دراسة جدوى للمفوضية الأوروبية حول نظم حماية الدائنين

دراسة جدوى للمفوضية الأوروبية حول نظم حماية الدائنين

تقوم في العادة أسس حماية الشركات أصحاب الديون على ثلاثة أعمدة رئيسية. أولا ينبغي أن تبرهن مطالب معينة للحد الأدنى من رأس المال، كما هو الحال في ألمانيا مع الشركات المساهمة، والتي تبلغ في الوقت الحالي 25 ألف يورو ينبغي أن تبرهن على أن مؤسسي الشركة على قدر من الجدية يفوق حدا معينا. ثانيا تجب حماية أصحاب الديون من أن يكونوا مشتركين في خسارة الشركة ومن ضياع رأس المال الذي استثمروه. ثالثا تعمل اللوائح التنظيمية العليا لتوزيع الأرباح على تفادي حصول المساهمين على مدفوعات غير مبررة من الشركة. جميع إجراءات حماية أصحاب الديون مذكورة نصا في قانون الاتحاد الأوروبي-2 لعام 1976 وكذلك في قانون الشركات الألماني.
الالتزام بآليات حماية أصحاب الديون يتم اختبارها في ألمانيا سنويا على أساس تسوية الحساب السنوية من قانون التجارة. من هذه الناحية وُضعت القوانين التجارية للتقييم ولأسس وضع الميزانية القائمة على أساس قانون الاتحاد الأوروبي-4 بصورة يمكن أن تفي بهذه المهمة القياسية إلى أبعد حد ممكن. ويجب أن تأتي عملية توزيع الأرباح والتحري عن ثروات وممتلكات الشركة تبعا لمبدأ الحذر والحيطة الذي يدعم عملية حماية أصحاب الديون.
حاليا تدور المناقشات في الاتحاد الأوروبي حول مدى عملية واستحسان نظام حماية أصحاب الديون القائم. فمن جهة تبين واضحا أن آليات حماية أصحاب الديون يمكن تجاوزها ببساطة من خلال خطوة تأسيس الشركة. وبهذا يمكن تقريبا تشكيل نتائج الميزانية السنوية للشركات الفرعية التابعة للمجموعة كيفما شاء من خلال صفقات وتحويل أرباح على نطاق المجموعة. من جهة أخرى تم اعتماد معايير الإبلاغ المالي الدولية IFRS لتقديم الحسابات في الإتحاد الأوروبي بصورة ملزمة للشركات ذات توجه رأسمالي منذ عام 2005، فيما يتم في الوقت الحالي بالنسبة للشركات الأخرى مناقشة مشروع إصلاح تقديم الحسابات عبر مشروع IFRS المطروح في شباط (فبراير) 2007 للشركات الصغيرة والمتوسطة. وفي سياق معايير الإبلاغ المالي الدولية لتقديم الحسابات بالنسبة للشركات الصغيرة والمتوسطة تدور المسألة حول القوانين المتعلقة نموذجيا بقواعد الحسابات الأساسية المتكاملة. وهنا لا تسلط الأضواء على قياسات حذرة لمسألة الاحتفاظ برأس المال الموازن وتوزيع الأرباح على المساهمين، تركز هذه المعايير بالدرجة الأولى على حماية أصحاب الديون. وإذا ما تم اعتماد المعايير الدولية الأساسية لتقديم الحسابات لجميع الشركات الرأسمالية في أوروبا، حينها سيطرح السؤال نفسه، وهو هل يمكن تعديل الآليات التقليدية لحماية أصحاب الديون، وكيف.
من وجهة نظر بعض دول الاتحاد الأوروبي الأعضاء الجديدة والتي لا تمتلك نظام ميزانية خاصا بها، يمكن أن يكون التحول الكامل إلى نظام تقديم حسابات على أساس نظم IFRS أمرا مجديا بلا شك. فحينها ستكون قواعد تقديم الحسابات الأساسية المتكاملة للشركات ذات توجه نحو السوق الرأسمالية وكذلك القواعد الأساسية للشركات الصغيرة والمتوسطة لباقي الشركات الأوروبية الرأسمالية إجبارية. ولتفادي التزامات أخرى لتقديم الحسابات، يمكن استخدام الميزانية السنوية على أساس IFRS أيضا لأغراض حماية أصحاب الديون لقياسات البقاء على رأس المال وتوزيع أعلى الأرباح. لكن مثل هذا النظام لوضع الميزانية على أسس IFRS المكتفي ذاتيا والذي يمكن تطبيقه للعديد من الأغراض، يبدو تقريبـا بسيطا جدا.
ما يعارض هذا الاقتراح بالدرجة الأولى، هو أن القواعد القياسية الدولية لتقديم الحسابات المالية قد لا تستطيع أن تخدم نظام حماية أصحاب الديون وأن تنص مرارا على عمل ميزانية لقيمة السوق. وبهذا قد يكون من المحتمل شمول أرباح غير محققة في النتائج السنوية وتوزيعها. ولهذا تكمن هناك مخاوف من أن التقرير الختامي تبعا لـ IFRS بالمقارنة مع التقرير الختامي تبعا لقانون التجارة الألماني قد لا يشكل حماية لأصحاب الديون في أوقات الأزمات ومن هذا المنطلق أيضا قد لا يكون صالحا لتوزيع أعلى الأرباح. هذه الشروط المقيدة يمكن أن يتم تفاديها، إذا ما أُتممت الميزانية تبعا لنظام IFRS والمخصصة لحماية أصحاب الديون باختبار القدرة على الدفع. وبجانب معاينة الإفراط في الديون وتوزيع الأرباح على أساس IFRS للتقارير السنوية الفردية قد يكون من الأفضل لو تبع ذلك أيضا اختبار القدرة على الدفع منصبا بالدرجة الأولى على معاينة السيولة المتوافرة. فمع هذا الاختبار قد يكون في المستطاع فحص قدرة أي شركة على الدفع في المستقبل وذلك لأي فترة زمنية يمكن تحديدها. ولا يمكن توزيع الأرباح على المساهمين إلا إذا كانت الميزانية تبعا للقواعد الدولية القياسية وكذلك اختبار القدرة على الدفع لا يشكلان خطرا على الشركة. من هذا المنظور يمكن لكليهما أن يأخذا بعين الاعتبار أسبابا محتملة للإفلاس: فمع الميزانية تبعا لنظام IFRS يمكن قياس مدى خطورة الإفراط في الديون ومع اختبار القدرة على الدفع يمكن قياس مدى خطورة السيولة.
لكن مثل هذا النظام قد يكون له عواقب واسعة النطاق وبالأخص بالنسبة لبعض دول الاتحاد الأوروبي التي تمتلك تقليديـا نظاما مميزا لتقديم الحسابات مثل المانيا. فجميع الشركات ذات توجه نحو السوق الرأسمالية وبذلك الشركات الصغيرة والمتوسطة الرأسمالية بالدرجة الأولى ستكون ملزمة لاستخدام قواعد الحسابات بالنسبة للشركات الصغيرة والمتوسطة. وبالنسبة لهذه الشركات قد تنتج تبعا لذلك تكاليف تحوّل عالية، وفي نظرها لا مسوغ لها في الأغلب. بالإضافة إلى ذلك يجب أن يتم توضيح نظام الحسابات الذي يجب أن تقوم على أساسه الشركات الفردية والتجار الأفراد في الاتحاد الأوروبي بوضع ميزانياتهم.
لهذا السبب لا يثير العجب كثيرا، أن المانيا تقدم فكرتي إصلاح اثنتين. ففي عام 2006 قامت مجموعة العمل رأس المال في أوروبا Capital in Europe، وهي عبارة عن فريق من خبراء أوروبيين في قوانين الشركات والميزانية تحت قيادة ماركوس لوتر ومعهد مدققي الاقتصاد – قامت بتقديم اقتراح قابل للمقارنة واسع النطاق، يخدم بالدرجة الأولى دول الاتحاد الأوروبي التي لها خبرة طويلة في عمل الميزانيات طبقا لقانون الاتحاد الأوروبي-4 مثل ألمانيا. فجميع الشركات التي تصدر ميزانياتها طبقا لقانون التجارة الألماني HGB تستطيع أن تواصل تطبيق آليات حماية أصحاب الديون التجارية القانونية والقائمة لغاية هذه اللحظة. وأما الشركات التي تصدر ميزانياتها طبقا للقواعد الدولية القياسية لتقديم الحسابات فستحصل على حق الاختيار. ولغايات حماية أصحاب الديون تستطيع هذه الشركات إما أن تصدر بصورة إضافية ميزانية تبعا لقانون التجارة الألماني أو أن تصدر تقريرا ختاميا فرديا تبعا للقواعد الدولية القياسية بالإضافة إلى اختبار القدرة على الدفع، ولكن حينها سيسقط حق تقديم الميزانية تبعا لقانون التجارة الألماني. وطبقا لحسابات ( التكاليف مقابل الفائدة) للشركات الفردية تستطيع كل شركة من هذه الشركات أن تختار نظاما من نظم تقديم الحسابات. هذا الحل قد يؤدي إلى وجود نظامين اثنين لحماية أصحاب الديون في قانون الاتحاد الأوروبي-2 يجب تنظيمهما: من جهة، نظام حماية أصحاب الديون يتكون من عمل ميزانية تبعا لقواعد تقديم الحسابات الدولية القياسية وتبعا لاختبار القدرة على الدفع. من جهة أخرى يجب أن يتم تأمين الشركات التي لا تعمل ميزانياتها تبعا لقواعد IFRS بنظام لعمل الميزانية يأخذ بعين الاعتبار بصورة شاملة مسألة حماية أصحاب الديون. وهنا تعرض نفسها فكرة مواصلة طريق الانسجام والتوفيق الذي بدئ العمل به مع قانون الاتحاد الأوروبي-4. وفي هذا يمكن ملاءمة قواعد أسس الميزانية وقواعد التقييم لقانون الإتحاد الأوروبي-4، طالما أنها تبدو متفقة مع أهداف حماية أصحاب الديون.
من الأرجح أن يدعم هذا الحل، بتطوير نظم تقديم الحسابات للاتحاد الأوروبي لا يخضع كليا في يد هيئة المقاييس للمحاسبة الدولية "آي إيه إس بي" International Accounting Standards Board - IASB. هذا الأخير طور نفسه ليصبح إحدى المنشآت الأساسية لوضع المعايير القياسية لتقديم حسابات ذات توجه نحو السوق الرأسمالية. ولكن نظام وضع الميزانية، يأخذ أيضا بشمول واضح مسألة حماية أصحاب الديون المؤسسين بعين الاعتبار، هذا النظام لا يقع في بؤرة أعمال هيئة المقاييس للمحاسبة الدولية.
وإذا نص مشروع الإصلاح لقانون الاتحاد الأوروبي-2 على مثل هذا الحق في الاختيار المتاح للشركات، حينها قد تنشأ منافسة بين نظم حماية أصحاب الديون. والحل السوقي الناجم عن هذا قد يكون بالتأكيد في صالح جهود الاتحاد الأوروبي المبذولة حاليا لإعادة التنظيم. ولهذا الحل تستطيع دول كثيرة وبالأخص دول الاتحاد الأوروبي، مثل ألمانيا وفرنسا، أن يخلقا ميلا كبيرا، ولاسيما أنها قد تحصل على وقت طويل لتوفيق نظم تقديم الحسابات التقليدية الخاصة بها مع شروط حماية البيئة الجديدة، كما أنها من هذه الناحية قد لا تزيد الأعباء بالأخص على الشركات المتوسطة فيها بمشاريع أخرى لإصلاح الميزانية.
ومن أجل التقدم في هذه المناقشة بخطوة إلى الأمام، قامت المفوضية الأوروبية بتكليف إجراء "دراسة جدوى" Feasibility Study. المقرر من خلال هذه الدراسة هو معاينة إلى أي مدى قد تبدو زيادة كفاءة قدرة الاقتصاد على المنافسة من خلال نظام جديد لحماية أصحاب الديون أمرا ممكنا. نتائج الدراسة التي تجريها شركة التدقيق الاقتصادي واستشارات الضرائب "كي بي إم جي" KPMG ستطرح مع نهاية العام الجاري. ولهذا السبب يتوقع حدوث تغيير في النظام في عام 2009 كأقرب موعد.

الأكثر قراءة