كوريا: الشعب بأكمله يحرر صحيفة واحدة
"إذا كنت تمتلك خبرا فلا تتردد في نشره عندنا... فشعارنا هو أن كل مواطن يُعد مراسلا صحافيا".. تتصدر هذه العبارة الصفحة الرئيسية للصحيفة الإلكترونية "أوه ماي نيوزOhmyNews" التي تعد من أكثر الصحف تأثيرا في حياة المواطنين والحياة السياسية في كوريا الجنوبية، والتي تأسست في شباط (فبراير) عام 2000.
يقول "أوه يون هو" الصحافي الكوري الكبير ومؤسس صحيفة "أوه ماي نيوز" الإلكترونية إنه أراد من وراء إنشائه لهذه الصحيفة الإلكترونية أن يقول وداعا لصحافة القرن العشرين التي اعتاد فيها المواطنون على أن يروا الأحداث من خلال أعين الآخرين التابعين للتيار المحافظ والذين يحتكرون وسائل الإعلام.
وأكد أنه أراد موقعا إلكترونيا يحتوي على مواد إخبارية تجذب القراء، وتجعلهم يجلسون في حالة من التأمل والتفكير، ولكنه كان لا يمتلك أموالا كثيرة ليقوم بعمل ذلك على مستوى المحترفين، فقرر من هنا أن الهواة يكتبون ويحررون أخبار الموقع. وأضاف أن المحور الذي تتمركز حوله الفكرة هو أن كل مواطن يمكن أن يكون مراسلا صحافيا، متخذا ذلك شعارا للصحيفة.
يقول أحد الدبلوماسيين الكوريين لا يمكن لأي من صناع القرار السياسي في كوريا الجنوبية أن يتجاهل "أوه ماي نيوز"، حيث إن كوريا الجنوبية تتطور بصورة سريعة وغير عادية في مجال الإعلام الإلكتروني حتى أصبحت واحدة من أولى دول العالم المتقدمة بشكل مذهل في عالم الكمبيوتر والإنترنت لدرجة أنه يطلق عليها الآن اسم أكبر دولة ديمقراطية تعيش على شبكة الإنترنت، حيث يقضي الكوريون 1340 دقيقة شهريا على شبكة الإنترنت، كما أن 10 في المائة من النشاط الاقتصادي للبلد يرتبط بمجال تكنولوجيا المعلومات.
كما أن جميع التعاملات داخل كوريا الجنوبية تتم عن طريق الإنترنت بداية من حجز المطاعم والتسوق وحتى الحصول على المعلومات وتبادل الصفقات التجارية. وأكدت صحيفة "الجارديان" البريطانية في تقرير خاص أن الصحيفة الإلكترونية "أوه ماي نيوز" تتمتع بقوة تأثير عالية، حيث إنها شاركت بصورة قوية في انتخاب رئيس كوريا الجنوبية الجديد "روه مو هيون" والذي تحدث لأول مرة بعد انتخابه رئيسا للبلاد في حوار خاص مع صحيفة "أوه ماي نيوز"، كما أنها أسهمت في تنظيم مظاهرات قوية وحاشدة في البلاد ضد السياسات الأمريكية الحالية، وخاصة ضد احتلال الولايات المتحدة وسيطرتها الحالية على العراق.
وأضافت صحيفة الجارديان مثالا آخر على قوة التأثير التي تحظى بها الصحيفة الإلكترونية، حيث إنها تسببت في فصل المحرر الصحافي الياباني الشهير "فريد فاركوي" والذي يعمل في مجال تغطية الأحداث الرياضية، وذلك بعدما نشر بعض المواطنين الصحافيين في موقع الصحيفة رسائل تدعو إلى فصله من عمله بجريدة "جابان تايمز" اليابانية، وذلك بعد تصريحاته التي أدلى بها لبعض الصحف اليابانية بعد زيارته لكوريا الجنوبية والتي أساء فيها لسمعة البلاد بتشبيه النساء الكوريات بالعاهرات.
وترجع قوة تأثير صحيفة "أوه ماي نيوز" لكونها لا ترتبط بمؤسسة حكومية معينة تريد فرض أفكارها، كما أنها ضد الحكومة وضد السياسات الأمريكية. وتظهر القصص الإخبارية فيها محايدة إلى حد كبير، كما أن بعض القصص الإخبارية تملؤها العواطف والجوانب الإنسانية، وتميزها الحبكة والتماسك، حيث تغطي الصحيفة جميع جوانب الحياة بدءا من السياسة وحتى المشكلات الشخصية.
ومن المثير للإعجاب في تجربة صحيفة "أو ماي نيوز" أنها تعطي مراسليها ترخيصا يسمح لهم بدخول جميع الهيئات الحكومية والوزارات مثلهم مثل الصحافيين المحترفين الكبار، كما أن لديهم مطلق الحرية في نشر الأخبار التي يريدونها بشرط أن يكتبوا عليها أسماءهم الحقيقية ليتحملوا المسؤولية المطلقة تجاه ما كتبوه.
وتدفع الصحيفة للمواطنين المراسلين أجورا صغيرة تبدأ من دولارين وتصل إلى 16 دولارا حسبما تصنف الصحيفة الخبر أو التقرير الإخباري من ضمن تصنيفاتها الثلاث، وهما "خبر عادي"، "خبر بمكافأة" أو "خبر مميز للغاية".