بواخر المواشي .. جواز سفر المنتجات السعودية إلى القرن الإفريقي
بواخر المواشي .. جواز سفر المنتجات السعودية إلى القرن الإفريقي
فيما كان يطل صبي جيزاني بأنظاره صوب ميناء مدينته القابعة في أقصى جنوب غرب المملكة، كانت هناك باخرة ضخمة أنية من عرض البحر باتجاه "جازان" المدينة وقد أثقلها حجم الحمولة، وظل هذا الصبي ممعنا النظر يرقبها وهي تقترب من خط النهاية وتطلق صافرتها المتكررة قبل أن تأخذ مكانها بالقرب من أحد أرصفة ميناء جازان التجاري الذي يقع في أقصى جنوب غرب المملكة ولا يفصله عن مضيق باب المندب ـ الممر التجاري العالمي لبلاد اليمن ودول شرق إفريقيا ـ سوى 300 كيلو متر (190 ميلا).
هذا المشهد هو تصور جسد في تفاصيلة حكاية رسو أول باخرة لإرسالية مواشي استقبلها ميناء جازان الأسبوع الماضي، والتي أعادت بدورها الحركة التجارية لتدب مجددا في هذا الميناء الذي ظل إلى وقت قريب يعاني جفاء الاستثمارات من قبل الشركات والمؤسسات التي دامت لأكثر من ست سنوات وهي فترة الحظر الذي فرضته المملكة على استيراد المواشي من دول القرن الإفريقي، على الرغم من الإمكانات والتجهيزات الهائلة التي يتمتع بها الميناء فضلا عن طاقته الاستيعابية العالية.
وهنا يؤكد علي حمود بكري مدير عام ميناء جازان، بأن استئناف استيراد المواشي عبر ميناء جازان يعني بحد ذاته مؤشرا إيجابيا قويا على عودة الميناء إلى ماضي عهده ـ قبل الحظر ـ حيث كان يشهد الميناء حركة تجارية نشطة في استيراد المواشي التي كانت تمثل أكثر من 95 في المائة من دخل الميناء، وذلك على اعتبار أن معظم السفن التي ترسو في الميناء وهي محملة بالمواشي الحية بالتأكيد أنها ستعود بعد تفريغ حمولتها محملة أيضا بالمنتجات السعودية المختلفة.
وكشف بكري أن المؤسسة العامة للموانئ بمساندة من إدارة الميناء قطعت شوطا طويلا في سبيل إقناع الكثير من المستثمرين المحليين للاستفادة من الفرص التجارية التي يقدمها الميناء وبخاصة عقب القرارات الأخيرة التي اتخذتها الحكومة لتذليل المعوقات كافة التي كانت تواجه المستثمرين، من خلال تقديم ميزة نسبية للمستفيدين من الميناء تتمثل في إعفاءات في رسوم وأجور خدمات الموانئ لمدة خمس سنوات.
وأشار بكري في حديث له مع "الاقتصادية" إلى أن إدارته تمكنت على أثر تطبيق تلك الإعفاءات من توقيع عدد من العقود الخاصة بتأجير مستودعات وساحات داخل الميناء كان آخرها عقد مع الشركة السعودية للصادرات الصناعية "الصادرات"، وآخر مع شركة العيسائي للمواد الغذائية.
"الاقتصادية" بدورها زارت ميناء جازان الذي يعد البوابة البحرية لكل من مناطـق: جازان، عسير، ونجران، و"تخطت" 12 رصيفا يحتويها الميناء لتغوص في أعماق مديره العام وتلتقي عدداً من المستثمرين ورجال الأعمال وخرجت منهم بخلاصة من المعلومات لعلها تنفع أبناء جازان وتجيب عن تساؤلهم، ماذا سيقدم لنا هذا الميناء؟
إلى التفاصيل:
من هنا كانت البداية .. يقع ميناء جازان في أقصى الجنوب الغربي للمملكة، وهو ثالث الموانئ الرئيسية من حيث السعة على ساحل البحر الأحمر، ويعد الميناء البوابة الرئيسية لواردات الجزء الجنوبي الغربي من المملكة مناطق: جازان، عسير، ونجران، من مختلف أنحاء العالم، وكان الهدف من إنشائه خدمة مشاريع التنمية وتغطية احتياجات المنطقة، لذا فهو موقع مثالي لخدمة ذلك الجزء الآهل بالسكان بسرعة وكفاية عالية، ويرتبط الميناء بهذه المناطق بشبكة من الطرق البرية الجيدة تمثل عاملا مساعدا على انسياب حركة النقل البري من الميناء إلى المناطق المذكورة وبالعكس من المناطق في حالة التصدير.
أنشأت المؤسسة العامة للموانئ ميناء جازان وطورته ورفعت كفايته التشغيلية ضمن عدة مراحل تمخضت عن إنشاء عدد من الأرصفة الحديثة لاستقبال كبرى السفن التجارية، كما تم تجهيز الميناء بكل المرافق والخدمات والتسهيلات الأخرى، إلى جانب تأمين أحدث المعدات لمناولة البضائع، التي كان لتوافرها في الميناء أثر كبير في زيادة الكفاءة التشغيلية ومواجهة الزيادة في حجم البضائع المستوردة، هذا من حيث الإمكانات.
لم يصل قدر الطموحات
يقول إن ميناء جازان الآن قادر على توفير كل متطلبات صناعة النقل البحري المختلفة واجتذاب أعداد متزايدة من خطوط الشحن البحري، إضافة إلى موقعه الجغرافي في الوسط بين ميناء جدة الإسلامي وباب المندب بوابة البحر الأحمر وممر التجارة العالمية، وكونه المنفذ الرئيس للمناطق الجنوبية ذات الكثافة السكانية العالية، إلا أن استغلال تلك المقومات لم يكن على قدر الطموحات، خصوصاً خلال السنوات الأخيرة حيث تراجعت فيها أعداد السفن الآتية وكميات البضائع المناولة بشكل كبير وبدأ الميناء لا يعمل إلا بـ 20 في المائة فقط من طاقته الاستيعابية.
الميناء يتكون حاليا من 12 رصيفا تجاريا أطوالها ما بين 180مترا و220 مترا بطول إجمالي 2150 مترا وبأعماق تصل إلى 12 مترا عند أدنى مستوى جزر للبحر، وبهذا فإن الميناء قادر على استقبال جميع أنواع السفن وبطول يصل إلى 225 مترا للسفينة الواحدة، إضافة إلى رصيف الخدمات البحرية الذي يتجاوز طوله 500 متر، وذلك لتقديم الخدمات للوكلاء الملاحيين لخدمة السفن.
ويبلغ عدد المستودعات التي يضمها الميناء ثمانية مستودعات منها ستة مستودعات للبضائع العامة مساحتها الإجمالية 16،896متر مربع ومستودعان للبضائع الخطرة مساحتهما الإجمالية 1،202 متر مربع، وكذلك سقيفة للمواشي الحية مساحتها 1860 مترا مربعا، إضافة إلى ساحات تخزين مكشوفة مساحتها الإجمالية نحو 75 ألف متر مربع ومحطة للحاويات مساحتها الإجمالية 107 آلاف مربع.
من عسير إلى الحجاز
يقول علي حمود بكري مدير عام ميناء جازان، إن تطور شبكة النقل البحرية في المنطقة وارتباط مدينة جازان بالمناطق الأخرى مثل: عسير ونجران والحجاز بشبكة طرق وأنفاق حديثة سهل على الميناء مد خدماته لجميع المناطق الجنوبية ونقل البضائع إلى الأجزاء الداخلية من البلاد، كما أدى ذلك إلى توفير المنتجات والمواد لجميع المناطق التي شملتها خدمات الميناء بأسعار معقولة مواكباً بذلك متطلبات التطور السريع والمتنوع لواردات المنطقة الجنوبية لسد احتياجات التجهيزات الأساسية، حيث انعكس على تحسين الوضع الاقتصادي في المنطقة ومواكبا النهضة الشاملة التي تعيشها بلادنا.
ويضيف قائلا: إن موقع ميناء جازان هو واحدة من المزايا العديدة التي يتمتع بها الميناء والتي تتلخص في توافر جميع التسهيلات والخدمات والمعدات الحديثة لخدمة خطوط الشحن البحري.
80% من طاقة الميناء معطلة
وفي الوقت الذي اعترف فيه بكري أن الميناء يعد معطلا بنسبة 80 في المائة، إذ يعمل حاليا بـ 20 في المائة فقط من طاقته الاستيعابية التي تقدر بنحو خمسة ملايين طن سنويا، إلا أنه قال إن المؤسسة العامة للموانئ وبمساندة من إدارة الميناء قطعت شوطا طويلا في سبيل إقناع الكثير من المستثمرين المحليين للاستفادة من الفرص التجارية التي يقدمها الميناء بخاصة عقب القرارات الأخيرة التي اتخذتها الحكومة لتذليل جميع المعوقات التي كانت تواجه المستثمرين، من خلال تقديم ميزة نسبية للمستفيدين من الميناء تتمثل في إعفاءات في رسوم وأجور خدمات الموانئ لمدة خمس سنوات.
وتابع قائلا: إن الجهود الجبارة التي بذلها الأمير محمد بن ناصر بن عبد العزيز أمير منطقة جازان، لتفعيل دور الميناء في تنشيط الحركة التجارية للمنطقة كان لها الأثر الفاعل في إقناع رجال الأعمال باستغلال إمكانات ميناء جازان البوابة البحرية الجنوبية للمملكة.
ويشير إلى أن إدارته تمكنت على أثر تطبيق تلك الإعفاءات من توقيع عدد من العقود الخاصة بتأجير مستودعات وساحات داخل الميناء كان أخرها عقد مع الشركة السعودية للصادرات الصناعية "الصادرات"، وآخر مع شركة العيسائي للمواد الغذائية.
لا نؤجر لمن يلوث البيئة
وتابع حديثه: لقد تم تأجير ساحة مكشوفة لمصنع أسمنت الغربية، حيث قامت الشركة باستيراد شحنتين من "الكلنكر" حتى الآن، كما أن الشركة تعتزم تطوير الموقع مستقبلا، مشيرا إلى أن هناك خطة أيضا لزيادة المساحة المخصصة لشركة أسمنت الجنوبية في الميناء والعودة إلى تطويرها مجددا، حيث تعتزم الشركة الاتجاه إلى تصدير منتجاتها عبر ميناء جازان بعد أن توقف خلال السنوات الماضية بعد صدور إيقاف التصدير للخارج بهدف تغطية السوق المحلية إثر حدوث أزمة أسمنت داخل المملكة.
ويبين بكري أن الميناء يحتوي على جملة من الفرص الاستثمارية الجيدة من خلال الاستفادة من الساحات المطروحة للتأجير، والتي تقع على مساحات مختلفة وتعتمد على الغرض من استخدامها وحجم المشروع.
ولفت بكري إلى أن المؤسسة العامة للموانئ سبق أن رفضت تأجير إحدى ساحات الميناء لشركة أسمنت كانت قد تقدمت بطلب لإقامة مشروع يعتمد على استيراد "الكلنكر" من الخارج ومن ثم طحنه داخل الميناء وإعادة تصديره مرة أخرى إلى الخارج، وذلك لأن مثل هذا المشروع له آثار سلبية على البيئة ولا يخدم البلد.
صناعة الأعلاف والزيوت النباتية
ويؤكد مدير عام ميناء جازان أن هناك الكثير من المشاريع الاستثمارية التي تتناسب مع طبيعة الميناء مثل: فكرة صناعة الأعلاف، وقد تم طرح فكرة هذا المشروع أمام عدد من المستثمرين لكن لم يتقدم لها أحد، على الرغم من أن فكرة هذا المشروع بسيطة جدا وقابلة للتنفيذ من خلال تصنيع الأعلاف المكعبات، وهذا النوع من المنتجات مطلوب جدا في المنطقة الجنوبية للمملكة التي يقع الميناء في محيطها، وكذلك فهي سلعة مطلوبة في دول القرن الإفريقي التي لا يفصلها عن الميناء سوى ساعات معدودة.
ومن المشاريع القابلة للتنفيذ أيضا في ميناء جازان تصنيع الزيوت النباتية، حيث يمكن أن يتم تكريرها وتعبئتها ومن ثم تصديرها إلى اليمن ودول القرن الإفريقي التي تحتاج كثيرا إلى مثل هذه السلع.
مواشي القرن الأفريقي
وفيما يتعلق باستيراد المواشي عبر ميناء جازان، يقول بكري إن استئناف استيراد المواشي عبر ميناء جازان يعني بحد ذاته مؤشرا إيجابيا قويا على عودة الميناء إلى ماضي عهده ـ قبل الحظر ـ حيث كان يشهد الميناء حركة تجارية نشطة في استيراد المواشي والتي كانت تمثل أكثر من 95 في المائة من دخل الميناء، وذلك على اعتبار أن معظم السفن التي ترسو في الميناء وهي محملة بالمواشي الحية بالتأكيد أنها ستعود بعد تفريغ حمولتها محملة أيضا بالمنتجات السعودية المختلفة.
انتقال الحركة إلى ميناء دبي
وزاد: كان ميناء جازان يصدر قبل الحظر على المواشي الإفريقية بسبب الحمى القلاعية كميات هائلة من المنتجات السعودية إلى دول القرن الإفريقي، حيث كانت السفن تأتي محملة بالمواشي في المقابل تغادر السعودية مليئة بالمنتجات الوطنية إلى الخارج.
وألمح بكري إلى أن فترة حظر السعودية لاستيراد المواشي الإفريقية تراجع فيها حجم تصدير المنتجات السعودية عبر ميناء جازان بشكل كبير، وقد استفاد من هذا الوضع عدد من الدول المجاورة وعلى رأسها الأمارات بعدما انتقلت الحركة إلى ميناء دبي.
وكان عمل ميناء جازان في الوقت الذي سبق فتحه أمام استيراد المواشي الإفريقية يكاد يقتصر على استقبال البواخر المحملة بالشعير من بعض الدول الأوربية، حيث يصل الميناء 600 ألف طن شعير سنويا، في حين أن إجمالي حجم البضائع التي كان يستقبلها الميناء لا يتعدى 800 ألف طن سنويا وهي تشكل 20 في المائة فقط من حجم الطاقة الاستيعابية للميناء، ما يعني أن 80 في المائة من الطاقة الاستيعابية للميناء معطلة.
جواز سفر للمنتجات السعودية
وأوضح بكري أن رفع الحظر عن المواشي الإفريقية هو جواز سفر لدخول المنتجات السعودية إلى أرفف المحلات التجارية في دول القرن الأفريقي المتعطشة للمنتجات السعودية، بل الوصول أيضا إلى أسواق تجارية جديدة كانت تحلم بالحصول على المنتجات التي تحمل عبارة "صنع في السعودية".
ودعا بكري رجال الأعمال والمستثمرين السعوديين في كل مناطق المملكة إلى الاستفادة من هذه الفرص الاستثمارية المتاحة ومن هذه البوابة البحرية العملاقة، مشيرا إلى أن الميناء مهيأ منذ أكثر من 20 عاما ولدينا إدارة تملك الخبرة الكافية مع توفير جميع التجهيزات الخاصة بالمناولة والخدمات البحرية. وخص بكري بالدعوة رجال الأعمال الكبار من أهل جدة، الرياض، والمنطقة الشرقية، كون معظم تجار المنطقة الجنوبية وجازان تحديدا هم من أصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، ولا يوجد لديهم رؤوس أموال قوية وحجم استثمارات ضخمة يمكن توظيفها في الميناء.
إعفاءات لـ 5 سنوات
وتحدث مدير ميناء جازان عن التسهيلات والميزات الجديدة التي أقرتها الحكومة لتنشيط الحركة التشغيلية في ميناء جازان من حيث الإعفاء من الرسوم وأجور خدمات الموانئ لمدة خمس سنوات وهي:
ـ إيقاف تحصيل رسوم القدوم والمغادرة للسفن الواردة بلائحة رسوم وأجور خدمات الموانئ.
- تخفيض أجور الشحن والتفريغ والخدمات البحرية وذلك بإلغاء النسبة المخصصة لخزينة الدولة.
- تخفيض الأجور التي تحصل من صاحب البضاعة الخالصة لخزينة الدولة بنسبة 75 في المائة.
- إعفاء البضائع المناولة من أجور التخزين لمدة 30 يوماً
الترانزيت والمسافنة
ويقول بكري إنه سبق للمؤسسة العامة للموانئ أن اتخذت العديد من الخطوات لدعم ميناء جازان، من خلال تقديم خدمات الترانزيت والمسافنة وإعادة التصدير في الميناء، إجراء تخفيض بنسبة 50 في المائة من أجور خدمات الموانئ على بضائع المسافنة، إعفاء بضائع المسافنة من أجور التخزين لمدة ثلاثة أشهر، والتوسع في تأجيـر الأراضي بأسعار تشجيعية.
ولفت بكري إلى أن هذه التسهيلات والميزات التي منحت لميناء جازان لم يكن الغرض منها فقط تنشيط الحركة التشغيلية في هذا الميناء فحسب, وإنما هناك أبعاد اجتماعية واقتصادية أخرى ترغب حكومة خادم الحرمين الشريفين ـ حفظه الله ـ في تحقيقها.
فرص عمل شباب جازان
وقال إن من أهم هذه الأبعاد: تخفيض تكاليف الواردات والصادرات على التجار والمستوردين لتشجيعهم على استخدام الميناء، تشجيع رجال الأعمال والمستثمرين على الاستثمار في المنطقة بإقامة المشاريع الزراعية والصناعية والإنتاجية المختلفة التي تسهم في تنمية المنطقة بشكل عام، دفع عجلة التنمية ورفع مستوى المعيشة للمواطنين في هذه المنطقة الغالية من المملكة، إضافة إلى إيجاد فرص عمل للأعداد الكبيرة من الشباب من أهالي جازان.
لفت أنظار شركات الشحن العالمية
ولم يخف مدير عام ميناء جازان أن يكون هناك أهداف اقتصادية بحتة من هذه الإعفاءات مثل: لفت أنظار الأوساط التجارية وشركات الشحن العالمية التي تبحث عن تكاليف شحن منخفضة، خصوصاً وأن تطوير ميناء جازان لم يأت عفوياً وإنما كان نتيجة ثقة الجهات المعنية في مستقبل الميناء والمنطقة التي يخدمها.
وكلاء الملاحة
وهنا أجمع عدد من الوكلاء الملاحيين العاملين في ميناء جازان في حديث لهم مع "الاقتصادية" على أن تشغيل الخط الملاحي بين الموانئ الجيبوتية وميناء جازان التجاري، جاء استجابة من الجهات المعنية في المملكة لمطالب رجال الأعمال السعوديين ونظرائهم من دول "الكوميسا"، مؤكدا أن السعودية ستجني فوائد كبيرة من جراء هذا الخط الذي سيوفر على التجار السعوديين الجهد والوقت لإيصال بضائعهم على الضفة المقابلة من البحر الحمر ومضيق باب المندب وبحر العرب حيث تطل جيبوتي بوابة القرن الإفريقي.
من 6 أيام إلى 12 ساعة
وجزموا بأن فتح الخط البحري بين ميناء جازان وجيبوتي سيسهم في انسياب البضائع والسلع السعودية إلى منطقة القرن الإفريقي بشكل أسرع، مشيرين إلى أن المسافة بين موانئ البلدين لا تتجاوز الـ 320 كيلو مترا (190 ميلا بحرياً).
وقال أحد أصحاب شركات الملاحة والشحن العاملة في ميناء جازان، إن السلع السعودية كانت خلال الخمس سنوات الماضية تصدر إلى جيبوتي بشكل ضعيف جدا عبر موانئ دبي، مؤكداً أنها كانت تصل بعد مسيرة ستة أيام، بينما في الوقت الحالي سيتم اختصار الوقت إلى 12ساعة فقط.
وأشار إلى أهمية هذا المنفذ البحري في تصدير البضائع السعودية، متوقعاً إسهام الخط الملاحي في زيادة حجم التبادل التجاري مع دول القرن الإفريقي وانتعاش التجارة البينية بشكل ملحوظ، مؤكدا أن ميناء جازان يملك جميع الإمكانات التي تجعله يقوم بهذا الدور على أكمل وجه.
أكبر محجر صحي في العالم
وعبر المستثمر محمد قايد سعيد رئيس مجلس إدارة مؤسسة أبو ياسر الدولية ـ الجهة المشغلة لمحجر جيبوتي الصحي لتصدير المواشي إلى المملكة ـ عن ارتياحه لفتح ميناء جازان أمام المواشي الإفريقية التي خرجت من المحجر الذي تديره مؤسسته، معتبرا أن هذه الخطوة ستصب في مصلحة الجميع، مشيرا إلى أنه استثمر نحو 20مليون دولار في إنشاء أكبر محجر صحي في العالم في جيبوتي لتصدير المواشي الإفريقية إلى السعودية.
وأفاد قايد أن السفينة (ألفا) التي وصلت من ميناء جيبوتي الأسبوع الماضي كانت تحمل على متنها 6000 رأس من الأغنام و1300 رأس من الإبل، لتسجل نفسها كأول سفينة تصل لمنطقة جازان بعد صدور موافقة وزارة الزراعة السعودية استئناف استقبال الأغنام الإفريقية عن طريق ميناء جيبوتي فقط بعد فترة قطيعة استمرت لعدة سنوات.
ويقول: إن فتح الميناء أمام البواخر القادمة من جيبوتي يعد المحفز الرئيسي لنجاح المشروع والذي سيسهم بدوره في تزويد السوق السعودية بماشية مراقبة صحياً بشكل دقيق وتحت إشراف من وزارتي الزراعة الجيبوتية والسعودية ومنظمة الصحة العالمية.
تخفيض تكلفة الشحن 50%
ويبين محمد سعيد قايد أن الخط الملاحي المباشر مع جازان أسهم في تخفيض تكاليف الشحن إلى نصف القيمة مقارنة بما يدفع لشحن الماشية إلى ميناء جدة، مؤكداً أن هذا انعكس بشكل إيجابي على أسعار السلع والمواشي تحديدا في السوق السعودية التي كانت إلى فترة قريبة تعاني من الارتفاع الحاد في أسعار اللحوم، متوقعا أن يرتفع عدد المواشي الحية المستوردة عبر ميناء جازان إلى نحو مليون رأس قبل نهاية العام.
ويشير قايد إلى أن أهمية جيبوتي بالنسبة لرجال الأعمال تكمن في كونها بوابة القرن الإفريقي الذي يتميز بوجود كثافة سكانية تتطلب الكثير من السلع والخدمات للدول التي ليس لها منفذ بحري سوى الموانئ الجيبوتية.
وتعد الموانئ الجيبوتية مركزاً لإعادة التصدير إلى الدول الأعضاء في منظمة "الكوميسا"، وكانت قد وأوصت قمة "الكوميسا" الحادية عشرة في جيبوتي لقادة الدول الأعضاء في المنظمة، أنه يمكن تفعيل التبادل التجاري بين الدول الأعضاء ودول الخليج لإنجاح المساعي الحثيثة لإقامة الاتحاد الجمركي لدول "الكوميسا".
تنشيط الحركة التشغيلية
أما عبد الوهاب العطيوي ـ تأجر مواش ـ فهو فيقول: "بالنسبة لميناء جازان فإنني أرى الإجراءات التي تم تطبيقها أخيرا لتطوير ميناء جازان جميعها تصب في تفعيل دوره وتنشيط الحركة التشغيلية له لخدمة المنطقة الجنوبية من المملكة والمناطق القريبة منها".
وأضاف قائلا: "لا شك أن ميناء جازان يتميز بموقعه الجغرافي في الوسط بين ميناء جدة الإسلامي وباب المندب وبوابة البحر الأحمر وممر التجارة العالمية والمنفذ الرئيس للمناطق الجنوبية".
الحظر وارتفاع الأسعار
وبين العطيوي الذي قال إنه يعمل في استيراد المواشي من دول القرن الإفريقي وأستراليا منذ أكثر من 30 عاما، إن الحظر الذي كان مفروضا على المواشي سبب لتجار المواشي الكثير من الخسائر الاقتصادية، وكذلك ارتفاع الأسعار في السوق المحلية إلى أضعاف مضاعفة وبخاصة في أوقات المواسم، فضلا عن انتشار ظاهرة تهريب الأغنام عبر الحدود التي كانت تتم عبر جبال وأودية وعرة. ولا يهتم هؤلاء المهربون إن كانت المواشي المهربة مصابة بأمراض خطيرة أم لا، بل كل ما يعنيهم الربح.
مواش سليمة
وقال: "إن عمليات التهريب التي كانت تتم في الأوقات المتأخرة من الليل عملت على إغراق الأسواق في المنطقة الجنوبية بمواش غير سليمة صحيا"، مؤكدا أن عودة استيراد المواشي عبر ميناء جازان ستحل هذه المشكلة وتعيد الوضع إلى ما كان عليه في سنوات سابقة.
وأضاف قائلا: أنه استورد شحنة من الجمال الإفريقية "الإبل" تقدر بنحو 240 رأسا عن طريق ميناء جازان بعد أن تم حجرها في ميناء جيبوتي الإقليمي الصحي، مشيرا إلى أن عملية الاستيراد جاءت بعد أن سافر إلى جيبوتي ووقف شخصيا على المحجر الصحي الإقليمي هناك وتابع جميع الخطوات التي تتخذ أثناء فترة الحجر من فحص وتحليل وغير ذلك داخل المحجر بهدف تصدير مواش سليمة من الأمراض إلى السوق السعودية.
أسعار الحجر معقولة
ونفى العطيوي أن تكون هناك مبالغة في أسعار الحجر أو الشحن من قبل محجر جيبوتي الإقليمي، مبينا أن التكاليف مناسبة جدا، وبخاصة أن الإجراءات الصحية التي يطبقها المحجر مفروضة من قبل وزارة الزراعة السعودية والمنظمات العالمية، كما أن مدة الحجر وهي 30 يوما الهدف منها مراعاة فترة التحريم وبقاء المواشي خلال هذه المدة تحت الحجر إلى أن تتبين سلامتها من الأمراض بشكل كامل.
لم تسجل أي حالة إصابة
وقال العطيوي إن هذه الإجراءات "صحية" كونها تصب في مصلحة المستهلك بالدرجة الأولى، وكذلك مصلحة المستورد، لأن ذلك يضمن له عدم وصول مواش مريضة إلى البلاد قد تجبره السلطات الرسمية على إعادة تصديرها وتحمل مزيد من التكاليف.
واستدل العطيوي بفائدة محجر جيبوتي بأنه فور وصول السفينة التي كانت تحمل مواشيه إلى ميناء جازان تم الفحص الظاهري عليها، وسحب عينات من الدم وخضعت لجميع التحاليل المخبرية للتأكد من خلوها من الأمراض والأوبئة، ولم تسجل أي حالة إصابة ـ ولله الحمد ـ كما تم رش المواشي بمبيد سائل مركز لقتل الطفيليات والحشرات العالقة بالجسم الخارجي للمواشي.
القضاء على تهريب المواشي
ويشير العطيوي إلى أن وصول شحنات المواشي إلى ميناء جازان سيسهم بشكل كبير في القضاء على عمليات تهريب المواشي من اليمن وإدخالها إلى السعودية، لأن العرض سيرتفع ليلبي حاجة المستهلك، وبالتالي فإن الأسعار ستنخفض وستكون منافسة وهذا الأمر سيؤدي بدوره إلى الحد من التهريب لأنه لن يكون مجديا من الناحية المالية بالنسبة للمهربين.
وفيما أوضح العطيوي أن استيراد مواشي القرن الإفريقي عبر ميناء جيبوتي مجد اقتصادياً خلال الفترة المقبلة، فإن عددا من تجار المواشي يتفقون مع هذا الرأي، مؤكدين أن روح التفاؤل بدأت تنبعث من جديد لدى الكثيرين من رجال الأعمال والتجار في المنطقة فرحين بعودة الحياة لميناء جازان الذي سيحل بدوره الكثير من المعوقات التي كانوا يواجهونها.
ويعتقد حربي أحمد المالحي ـ رجل أعمال من جازان ـ أن فتح ميناء جازان أمام البواخر والسفن الآنية من دول القرن الإفريقي سيفتح المجال أمام الكثير من أصحاب الشركات الصغيرة والمتوسطة للاستفادة من هذه الفرص التجارية، وكذلك دخول مستثمرين جدد من خلال استيراد المواشي الإفريقية وتصدير منتجات سعودية إلى إفريقيا.
ولم يستبعد المالحي أن يستفيد بعض الشركات الكبيرة في منطقة جازان من الحركة الاقتصادية التي يشهدها الميناء ومواجهة الطلب الخارجي، ومن هذه الشركات "جازان للتنمية" التي حصلت أخيرا على ترخيص لإنشاء مصنع للأسمنت في جازان برأسمال تجاوز مليار ريال، وقال: يمكن للشركة أن تستفيد من تصدير جزء كبير من هذا المنتج إلى الخارج عبر ميناء جازان القريب منها بعد تغطية احتياجات السوق المحلية من مادة الأسمنت.
أهالي جازان يتحدثون
وعلى صعيد مدن وقرى جازان فإن عددا من المواطنين من أهالي المنطقة تحدثوا لـ "الاقتصادية" عن طموحاتهم المرجوة من ميناء جازان راجين أن يكون في الإعفاءات الجديد وإيقاف تحصيل الرسوم في الميناء عامل مساعد للتجار وللوكلاء البحريين ويشجعهم على إنزال بضائعهم واستيرادها من خلال ميناء جازان الذي عانى الأمرين بعد مصيبة حمى الوادي المتصدع التي من خلالها تم إيقاف استيراد المواشي التي كانت تمثل أكثر من 90 في المائة من دخل الميناء.
المواطنون: لا تنسونا
واعتبر عدد من أهالي جازان أن رفع الرسوم بمثابة فرصة اقتصادية سيستفيد منها كل الأطراف: ميناء جازان، وأبناء المنطقة، وكذلك الوكلاء والمستوردون من رجال الأعمال والمستثمرين الذين يعدون المستفيد الأكبر وبخاصة وكلاء السيارات والمواد الغذائية.
وطالب هؤلاء المواطنون رجال الأعمال والمستثمرين بألا يضيعوا الفرصة على أنفسهم، وفي الوقت نفسه لا يخذلوهم في توفير عدد كاف لهم من الوظائف للقضاء على البطالة التي يعاني منها نسبة كبيرة من أبناء المنطقة.