أدوات وأساليب الاستثمار المالي في تعاملات سوق النفط .. هل تؤدي إلى انهيار الأسعار؟

أدوات وأساليب الاستثمار المالي في تعاملات سوق النفط .. هل تؤدي إلى انهيار الأسعار؟

أدوات وأساليب الاستثمار المالي في تعاملات سوق النفط .. هل تؤدي إلى انهيار الأسعار؟

[email protected]

آلية أسعار النفط في الأسواق العالمية خلال العقود الثلاثة الماضية (33 سنة تقريبا) مرت بعدة مراحل (4)، مرحلة ما قبل عام 74م عندما كانت الأسعار مثبتة Administered Price (نتيجة تفاعل عدد كبير من البائعين والمشترين واتفاقهم على سعر محدد يمنع الآخرين من التأثير على الأسعار في السوق) Means.C، تلك الآلية كانت تدار من قبل شركات النفط العالمية IOC القائمة على الصناعة النفطية في ذلك الوقت. في عام 74م تم تغيير طفيف من ناحية فنية فقط على آلية تثبيت الأسعار مع استمرار التعامل كشركاء وفريق واحد ولكن (غير معلن للآخرين) Arm's Length Transaction بين شركات النفط العالمية والوطنية.
في الثمانينيات الميلادية، مع تزايد الاستهلاك على النفط، أصبحت عمليات البيع تأخذ نوعا من التعقيد والبطء في التنفيذ، ما أدى إلى انهيار تلك الآلية عام 1985 لعدم ملاءمتها النمو المتزايد للعرض والطلب، عام 86م كمرحلة انتقالية بدأ التعامل لفترة محدودة بآلية أسعار تعرف باسم "نيت باك" Netback Pricing، وهي تحديد قيمة سعر برميل النفط الخام من خلال شبكة تكاليف قيمة المنتجات المستخرجة من عملية التكرير. بعد أقل من سنة تم إلغاء "نيت باك" بحجة إمكانية التلاعب في العملية المصاحبة لحساب التكاليف، وبنهاية 87م وبداية عام 88م وحتى الآن بدأ التعامل بآلية الأسعار المعروفة باسم "سعر السوق" Market Price وهي تعتمد بشكل أساسي على عاملي العرض والطلب.
تعاملات بيع النفط بآلية "سعر السوق" في الأسواق العالمية في الوقت الحالي تتم بطريقتين، الأولى مباشرة في التسليم والدفع الفوري Spot Price خلال 48 ساعة، وهي فترة التحويل النقدي من المشترى لحساب البائع، وتعد المؤشر اليومي المتعارف عليه لأسعار النفط، والثانية، وسيلة استثمارية تلجأ إليها العديد من الدول المنتجة للنفط والمستهلكة على حد سواء تسمى عقود مستقبلية Future Contract، وهي تحديد سعر برميل النفط (خام أو مصنع) بمواصفات معينة على أن يتم الدفع والتوصيل بتاريخ آجل قد يصل إلى خمس أو ست سنوات وذلك لحماية إنتاجهم (الدول المنتجة للنفط) من تذبذب أسعار النفط، ولضمان تحقيق معدل أرباح مستقر من أجل إعداد الميزانيات والمشاريع المستقبلية.
المستهلكون من جهة ثانية، مثل شركات الطيران، يشترون عقودا مستقبلية لضمان الحصول على وقود للطائرات وبسعر ثابت ومعروف سلفا لتحديد تكلفة التشغيل وأسعار التذاكر للأشهر المقبلة بشكل دقيق. كلا الطرفين قام بعمل تلك الخطوة، وهي التعامل بالعقود المستقبلية على أساس الوقاية من الخسائر وتقليل المخاطر المالية مع ضمان تحقيق نسبة أرباح جيدة، وهي استراتيجية تسمى "هيدج" HEDGE، تلك الاستراتيجية ليست مقتصرة على تعاملات بيع النفط فقط، ولكن أيضا الشركات تعمل باستراتيجيه "هيدج" لحماية أنفسهم من مخاطر عديدة منها تثبيت أسعار الفائدة وصرف العملات.
داخل سوق النفط تتم عملية شراء العقود المستقبلية من السوق بالأسعار الفورية Spot Price بسعر برميل النفط الخام في ذلك اليوم، ويتم مباشرة وفي الوقت نفسه تجزئتها (العقود المستقبلية للنفط الخام) إلى منتجات بطريقة تعرف باسم CRACK SPREAD وهي دراسة وتحليل للعقود المستقبلية حسب نوعية النفط (خفيف / ثقيل)، الموسم (شتاء / صيف) واحتياجات المستهلكين، وخاصة بنزين السيارات لفصل الصيف، ووقود التدفئة لفصل الشتاء ويتم توزيع النسبة بطريقة 3/2/1، وتعني ثلاثة برميل من النفط الخام، تعادل اثنين (بنزين) للسيارات وواحدا وقودا للتدفئة (نسبة التوزيع قد تتغير حسب متطلبات السوق).
سعر البنزين ووقود التدفئة يتم حساب التكلفة الإجمالية بالسنتات على أساس أن سعة البرميل الواحد يحتوي على 42 جالونا، وتباع كعقود مستقبلية في المناطق الأعلى سعرا حسب حجم طلبات الهيدج "للابتعاد عن المخاطر" في ذلك الوقت. قيمة ونسبة التوزيع لا تشمل السعة الإضافية من عملية التكرير Refinery Gain (5 في المائة تقريبا).
بعد عملية التكرير أو التكسير CRACK SPREAD على الورق لبرميل النفط الخام إلى جالون، وينتهي دور أساسيات السوق إلى حد كبير (العرض، الطلب، والمخزون) وتدخل العقود المستقبلية في تعاملاتها إلى سوق خاضع للأدوات والأساليب المالية الاستثمارية، يعرف باسم " دريفيتف ماركت" Derivative Market، وهو سوق مالي ثانوي مشتق من سوق الأسهم ينقسم إلى قسمين، الأول يتعامل بالعقود المستقبلية Future Market وعقود الأوبشن Option contract في سوق شيكاغو للأوبشن CBOE و"سوق لندن العالمي للتعامل بالعقود المستقبلية والأوبشن" LIFFE، قيمة الصفقات التي تمت ولم يتم تسويتها أو تسديدها NOTIONAL في التاريخ المحدد نحو 53 تريليون دولار حتى حزيران (يونيو) 2004م حسب مصادر البنك الدولي للتسويات المالية" (BIS) في بازل (سويسرا).
القسم الثاني يستخدم استراتيجية عالية المخاطر تعتمد ومشتقة من تذبذب أسعار العقود المستقبلية والأوبشن Underlining Assets للأسهم، السندات، السلع (جميع عقود النفط المستقبلية تقريبا يتم تداولها داخل سوق OTC وتشكل الجزء الأكبر من عملياته)، العملات، أسعار الفائدة ومؤشر الأسهم التي تنفذ بتواريخ آجلة ويتم التعامل فيها داخليا فقط سواء بالبيع أو الشراء في الجهة الأخرى أو المقابلة من السوق وتعرف باسم OTC over the counter وهو مكون من بنوك استثمارية تعمل كصانع للسوق لخدمة محافظ الهيدج الاستثمارية hedge fund’s، بنوك تجارية وجهات حكومية تعمل بطريقة "الكرديت" أو البيع الآجل.
صافى قيمة الصفقات التي تمت في سوق OTC ولم يتم "تسويتها أو تسديدها في التاريخ المحدد حتى الآن" وتعرف باسم "نوشنال" NOTIONAL لعام 2005م وصلت إلى نحو 298 تريليون دولار، بزيادة سنوية تعادل 36 في المائة (BIS)، بنهاية عام 2006م مع فرضية استمرار معدل الزيادة السنوي لمستوى 36 في المائة ستصل قيمة الصفقات غير المسددة إلى نحو 400 تريليون دولار، إضافة إلى ذلك معدل حجم التعاملات اليومية TURNOVER زاد خلال فترة ثلاث سنوات للضعف من 764 مليار دولار في نيسان (أبريل) 2001م إلى تريليون ونصف تقريبا للفترة نفسها من عام 2004م، بنسبة نمو سنوي تعادل 26 في المائة تقريبا، وإلى أكثر من 3.2 تريليون تقريبا في 2006م.
مع استمرار معدل الزيادة السنوي (36 في المائة) لقيمة الصفقات غير المسددة خلال العامين الحالي والمقبل 2007/2008، سيؤدى ذلك إلى تجاوز حجم المديونية السنوي الدخل القومي (GNP) لجميع دول العالم بنسبة عالية جدا، (تقديرات الناتج المحلى (GNP) لجميع دول العالم لعام 2006م لا تتجاوز 65 تريليون دولار) (CIA) ليصل إجمالي حجم المديونية (متوقع) بنهاية 2008م إلى نحو 750 تريليون دولار(*)، وهذا لا يعني أن هناك دليلا لعلاقة أو رابطا بين حجم المديونية السنوي ومعدل الدخل القومي لدول العالم.
عن تعاملات سوق دريفيتف، السيد ريلوانو لوكمان الأمين العام لمنظمة أوبك في أيلول (سبتمبر) عام 2000م، وهو من أقدم أعضاء منظمة الأوبك وشاهد على ما يحدث في أسواق النفط على مدى 30 سنة، قوله "سوق النفط العالمية أصبح رهينة لتعاملات الأسواق الثانوية، Derivative Market عامل العرض والطلب (أساسيات السوق) المتبعة سابقا همشت وحلّ بدلا عنها ما يعرف باسم برميل على الورق Paper Barrels". على هذا الأساس مخاطر تعاملات سوق "دريفيتف" والثغرات الموجودة في آلية الأسعار، بجانب سوء استخدام الأدوات الاستثمارية المصاحبة من قبل المضاربين Speculative في السوق، خاصة للعقود المستقبلية، جعلت تعاملات النفط في الأسواق العالمية تستخدم كأداة استثمارية أكثر منها سلعة استهلاكية، ما أدى إلى تضخم في حجم المديونية للتعاملات اليومية والسنوية لقيمة الصفقات التي تمت ولم يتم تسويتها أو تسديدها في التاريخ المحدد لتعاملات سوق "دريفيتف" خلال السنوات القليلة الماضية، إضافة إلى ذلك ارتفاع أسعار العقود المستقبلية عن الأسعار الفورية، وتعرف باسم "كونتنكو" Contango خلال السنوات الأربع الماضية يعني وجود كم هائل من مخزون النفط على شكل عقود مستقبلية، ما يسهل إمكانية التأثير على مستوى الأسعار في وقت لاحق ("باكوردشين" Backwardation تعمل على عكس "كونتنكو"، وهي عندما تكون الأسعار الفورية في سوق النفط Spot Price أعلى من العقود المستقبلية، ما يعني الخضوع لعامل العرض والطلب) وبالتالي قد تؤدي إلى عملية تصحيح أو انهيار للأسعار كما حدث في السابق.

الأكثر قراءة