الطاقة الفائضة
الطاقة الفائضة
يلفت النظر في تقرير الوكالة الدولية للطاقة لهذا الشهر ذكره حقيقة أن حجم الطاقة الإنتاجية الفائضة لدى منظمة الأقطار المصدرة للنفط (أوبك) سيبلغ بنهاية هذا العام ثلاثة ملايين برميل يوميا، بزيادة 700 ألف برميل، الأمر الذي سيرفع القدرة الإنتاجية العامة لدى المنظمة إلى 34.8 مليون برميل يوميا، ترتفع بعد عام بنحو 1.7 مليون أخرى إلى 36.5 مليون برميل يوميا.
من ناحيتها وضعت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية رقما أقل وهو 2.8 مليون برميل طاقة فائضة لدى "أوبك" بنهاية هذا العام، وذلك مقابل 1.6 مليون فقط قبل عام.
لعبت سنوات خمود الطلب دورا في عدم الاهتمام برفع الطاقة الإنتاجية، لذا فعندما بدأ الاستهلاك في التصاعد، الأمر الذي يتطلب المزيد من الإمدادات، خاصة من طرف كل من الصين والهند، اللاعبين الرئيسيين الجديدين في السوق، مما شكل مفاجأة إلى حد ما إلى السوق، تصاعدت "أوبك" بإنتاجها حتى وصل قبل عامين إلى أعلى معدل له منذ سنوات الطفرة قبل أكثر من ثلاثة عقود من الزمان وهو 30 مليون برميل يوميا، لكن من جانب آخر أصبح هذا العامل في حد ذاته أحد عناصر دفع سعر برميل النفط إلى أعلى.
تزامن عاملا تفاقم التهديدات الجوسياسية مع ارتفاع كبير في الطلب أعاد تركيز الاهتمام على قدرة الدول المنتجة، خاصة "أوبك" على تلبية الاحتياجات المتصاعدة، الأمر الذي وضع قضية الطاقة الإنتاجية الفائضة في بؤرة الضوء.
وإذا كانت حقائق السوق قد دفعت العديد من المنتجين إلى الدخول في مشاريع تطويرية أو جديدة رفعا للطاقة الإنتاجية إلا أن السعودية تظل اللاعب الرئيس في هذا الجانب كونها ذات المشاريع الأكبر والأكثر تكلفة، كما أنها ظلت في بعض الأحيان الدولة الوحيدة التي لها قدرات إنتاجية يمكن للسوق أن تلجأ إليها عند حدوث أي انقطاع للإمدادات، وفوق هذا فهي الوحيدة الملتزمة ببرنامج محدد لرفع طاقتها الإنتاجية وتوفير الموارد المالية اللازمة لذلك، وبطريقة لا تتأثر بتطورات السوق السعرية التي شهدت مطلع هذا العام تراجعا دفع بعض المنتجين إلى طرح تساؤلات إن لم نقل مراجعات حول جدوى المضي قدما في مشروعات رفع الطاقة الإنتاجية، التي تظل محكومة في النهاية بعامل سعر برميل النفط. ويعود هذا بصورة رئيسية إلى الاستراتيجية السعودية المتعلقة بوضعها صاحبة أكبر مخزون مؤكد للنفط في العالم وقرارها الخاص الاحتفاظ بطاقة إنتاجية فائضة تشكل صمام أمان للسوق.
التصاعد في الطلب، خاصة من قبل الدول النامية وعدم حدوث تباطؤ فيما يتعلق بالدول الصناعية رغم ارتفاع سعر برميل النفط يجعل من إيجاد هامش كبير للطاقة الإنتاجية الفائضة قضية محورية لضمان حدوث شيء من الاستقرار في السوق النفطية. فالأوضاع الجيوسياسية والأمنية مرشحة لتظل دائما وأبدا عنصرا يلعب دورا يقل أو يكبر بسبب الارتباط الوثيق بين النفط والسياسة، خاصة أن العديد من المنتجين معرض للتأثيرات السياسية كما هو الحال مع إيران ونيجيريا مثلا.
لكن للمستهلكين همومهم أيضا وهو ما اتضح جليا خلال السنوات القليلة الماضية، إذ كانوا يطالبون "أوبك" وبإلحاح وضع برنامج واضح لرفع الطاقة الإنتاجية، وهو ما دفع المنظمة إلى نشر تفاصيل برامج لمختلف الدول الأعضاء، بل وضعها على موقعها في الإنترنيت، لكن ما كانت تطالب به "أوبك" لم يجد استجابة تذكر. والإشارة إلى التوصل إلى تقديرات دقيقة من قبل المستهلكين لحجم استهلاكهم المتوقع في المستقبل المنظور وفي ضوئه يمكن تطوير القدرات الإنتاجية. فرفع الطاقة الإنتاجية في نهاية الأمر عبء مالي وإداري سيتم تحمله من قبل المنتجين. وهذا هو العامل الذي يعطي "أوبك" قوة إضافية. فدعاة ترك كل الأمور لقوى السوق لتقرر ما تريد وفق حقائق السوق لم يجدوا ردا على السؤال الخاص بمن سيتحمل العبء المالي لرفع الطاقة الإنتاجية والاحتفاظ بها في حال تراجع الطلب ومن ثم عدم وجود مشترين.
فشركات النفط ورغم ضخامة بعضها تظل محكومة في نهاية الأمر بقيود من قبل حملة أسهمها، الذين يمكنهم توفير الاستثمارات اللازمة لمشاريع محددة يطلبها السوق وذلك حتى يمكن أن تأتي بعائد يسترجع الأموال المستثمرة ويحقق أرباحا.
حجم الطاقة الإنتاجية التي ستتوافر للصناعة النفطية من الآن وحتى نهاية العام وزيادتها المتوقعة العام المقبل توفر عنصر استقرار للسوق يحتاج إلى استغلاله بصورة أفضل. فمع أن للصناعة تاريخا طويلا من التعامل في أوقات الضغط وتحت الأزمات وعلى المدى القصير، إلا أنها تحتاج وأكثر من أي وقت مضى إلى التعامل في إطار أفق ممتد في المستقبل. مشروعات رفع الطاقة الإنتاجية بطبيعتها طويلة الأمد، ومع وجود عنصر للمخاطرة في تعاملات السوق النفطية، تظل الحاجة ماسة إلى وجود تفاهمات أكبر بين المنتجين والمستهلكين مستفيدة من توافر حجم أكبر للطاقة الإنتاجية الفائضة بما يخفف من الضغوط.