مَا أَمْدَاهَا تَبِْركْ فتِمْتِرِغ

[email protected]

حلاوة الحياة في عين ناظرها. شغلنا الشاغل منهجياتها. ضياعها في عالم طبيعته التحديات. إحقاقها في معرفة أولويات الطرق والأساليب لاستخداماتها المقننة، ربطها وترابطها وفقا للظروف والملابسات المحدِّدة "للحلاوة" المقللة من الانشغال لأبجديات التشغيل. نصف قرن مضى من تحديث الوطن والمواطن بالعلم والمعرفة والتطلعات والرغبات المدعومة بوفرة الاعتمادات المالية. التحديث الاجتماعي العشوائي أدخل أضراراً اقتصادية كبيرة على البيئة التي تنطلق منها أصالة الطبيعة. ترابط الأمور الحياتية على صلاحها لتوافق التوازن البيئي. الخروج على الطبيعة بعيدا عن تطويعها الصحيح بيــئــيا مصدر لكلفة لا يعالجها إلا قدرة ألا يأخذها من ليس له حق امتلاكها. التطاولات الفردية تزايدت في نصف القرن الماضي في المجالات المادية وطغت على حقيقته الرغبات والاستحقاقات للكسب والعمل. مشاركة الأفراد المتعاونة في دوائر مسؤولياتهم للنهوض بواجب الخدمة. ومندثرة لفقدان روح العمل الجماعي. فهم عدم تعارض التزاحم والإبداع حتمي لالتزام الجميع بالمهام والتحديات لسلوكيات الحياة وتعاون دوائر المهمات والمسؤوليات في أطر وبرامج عمل تدعمها سواعد تشغـِّـلـها المهارة والعلم والمعرفة. إنجاز المهمات يتطلب تنظيم البرامج التنفيذية والخطط الموضوعة للإعداد القادرة على العمل وفق التوافقات المقررة. الفردية قاتلة للعمل التنموي الاقتصادي الاجتماعي. تفرد الإدارات الحكومية والأهلية والخاصة بالمهمات المقررة ضار مجتمعيا. الترابط والتعاون الخدمي يعكس واقع الحياة لنراها حلوة في نظرنا وممتعة لواقعنا. مهم أن نجعل منها الشغل الشاغل لتطوير مجتمعنا وسمفونيات تتراقص لأنغامها تحسين الأحوال المعيشية بطبقاتها المختلفة. التوفيق بين الرغبات والقدرات مساران طويلان في اتجاهين ضيقي المنحنيات ودون قواعد ثابتة للسلامة وتباين النتائج. مصداقية نية الحرفية وجدارة المهارة وتزايد الجهود الفردية ضمن العمل الجماعي المنضبط تجعل نتائج سباق الرغبات والقدرات متقاربة وتزايد فرص استمتاع الحياة أكثر من الانشغال بها.
اللّهم لا تجعل الدنيا جُل همنا. طالما أننا نعرف حقيقة مفهوم إعمار الأرض ونعمل على تحقيقه، يحق لنا التمتع بالمعطيات الطبيعية وتطويرها وزيادتها. الابتعاد عن الطريق الرباني مرفوض ومخالف لكثير من النظريات الاجتماعية الاقتصادية. نصف قرن مضى من الإنفاق الكبير، على المدن والقرى عبر الجزيرة، وحصيلة نقلة حضارية مشهودة وامتعاض فردي على مستوى الجهر لمستويات معيشية متفاوتة، دون محاسبة للنفس مقارنة بما قدمته نفعا وضررا. الحياة أخذ وعطاء. الإنسان بمستوياته المادية الاجتماعية مسؤول ومشارك في المصائب والمكاسب. عصر الاتكالية محليا في العالم التزاحمي الذي نعيشه انقضى. استمرارية بقاء الاتكالية لبعض قطاعات المجتمع تقضي على الشعوب. تكاثر المعارف والشهادات ليست مبررا لكثرة الشكوى والمطالب الصوتية بقدر ما هي جهاد للنفس المقلـَّـة ضمن المجموعة للعمل المبدع. مفكر عربي يرى أن (الإنسان لا يستطيع أن يمارس حقيقته في بداية علاقة، إلا بقدر ما ينفتح جسر التفاهم والمشاركة والتداول بين أطراف تلك العلاقة). الوضع الغالب في مجتمعنا انشغال المسؤولين والأهالي والخاصة في اجتماعات لجان ومتابعة قرارات وإشراف إنجاز يومي ونقاش (بيزنطي) لما يجب أن تكون عليه الأمور لأنماط معيشية لمساحات جغرافية اجتماعية بعيدة عن استيعاب المسؤولين لاحتياجاتها.الطابع الغالب للحياة التي نحن عليها، تنظير المثقفين في الليل وتعطيل مُـخّـِرب مسؤول في النهار لاسترسال التشييدات التنموية. الانشغال المسؤول مكتمل التمام (بالآليات) والبشرية والمادية لسلوكيات الحياة مهادنين ومُهاجمين بعضنا بعضا. الاستمتاع بالحياة غير وارد لانشغال النفس بالمخرجات المقلقة والآليات المتهالكة. النهاية للحياة الرغدة، بتوقيتات مختلفة وتدرجات متفاوتة تصبح"علقم" بعد بلوغ مرحلة التشبع المادي ضمن كثرة الجياع.
التفاوت كبير لفهم مناهج التنمية الاقتصادية الاجتماعية في جامعاتنا والأجهزة الحكومية الرسمية، مقارنة بتجانس مخرجات الواقع، خاصة أمام القصص التي يستعرضها كثرة من المواطنين في أسمارهم وتجمعاتهم الليلية لتطبيقات مجريات الأمور لمناحي الحياة التي تدور حولهم وربما مُعطلة لتقدمهم. الأموال مرصودة للإنفاق والعقول المدبرة منتشرة والرؤى متناثرة في المجتمع. الأوضاع الاجتماعية التي نمت خلال نصف قرن، فيها بعض الأدلة وتواضع البراهين الراضية والمرضية لاستمرارها. صيحات المعارضة محليا تذكرني بطرفة الموظف عند أخذ الساندويتش "تصبيرة" الغداء يصيح: ساندويتش جبنة. كل يوم جبنة .. إلخ، ما في دجاج أو لحمة؟ وعندما نصحه زميل بأن يوجّه أهل البيت لإعداد الساندويتش وفقا لرغبته, يفيده أنه هو المعد للساندويتش!
الأوضاع الاجتماعية والظروف الاقتصادية لمدينة جدة مدعاة لشكاوى من الداخل وانتقادات من الخارج. الرغبة واضحة في ضرورة تحسين المخرجات وتزايد المعطيات بالطرق والأساليب التي ُتعظِّم نتائج المخططات وتحسينات المجهودات والأموال المعتمدة. المستويات الخدمية لمدينة جدة متدنية عن التطلعات: المواطن يتطلع أن يأخذ (بالبلوشي) ولا يعطي المجهود ولا يُقدم الإنتاجية المطلوبة. جميع الإدارات الخدمية المختلفة، رسمية وأهلية وخاصة، تعمل بكفاءات متفاوتة التدني ويغلب عليها روح التعطيل لمراجعات المواطن وعدم الاكتراث لحماية مصالحه وحقوقه. الزيادة السكانية المهاجرة أعباؤها الاجتماعية سالبة وتكويناتها الاقتصادية متفاوتة التأثير في نسيج المجتمع الجداوي. استمرار الأوضاع القائمة يمثل خطرا كبيرا على الأمان الوطني وقلقاً متزايداً على المواطن. الالتزام في الأداء والحقوق مفقود. الهوان ينخر في مسيرة العمل والبناء. الاتكالية تتفوق على تعظيم التقدير للإنجاز والإبداع. انتشار تعدد أنواع المظهريات الشخصية وفقا للمصالح والمتطلبات "والتلميعات" يرسخ امتهان الانسان المواطن لنفسه لدرجة تجعله يبتعد عن التكوينات الشخصية "العائمة" بحثا عن الشخصية العامة الصادقة. مفهوم المصلحة العامة أصبح مطاطاً مما أضعفها، وسهل اغتيالها: تبريراً لغايات مادية في نفس يعقوب.
حقيقة المكونات القوية إخلاصا وتواضعا لإعادة بناء القواعد التشييدية والاجتماعية لمدينة جدة متوافرة. القدرة على اختيار ثمارها بدلا من جمارها تتطلب قناعة الأخذ بالتضحيات المخلصة من قصيرها، لكل راع مسؤول عن رعيته وتضمينها، لجميع مستويات كفاح الحياة. وحياة الكفاح. الفكر المقدم ربما يتضمن كثيراً من الفرضيات المرفوضة وبديهيات القناعات التنظيرية. التحدي الأكبر محاسبة النفس أمام الله ضمن العمل الجماعي ووفقا للنظم والقوانين الموضوعة لتحسين النتائج والرقي بآليات العمل والتعامل. الاختلاف على نوع المرض النفسي الذي تعاني منه "جدة غير" "والرؤوس التي أينعت" نتيجة للنقلة الحضارية البلاستيكية التي نعيشها وطرق وأساليب المعالجة قد يكون خلافيا. ما يجمعنا... أننا أفراد وجماعات مسؤولون ومشاركون في الحياة التي نعيشها سويا، ونتقاسم أدوار استخدام الآليات في إعمار الأرض. النتائج والمخرجات لا يمكن أن ترضينا جميعا. المتوقع أن العمل الجماعي، وفق برامج متفق عليها، يعطي نتائج تتناسب مع التنظيرات والتقديرات الموضوعة سلفا.
كثيرا من المشكلات الاجتماعية من الفقر للبطالة والرغبات الاقتصادية للازدهار يمكن تحقيقها بنتائج متقدمة ضمن البنود المقررة والخيرات المتوافرة شريطة احتواء فلسفة (إدارة الأباريق) وقناعة المواطن أن مهمة الحكومة الرئيسية ليست أن تعطيه كل شيء. أهم مكونات الحكومة هي المواطنة الصالحة والمواطن نفسه: كل فرد منا مسؤول حكومي في مستوى قدرة المسؤولية وتفاعله مع باقي المواطنين. طالما أن المواطن السعودي في غالب تفكيره, يعتبر نفسه أحسن من قرينه الذي في نظره السبب في عطب العمل التنموي، فحان الوقت أن نتدرج في تلقين بعضنا بعضا المستويات الواعدة لمسؤوليات الحقوق والواجبات للاختبار حتى نوفر (كادر) من المواطنين المسؤولين لإصلاح الحياة بعد وزن تناسق منهجيات الآليات. توافر مشاركات مؤسساتية أهلية ورسمية وخاصة لتوجهات الحياة بتشابكها، أولوية للدخول لقلب التطور المستمر، لرقي فكر المواطن، ليعي أهمية العمل الجماعي لتحسين أحوال (جدة غير) والرقي بطبقاتها المختلفة بدرجات ثراء مرتفعة عن مستويات الفقر المحدَّد من المنظمات العالمية لمجتمعات مغلوب على أمرها. ازدهار أحوال مدينة جدة الاقتصادية يكمن في الرقي بمعرفيات المواطن وتصحيح ثقافة خبراته في استثمارات مجتمعية منتجة.
الواضح أن الشكوى الجداوية متعالية من مصدرين رئيسين: المثقفون وأصحاب الأحوال المستورة لطلب المزيد من الماديات دون الاستعداد لتغير مكانك قف (المشَّوشْ) في اتجاه منهجيات ثقافية وحضارية وإبداعية منتجة تزيد الحياة بهجة وسعادة. الفقراء والضعفاء نسمع أنهم مهضومو حق الحياة على الرغم من التكوينات الأهلية والخاصة والرسمية الساعية وفقا لاجتهاداتها وخبراتها. النتائج واضحة من المستويات المتزايدة التدني: الأهلي والخاص يجتهد حسب قدراته ومقدرته وموروثاته المجتمعية وُيشكر على مجهوداته. الرسمي طلع علينا أخيراً بتبريرات للاعوجاجات الاجتماعية، مستندا لأقوال مؤسسات عالمية لأحوال ضعاف دارفور والنيجر، وتشاد..إلخ. حق العمل المنتج واجب على كل مواطن ومواطنة. إنسانية الحياة في الوفرة التي يحياها كل مواطن بدرجات تفوق القوت والمسكن وتؤهل المجتمع لقول الحق، تحقيق (درجات) العيش السوي لعباده. والله أعلم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي