هل يستوعب الاقتصاد العالمي سعر 100 دولار للبرميل؟
هل يستوعب الاقتصاد العالمي سعر 100 دولار للبرميل؟
إنها مجرد 159 لترا، تعني في النهاية برميلا واحدا. وهذا البرميل يستخدم وحدة قياسية للسوائل، ومن هذه السوائل النفط.
على أن النفط ليس سائلا عاديا، فدوره في تسيير العجلة الاقتصادية والصناعية أعطاه ميزة نسبية يتفوق بها على بقية السوائل، بل والسلع الأخرى، الأمر الذي جعل توافره وسعره من القضايا التي تحتل مكانة متقدمة دائما في ساحات النقاش السياسية والاقتصادية.
ولفترة 100 عام وحتى قبل ما يزيد على ثلاثة عقود من الزمان لم يلفت سعر البرميل الأنظار، وبالتالي لم يجذب اهتمام الساسة، فلاستقراره تحت أقل من خمسة دولارات للبرميل طيلة هذه الفترة، أصبح التعامل معه من باب أنه سلعة متوافرة وبسعر رخيص وأصبحت قضاياه من الأمور المفروغ منها، لأنها لا تثير إشكالات ومتاعب. ويعود ذلك بصورة رئيسية إلى السيطرة الأمريكية على الصناعة النفطية إنتاجا واستهلاكا وتسعيرا، لأن الولايات المتحدة كانت تفرض وقتها قيودا على الأسعار.
يذكر أن تجاوز الاستهلاك الأمريكي قدرات الإنتاج المحلي واضطرارها للذهاب إلى السوق مشترية لمقابلة احتياجاتها نقل ميزان الثقل إلى لاعب جديد، هو منظمة الأقطار المصدرة للنفط "أوبك"، التي جمعت المنتجين النفطيين في منظمة برزت إلى العالم عام 1960، لكنها لم تلفت الأنظار ولم تحظ بتغطية لنشاطاتها في المطبوعات الاقتصادية، وذلك لسبب بسيط أنها طوال تلك الفترة لم تلعب دورا مؤثرا في تحديد معدلات الأسعار.
في عام 1973 برزت حالة من نمو متصاعد في الطلب من ناحية، وعدم قدرة المنتجين خارج "أوبك" على تلبيته، وتزامن ذلك مع انفجار الحرب العربية ـ الإسرائيلية التي عرفت بحرب رمضان، الأمر الذي أدى إلى ما عرف بالصدمة النفطية الأولى، حيث تصاعد سعر البرميل أربع مرات من ثلاثة دولارات إلى 12 دولارا للبرميل، ويعني هذا بأسعار اليوم وبعد وضع عنصر التضخم في الاعتبار أن سعر البرميل قفز من عشرة دولارات إلى نحو 40 دولارا للبرميل.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، فبعد بضع سنوات انفجرت الثورة الإيرانية لتدفع إلى واجهة الأحداث ما عرف بالصدمة النفطية الثانية، رغم أن الإمدادات كانت متوافرة، لكن حالة الهلع التي أصابت السوق، جعلت سعر البرميل يتصاعد إلى نحو 35 دولارا بأسعار ذلك الزمان، أو ما يعادل 80 دولارا بالمعدلات السعرية السائدة حاليا وأخذا لعنصر التضخم في الاعتبار.
وخلال فترة الأسابيع الأخيرة تصاعد سعر البرميل بسبب المواجهة الإيرانية مع الدول الغربية، الأمر الذي أعاد تركيز الضوء على العامل السياسي، فمنطقة الشرق الأوسط تعتبر الخزان الرئيسي للاحتياطيات النفطية، على أن المنطقة تتميز بحالة من عدم الاستقرار واستمرار القلاقل فيها، وهو ما يجعلها مرشحة لتفجر الأزمات فيها بصورة أو أخرى. وهذه الوضعية تنبئ باحتمال وصول سعر البرميل إلى 100 دولار، وهو ما ينتظره العالم، الذي تمكن من قبل من استيعاب تخطي سعر البرميل 50 دولارا ثم 60 و70. وقتها سيكون السؤال: إلى أي مدى يمكن للاقتصاد العالمي أن يستوعب ذلك التطور؟