في التقاعد المبكر".
العمل من المنزل
وتبين سهيلة الرميحي، موظفة، سببا جديدا لرغبتها في التقاعد هو استمرار الأعمال الوظيفية التي تقوم بها في المنزل، إذ تشير إلى أن السبب الرئيسي في إصرارها على التقاعد المبكر، هو أنها تقضي أوقاتا تزيد عن الساعتين في المنزل لاستكمال أعمالها الوظيفية، وهذا الأمر يزيد من حدة الخلاف بينها وبين زوجها، وأضافت " حاولت أن أنهي جميع مهام عملي في المكتب لكن محاولاتي باءت بالفشل بسبب تعدد مهام عملي وصعوبته، في حين أن مكوث زوجي في المنزل لساعات طويلة يزيد من تأزم وضعي الأسري".
الاستثمارات الخاصة
و لم تتوقف الأسباب التي تدفع المرأة العاملة إلى التقاعد المبكر عند حد الجوانب المتعلقة بالأعباء المنزلية أو ظروف العمل وفترات الدوام الوظيفي، إذ إن توجه المرأة نحو الاستثمارات في الفترة الأخيرة، جعل عددا من العاملات يلجأن إلى التقاعد المبكر بغية التفرغ للأعمال الاستثمارية الخاصة في مجالات متعددة.
وفي هذا السياق تقول سماهر باهبري، صاحبة مشروع استثماري صغير" لم يعقني عملي إطلاقا عن أداء أعمالي المنزلية بسبب تفهم زوجي هذا الجانب، رغم كون طبيعة عملي في مهنة الطب يجعل فترة بقائي في العمل طويلة، لكن رغبتي في التفرغ لمشروعي الخاص دفعني للتقاعد المبكر، خاصة وأنه في بدايته ويحتاج لتكثيف الوقت من أجل وصولة إلى درجة عالية من النجاح"، مؤكدة أن الاستثمار الشخصي أفضل بمراحل متعددة من راتب التقاعد الضئيل.
وتؤيدها في هذا الرأي إحدى أعضاء هيئة التدريس في جامعة الملك سعود، قسم إدارة الأعمال، إذ تشير إلى أن عملها الخاص هو ما دفعها للانتظار حتى تصل إلى السن القانونية للتقاعد المبكر، بالرغم من أن قناعتها بأن العمل الأكاديمي مهم جدا إلا إنه من المهم أيضا ـ على حد قولها ـ أن تبني العاملة قاعدة مهمة لكي تستثمر جهودها في عمل خاص ينتج مردودا أفضل من المعاش التقاعدي فقط.
التقاعد المبكر ضابط اجتماعي
وعلى الرغم من أن فكرة التقاعد المبكر خلال هذا الاستطلاع لم تعجب عددا من الموظفات إلا أن جهينة الذواد ترى أنها مفيدة في حال تغيير بعض الأنظمة المتعلقة بها وتقول في هذا الصدد" من المفترض أن تجيز الأنظمة إحالة المرأة السعودية للتقاعد بعد عشر أو خمس سنوات براتب يزيد على النصف حتى تتفرغ لأولادها وتتيح الفرصة لخريجات أخريات، بدلا من الخوف الذي يعتريها دائما بسبب الأزمات المادية التي تواجهها".
وتضيف فايزة الحازمي" التقاعد المبكر يزيد من القدرة على الضبط الاجتماعي ومتابعة الأبناء كما يحقق التنشئة الاجتماعية لهم، لأن الأم في هذه السن بحاجة إلى التواصل مع أبنائها الذين يعيشون في هذه المرحلة " فترة المراهقة".