الموهوبون .. مبدعون يميلون إلى الاستقلالية والعزلة عن قرنائهم

الموهوبون .. مبدعون يميلون إلى الاستقلالية والعزلة عن قرنائهم

هل الطفل المشاكس والكثير الحركة موهوب أو يعاني من مشكله نفسية؟ وهل الأفراد الذين يميلون إلى العزلة والاستقلالية عن قرنائهم يعانون هم أيضاً من مشاكل نفسية؟ وهل مستوى النجاح في التعليم شرط لاكتشاف الموهبة والإبداع.
الإجابة عن هذه التساؤلات تحتاج إلى المزيد من التعمق في شخصية الموهوب، في الوقت الذي يؤكد خبراء التربية أن الموهوبين والمبدعين هم أشخاص يختلفون عن غيرهم، ولهم أنماط يستدل بها على إبداعهم في المستقبل. ومن أهمها أنهم منعزلون عن مجتمعهم، ولا يرضي طموحهم التعليم العام، كما أن الأطفال الموهوبين كثير الحركة والمشاكسة بحسب المختصين.
والمبدعون نتاج المجتمع وعماد تقدمه بين الأمم، وأثبتت التجارب أن الموهوب يعطي ويستمر عطاؤه وإبداعه إذا وجد تشجيعا من مؤسسات المجتمع المختلفة وأحاطه الجميع بالرعاية والدفع والتشجيع.
مدى تأثير المجتمع سلبا أو إيجابا على الموهبة والإبداع والابتكار، وعطاءات هذه الفئة الخاصة لخدمة المجتمعات، إلى جانب تشخيص سمات المبدعين كانت محاور هذا التحقيق.
إلى التفاصيل.

الأسرة.. والمجتمع.. والموهبة

استطلعنا رأى الدكتور أسامة محمد عبد المجيد خبير رعاية الموهوبين في مؤسسة الملك عبد العزيز ورجاله لرعاية الموهوبين "موهبة" فقال في البداية يجب أن ندرك أن الموهبة تظهر في مجالات عديدة أكاديمية وغير أكاديمية، كما أنها تتضمن خصائص معرفية وأخرى شخصية وانفعالية مثل الدوافع الاهتمامات والنسق القيمي. وتعتبر الأسرة والمدرسة البؤرة المركزية لتلك العوامل الشخصية، وهذا يعكس أهمية الدور الذي تلعبه البيئة الاجتماعية الصغيرة في تشكيل قدرات أبنائها المبدعين.
والبيئة الكبيرة لها تأثيرها أيضاً؛ فالحالة الاقتصادية والقيم الثقافية السائدة، تؤثر على نمو الفرد ومن ثم على نمو الموهوبين، ولعلنا ندرك هنا -والحديث لا يزال للدكتور أسامة - خطورة النظرة السلبية في المجتمع لبعض فئات المبدعين، والتي قد يترتب عليها في مراحل النمو الأولى اضمحلال نمو القدرات الإبداعية لدى أبنائنا، وفي المراحل المتقدمة إلى هجرة هذه العقول المبدعة إلى خارج الوطن بحثاً عن بيئة حافزة للإبداع.

تغيير النظرة السلبية للإبداع والموهبة

إن أهمية تغيير نظرة المجتمع السلبية إلى الموهبة والموهوبين أمر بات فى غاية الأهمية فنحن فى عصر لم يعد فيه مكان للمتقاعسين وأصبح تقدم الأمم يقاس بمدى اهتمامها وحفاظها على عقول أبنائها.
وفي هذا الإطار يقول الدكتور أسامة خبير رعاية الموهوبين إنه عادة ما يميل الأفراد المبدعون إلى الاستقلالية والعزلة عن قرنائهم، نتيجة لحالة الاغتراب النفسي الذي غالباً ما يشعر به هؤلاء المبدعون، وهذا قد يجعلهم غير مألوفين لدى الآخرين، وقد يفسر سلوكهم هذا بأنه نوع من التعالي، فالأفراد المبدعون يفكرون ويتصرفون بطريقة تختلف عن الآخرين، كما أنهم لا يميلون في الغالب إلى المسايرة الاجتماعية التي تساعد الآخرين على التقبل الاجتماعي، ويتصرفون بطريقة غير مألوفة، فهم عادة ما يخاطرون بطرح قضايا وأفكار جديدة ولا يرفضون ما هو جديد لمجرد خوفهم من الفشل، ويبحثون دائماً عن طرق للتجديد والتحسين، مما يجعلهم يصطدمون كثيراً باللوائح والتقاليد.

تحفيز الموهوبين

وإزاء هذه الإشكالية وانعزالية المبدعين وسماتهم أوضح الدكتور أسامة عبد المجيد أن إسهام المجتمع في نشر ثقافة الإبداع وتحفيز المبدعين ينتج من المجتمعات التي تعلي من شأن العلم وتحفز الإبداع في شتي المجالات وتسمح بقدر كبير من الحرية في مناقشة مختلف القضايا دون خوف أو تردد، وتسمح بالاختلاف والتنوع في الرأي، وتتقبل التغيير والتجديد، هي مجتمعات داعمة ومحفزة للإبداع.

معوقات الإبداع
الإبداع في حاجة إلى مناخ يدعمه ومجتمع يتفهم طبيعة الموهبة والابتكار وتنتشر فيه ثقافة الابداع وهنا لا بد من معرفة المعوقات التي تقف أمام ظهور الموهبة وبزوغها لإزالتها وتمهيد الطريق أمام الموهوبين للانطلاق دون خوف أو قلق، وعن هذه المعوقات التي تقف في وجه الموهبة والإبداع تقول الدكتورة نادية هايل السرور في كتابها "مقدمة في الإبداع" إن هناك معوقات ثقافية تظهر بكثرة ولها تأثير على سلوك الشخص المبدع منها العادات والتقاليد التي تقف عائقا أمام إنجاز عمل ما، إضافة إلى النقد حيث يلجأ بعض الأفراد إلى نقد الأفكار المبدعة.
وتضيف الدكتورة نادية هايل السرور أن النظرة الاجتماعية والسرعة في إصدار الأحكام على الأشياء يؤديان إلى قتل الأفكار قبل أن تأخذ مسارها إلى التطبيق.

سمات الطفل الموهوب

للطفل الموهوب سمات يجب التعرف عليها حتى يتسنى لنا اكتشاف الموهوبين والتعامل معهم بسبب طبيعتهم الخاصة، ويعلق الدكتور إيهاب فؤاد - أكاديمي ومؤلف - على هذا الأمر قائلا إن الطفل الموهوب بطبيعته مشاكس، لا يركن، ولا يهدأ، وكثير الأسئلة ولديه فضول وحب للمعرفة، وهو طفل يشعر عادة بأن البيئة التي يعيش فيها لا تُرضي طموحه، ولا تشبع رغباته، وهو كثير النفور مما حوله، وقد يشعر بالملل من الدراسة التي لا تشبع رغباته، ولا ترضى طموحه، ولا تحقق ما يصبو إليه، وأول من يمكن أن يكتشف موهبة الطفل هي الأم التي بطبيعتها تتعامل مع الطفل أكثر من الأب، ولهذا علينا عند اكتشاف الموهبة أن ننميها، وألا نقتلها، وأن نضع الطفل موضع الاحترام والتقدير لعقله وقدراته، وقد يواجه بعض الأطفال الموهوبين السخرية من آبائهم وهذا في ذاته يقتل الموهبة، ولا ينميها.

معوقات الكشف عن الموهوبين

ويتحدث الدكتور إيهاب فؤاد عن الصعوبات التي يواجهها الوالدان فيما يتعلق بمسألة الكشف عن الطفل الموهوب، ويقول إن من أهمها عدم توافر المعلومات الكافية حول طبيعة الموهوب وخصائصه، وأساليب الكشف عن الموهوبين.
وأضاف أن الأمر يحتاج إلى تنمية المعرفة الأسرية، والثقافة التربوية في التعامل مع الأطفال الذين يتميزون عن قرنائهم بسمات تضعهم في مصاف الموهوبين، حتى يمكن التعامل مع الطفل وتنمية قدراته ومواهبه.
ويشير فؤاد إلى إن تاريخنا الإسلامي زاخر بالعديد من النماذج المشرقة التى أعطت الكثير لخدمة الإنسانية، لذا فإن الاستفادة من هذا التاريخ في نشر الوعي العام لدى أفراد المجتمع بالموهوبين من حيث خصائصهم وكيفية التعامل معهم ورعايتهم سيؤدي في النهاية إلى إفراز المزيد من الموهوبين وإشاعة روح الإبداع في المجتمع الذي آمن بالموهبة فأبدعت وأعطت أقصى ما تستطيع.

الأكثر قراءة