جيل وبلوتوث
منذ أن تشكـّلت ملامح الشعر الشعبي الحديث وهو يكاد يكون قضية من لا قضية له، والشغل الشاغل لمن لا شغل له , فهو بوابة واسعة للشهرة تكاد تولج الجمل من سِم الخياط، فما بين مؤيدٍ للشعر الشعبي ومعارض له تمدد الشعر الشعبي الحديث عبر مسار الأغنية أو بالأصح" القصيدة الغنائية" قبل أن تبدأ الصحف اليومية في تبني صفحات شعبية أسبوعية في السعودية والكويت تحديداً تختلف توجهاتها بحسب معدي هذه الصفحات التي أخرجت جيلاً عـُرف فيما بعد بــ "جيل الثمانينات" حمل شعراء هذه المرحلة الشعر على أكتافهم واعتبروه هماً يتقاسمونه فكرياً بدعم وتشجيع تارة من الأمير بدر بن عبد المحسن وتارة أخرى من الأمير الراحل سعود بن بندر .. كل ذلك قبل أن يشربوا من ماء" الغدير" ويختلفوا على" المختلف"، كثيرة هي الأسماء التي بقيت تغرّد بعد أكثر من عشرين عاما, وكثيرة هي الأسماء التي" خرجت ولم تعد"، وما بين من بقي ومن غاب ظل الشعر في أبهى حلله يحمل فكراً نيراً وتحديثاً يلامس الحداثة أحياناً، ولولا وقوف بعض رواد الحداثة آنذاك في وجه الشعر الشعبي لتوّلد لدينا مزيج فكري متوهج ونهضة أدبية لا مثيل لها.. والحمد لله أن هذه النهضة الأدبية لم تحدث لكي لا تكون الصدمة الكبيرة بسقوطها على يد شاعر شعبي شارك في أبرز مهرجانين شعريين في المنطقة هما مهرجان الجنادرية ومهرجان هلا فبراير, وهو ما يعني أن إسقاط الشعر الشعبي على يديّ الجهات الرسمية هو أسهل من إسقاطه على أيدي النخبويين أو الفصحويون الذين لم ينجحوا حتى الآن في إبراز شاعر فصيح يتناقل الناس أبياته عبر البلوتوث.
القنوات الفضائية المتخصصة في الشعر المحكي والمجلات التي تتجاوز في عددها العشرين مجلة والبرامج التلفزيونية الشعرية بما فيها شاعر المليون.. ليست دليلاً على نجاح الشعر الشعبي في تقديم شعر راق، لم يفلح الفصحويين في استنساخ نزار قباني آخر، ولم يستطع الشعبيون تقديم بدر بن عبد المحسن آخر، إذن لا بد من الاقتناع بأن الشعر كفيل بتقديم نفسه بنفسه دون وسائط أو بلوتوث !