الخبراء يؤكدون وجود صعوبات في التحقيق وملاحقة الجرائم المعلوماتية
الخبراء يؤكدون وجود صعوبات في التحقيق وملاحقة الجرائم المعلوماتية
حذر الملتقى الأكاديمي العربي الثاني حول الإرهاب الإلكتروني من تزايد مخاطر الإرهاب الإلكتروني، مؤكدا أنه على الرغم من التزايد المطرد للجرائم الإلكترونية إلا أن العالم لم يشهد بعد (إرهابا إلكترونيا) من نوع مُشابه للإرهاب (الواقعي)، كاشفا عن هشاشة أصيلة في البنية التحتية لشبكة الإنترنت، مما يُمهد لهجمات إرهابية ربما تؤدي إلى نتائج كارثية على الاقتصاد العالمي.
وأكد الدكتور هيثم البقلي رئيس نيابة مصر الجديدة خلال الملتقى الذي عقدته المنظمة العربية للتنمية الإدارية في القاهرة، الأسبوع الجاري، بمشاركة 15 دولة عربية، وجود صعوبات كبيرة تواجه التحقيق وتتبع الجرائم المعلوماتية، وذلك نتيجة لعدة أسباب، الأول منها هو خفاء الجريمة، حيث إن الجرائم التي تقع على الحاسبات أو بواسطتها فى أكثر صورها مستترة خفية، لا يلاحظها المجني عليه غالبا أو يدري حتى بوقوعها، والإمعان فى حجب وإخفاء السلوك المكون لها ونتائجها عن طريق التلاعب غير المرئي في التقنيات أو الذبذبات الإلكترونية التي تسجل البيانات عن طريقها ليس عسيرا في الكثير من أحوالها بحكم توافر المعرفة والخبرة الفنية في مجال الحاسبات غالبا لدى مرتكبها.
فاختراق قواعد البيانات وتغيير بعض محتوياتها بدس برامج خاصة ضمن برامجها قد لا يشعر به القائمون على تشغيلها. والتخريب المنطقي للأنظمة يمكن تمويهه ليبدو كما لو كان خطأ مصدره البرامج أو الأجهزة أو نظام التشغيل أو النقل الكلي للنظام المعلوماتي. والسبب الثاني هو غياب الدليل المرئي الممكن بالقراءة فهمه، حيث يتمثل أكثر ما تتيحه النظم المعلوماتية من أدلة على الجرائم التي تقع عليها أو بواسطتها في بيانات غير مرئية لا تفصح عن شخصية معينة عادة مسجلة إلكترونية بكثافة بالغة على دعائم أو وسائط من تخزين ممغنطة لا يترك التعديل فيها أي أثر يمكن للإنسان قراءتها وإن كانت قابلة للقراءة من قبل الآلة نفسها.
ومن أبرز المشكلات بشكل عام التي يمكن أن تواجه جهات التحري والملاحقة، كشف وتجميع أدلة هذا شأنها لإثبات وقوع الجريمة والتعرف على مرتكبها، وتتعدى هذه المشكلة بشكل عام في سائر مجالات التخزين والمعالجة الآلية للبيانات حيث تنتمي قدرة ممثلي جهات التحقيق على أن يتولوا بطريقة مباشرة فحص حالات التلاعب فى برامج الحاسبات, نظرا لتطلب الفحص الكامل قدرا كبيرا من الوقت والعمل غالبا ما لا يكون له من الوجهة الاقتصادية مبررا.
وأشار الدكتور البقلي إلى أن الأسباب تتضمن كذلك افتقاد أكثر الآثار التقليدية في بعض العمليات، وإدخال البيانات مباشرة في نظام الحاسب دون تطلب وجود وثائق مساندة (وثائق خاصة بالإدخال)، كما هو الحال في بعض نظم العمليات المباشرة التي تقوم على إيدال الإذن الكتابي لإدخال البيانات بإجراءات أخرى تعتمد على ضوابط للأذن متضمنة فى برنامج الحاسب، كم تتضمن إعاقة الوصول إلى الدليل بوسائل الحماية الفنية، حيث تحاط البيانات المخزنة إلكترونيا أو المنقولة عبر الشبكات الاتصالية بسياج من الحماية الفنية لإعاقة المحاولات الرامية للوصول غير المشروع للاطلاع عليها أو استنساخها، كذلك يمكن للمجرم المعلوماتي زيادة صعوبة عملية التفتيش المتوقع عن الأدلة التي تدينه بحزام من التدابير الأمنية يضربه حولها. ويشكل استخدام تقنيات التشفير خاصة لهذا الغرض أحد أكبر العقبات التي تعوق الرقابة على البيانات المنقولة عبر حدود الدولة والتي تجعل حماية سرقة البيانات الشخصية المخزنة في مراكز الحاسبات أمر بالغ الصعوبة.
وأكد الدكتور البقلي أن الصعوبات تتضمن سهولة محو الدليل أو تدميره في زمن متناه القصر والضخامة البالغة لكم البيانات المتعين فحصها والإحجام عن البلاغ في مجتمع الأعمال، حيث تحررت أكثر الجهات التى تتعرض أنظمتها المعلوماتية للانتهاك أو تمنى بخسائر فادحة من جراء ذلك، على عدم الكشف حتى بين موظفيها عما تعرضت له، وتكتفي باتخاذ إجراءات إدارية داخلية دون الإبلاغ عنها للسلطات المختصة تجنبا للإضرار بسمعتها ومكانتها وهز الثقة بكفاءتها.
ونصح الدكتور البقلي بأن القواعد الفنية التي يمكن الاسترشاد بها لإجراء تحقيقات ناجحة، في الجرائم الناشئة عن استخدام الحاسب، تتمركز أبرزها فى إجراء تحر أولي، بوسائل ومواصفات تلائم طبيعة وخصائص بينة تكنولوجيا المعلومات، ويستهدف التحري الأولي الحصول على أكبر قدر ممكن من المعلومات عن السلوك المكون للجريمة المعلوماتية وأسلوب وظروف ارتكابها وجمع هذه المعلومات يمكن أن يتم بصفة مبدئية عن طريق مقابلات استطلاعية تجرى مع ممثلي الجهة المجني عليها، وعلى طبيعة السلوك الإجرامي المرتكب يتحدد نطاق وتوقيت هذا التحري والوقت الذي يستلزمه.
ويظهر التحري الأولي عدة حقائق أهمها التثبت من وقوع الجريمة ونمط وطبيعة الجريمة المرتكبة والتقنيات المستخدمة والجاني أو الجناة المحتملون أو المشتبه فيهم والأسباب والدوافع المحتملة لارتكاب الجريمة والاستدلال على الشهود في حالة وجودهم وطبيعة الأدلة الجنائية ومصادرها.
وقال الدكتور البقلي إن خطة التحقيق يجب أن ترتكز على عدة عوامل أساسية منها: فحص طبيعة بيئة المعالجة الآلية للبيانات التي سيمارس المحقق في إطارها عمله وتحديد نوعية وكيفية تعامله معها وتأثيرها في طبيعة ونطاق إجراءاته وتوقيتها وحصر المواقع والأماكن الحساسة بمبنى معالجة أو نقل البيانات كمكتبة الوثائق وأماكن خزن الأشرطة والأقراص الممغنطة وتحديد المسؤولين عن أمنها والوقوف على قواعد تشغيل نظام الحاسب وكيفية تنظيم دورة المعالجة الإلكترونية للبيانات ومدى مركزية المهام والمعرفة في هذا الصدد. وتحديد أساليب التدقيق والمعالجة وغيرها من العمليات الممكن إجراؤها بمساعدة الجهة المجني عليها وتلك التي يلزم إجراؤها عن طريق حاسب آخر غيره، وفحص الاحتمالات المختلفة لنمط الدعامة أو الوعاء المتبقي استخدامه للحصول على الدليل وصيانته وإعداد قائمة بالأشخاص المتعين سؤالهم، وتحديد النقاط التي يجب استيضاحهم بشأنها.
وأشار الدكتور البقلي إلى أنه يمكن تلخيص هذه الصعوبات في عاملين رئيسيين هما: قلة الآثار المادية التي قد تتخلف عن الجرائم التي تقع على برامج الحاسب وبياناته أو بواسطتها والأعداد الكبيرة من الأشخاص الذين قد يترددون على مسرح الجريمة.
وحدد مجموعة من القواعد والإرشادات الفنية التي يجب اتباعها عند إجراء معاينة مسرح الجرائم المعلوماتية وهي ملاحظة طريق إعداد نظام الحاسب بعناية بالغة، ويجب أن يلاحظ وأن يتم إثبات الحالة التي تكون عليها توصيلات وكابلات الحاسب وذلك حتى يسهل القيام بعملية مقارنة وتحليل لها عند عرض الموضوع على المحكمة، إضافة إلى عدم التسرع فى نقل أي "مادة معلوماتية" من مكان وقوع الجريمة وذلك قبل إجراء الاختبارات اللازمة للتيقن من عدم وجود أي مجالات مغناطيسية في المحيط الخارجي حتى لا يحدث أي إتلاف للبيانات المخزنة وحفظ ما تحويه سلة المهملات من الأوراق الملقاة أو الممزقة وأوراق الكربون المستعملة والشرائط والأقراص الممغنطة غير السليمة أو المحطمة ورفع البصمات التي قد تكون على صلة بالجريمة المرتبكة والقيام بحفظ المستندات الخاصة بالإدخال، وكذا مخرجات الحاسب الورقية التي قد تكون ذات صلة بالجريمة، وذلك من أجل رفع ومضاهاة البصمات التي قد تكون موجودة عليها. كما يجب أن تقتصر عملية المعاينة على مأموري الضبط سواء كانوا من الباحثين أو المحققين ممن تتوافر فيهم الكفاءة العملية والخبرة الفنية في مجال الحسابات واسترجاع المعلومات.