الجدول الزمني للإصدارات والحماية من التضخم
إن الهستيريا التي رافقت مقولة إن اليورو هو السبب في الغلاء التي انتشرت في أعقاب تبني العملة الجديدة قبل خمس سنوات هدأت حاليا. ويجري الحديث الآن عن أن البنك المركزي الأوروبي مسيطر سيطرة تامة على التضخم. ولكن على الرغم من هذا الهدوء النسبي فإن تخفيض قيمة العملة يظل بالنسبة للمستثمرين الذين يخططون للأمد البعيد، الشغل الشاغل, حيث إن أفضل أسعار الفائدة على الودائع المربوطة لفترة طويلة سرعان ما تفقد بعضا من قيمتها عندما يتصاعد التضخم على غير ما هو متوقع. إن الوضع الراهن لا يشي بإمكانية تطور مثل هذه الحالة, فمنذ البدء في تداول اليورو لم يكد التضخم يتخطى معدل 2 في المائة. كما أن الخبراء لا يتوقعون للسنة الجارية وللسنة المقبلة أية زيادة تذكر في معدل التضخم. ولكن هذا لا يعني الكثير بالنسبة للأجل الطويل, فالمستثمرون الذين يستثمرون في الفوائد, والذين يريدون أن يؤمنوا أنفسهم ضد حالة عدم التأكد قد توافرت لهم في ألمانيا أيضا إمكانية جدولة القروض بمعدلات التضخم كإجراء لوقاية ما يملكون من أموال ضد أي تخفيض في قيمة العملة.
إن قرضا من هذا النوع تطرحه اليونان حاليا في الأسواق, وخلال الأيام المقبلة سيتم طرح سندات هذا القرض التي تستحق الدفع في تموز ( يوليو ) 2030 التي يبلغ إجمالي قيمتها 3.5 مليار يورو, وستكون مربوطة بفائدة قدرها 2.3 في المائة وستكون متاحة للمستثمرين الأفراد بحد أدنى قدره ألف يورو. وقد يكون السعر أقل قليلا من القيمة الاسمية بحيث تكون الفائدة الصافية في النهاية أكثر قليلا من 2.3 في المائة. وهذا يشكل في هذه الحالة 30 نقطة أساس أكثر من أي قرض فرنسي مماثل محمي من آثار التضخم.
وبهذه الطريقة يتم توفير الحماية ضد تخفيض قيمة النقود : مقارنة بالقروض العادية ذات الفائدة الثابتة التي تبلغ في المرحلة الراهنة أكثر قليلا من 4 في المائة, فإن الفائدة الأولية على القروض سالفة الذكر تعتبر منخفضة نسبيا. ولهذا تجري زيادة الفائدة بالتناغم مع زيادة أسعار المستهلك. فلو حدث بشكل غير متوقع أن ازداد معدل التضخم خلال السنوات المقبلة إلى 3 في المائة مثلا فسترفع الفائدة من 2.3 في المائة إلى 2.369 في المائة.
وفي الوقت نفسه يكون من المهم أيضا أن تزداد قيمة السندات الناضجة من 100 إلى 103 في المائة من قيمتها الاسمية. أما إذا كان التضخم فعلا بمثل هذا الارتفاع فستكون سندات القروض المربوطة بالتضخم أفضل كثيرا من السندات العادية ذات الفائدة الثابتة. ولكن إذا جاء التضخم على عكس ذلك وكان دون مستوى 2 في المائة مثلا فستكون السندات ذات الفائدة الثابتة في وضع أفضل. إن معدل التضخم المحايد الذي يكون عنده تطور القيمة متساويا بالنسبة للنوعين المذكورين من السندات يقع حاليا عند مستوى 2 في المائة وهو ما يساوي تقريبا توقعات غالبية الخبراء للتضخم.
إن عملية تكييف سعر الفائدة وتسوية الدفعات تتم سنويا, حيث يجري في العادة حماية السندات في حالة الكساد. وفي حالة هبوط مستوى الأسعار في الاقتصاد, وهي الحالة السائدة في اليابان منذ سنوات, فإن قيمة السندات لدى تسويتها لن تهبط دون مستوى 100 في المائة من قيمتها الاسمية. إن تركيبة سندات الدين المربوطة بالتضخم تحرر المستثمرين من خطر ألا يتمكنوا في يوم من الأيام من شراء شيء بما يملكون على الرغم من الفوائد التي يتقاضونها. ومن البديهي ألا تكون نسبة الفائدة معروفة مسبقا في السندات المربوطة بالتضخم, بل إن الشيء الوحيد المعروف هو القوة الشرائية الحقيقية التي ستكون متاحة في المستقبل.
إن هذا المفهوم لا يزال قائما في الولايات المتحدة وبريطانيا منذ عشرات السنين. أما ألمانيا فقد أصدرت في السنة الماضية لأول مرة سندات دين مربوطة بالتضخم بحجم تسعة مليارات يورو كمرحلة أولى, حيث تتوقع الأسواق المالية خلال الأشهر الثلاثة المقبلة الدفعة الثانية من هذه السندات لجمهورية ألمانيا الاتحادية. غير أن البنك المركزي الاتحادي الألماني اتخذ قبل بضعة أشهر موقفا ناقدا لتأثيرات مثل هذه السندات. حيث إن البنك يخشى تقليدا مما يمكن أن تسببه هذه السندات من زعزعة للاستقرار الاقتصادي. ومن المعروف أن انتشار السندات المربوطة بالتضخم من خلال المؤسسات العامة يمكن أن يؤدي إلى ربط الأسعار والأجور أيضا بالتضخم, وهو ما ورد صراحة في تقرير صدر أخيرا عن البنك المركزي الاتحادي.
وعلى الرغم من هذه التحفظات فإن منطقة اليورو أصبحت خلال بضع سنوات أكبر ثالث سوق بسندات بلغ إجمالي قيمتها نحو 200 مليار يورو بعد كل من الولايات المتحدة بما يعادل نحو 300 مليار يورو وبريطانيا بما يعادل نحو 210 مليارات يور. وهناك أيضا إصدارات من اليابان والبرازيل والسويد وكندا. وحتى جنوب إفريقيا طرحت قروضا بعملتها المحلية الراند ومؤمنة ضد أخطار التضخم. هذا ويقدر بنك باركليز كابيتال الحجم الكلي لسندات القروض سيبلغ نحو 1100 مليار دولار. وبناء على ذلك يكون هذا السوق قد تضاعف قرابة أربع مرات خلال السنوات الخمس الماضية.