التحديات التي تواجه الشركات السعودية بعد الانضمام إلى منظمة التجارة

انتهجت السعودية سياسة الاقتصاد الحر بهدف تحقيق ازدهار التجارة وازدياد المشاريع العمرانية وتبعاتها الجسام, وتعد الشركات التجارية, خصوصا الشركات المساهمة, من أهم الأدوات التي تسهم في تحقيق هذه الأهداف, لذا قفز عدد الشركات في بضع سنوات من بعض عشرات إلى مئات (إذ تشير الإحصائيات إلى أن إجمالي عدد الشركات في المملكة وصل حتى عام 1422هـ 10503 شركات منها, 118 شركة مساهمة) ولا تزال في ازدياد مطرد لما حققته في العمل من فوائد جمة انعكست على المصلحة العامة ومصلحة الأفراد مجتمعين ومنفصلين.
وصدر نظام الشركات بالمرسوم الملكي رقم (م/6) وتاريخ 22/3/1385هـ، ثم عدل مرات عديدة بالمراسيم الملكية رقم (م/5) وتاريخ 12/2/1387هـ و(م/23) وتاريخ 28/6/1402هـ و(م/46) وتاريخ 4/7/1405هـ, ويتكون هذا القانون من 234 مادة مقسمة على 14 باباَ، تناولت تنظيم الشركات بما يتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية وبما لا يتعارض مع شروط الشركاء وقواعد العرف التجاري, وخصص للشركات المساهمة أكبر قسم منه وهو الباب الخامس, الذي يتضمن 101 مادة, هي المواد من 48 إلى 148.
وتشير بعض الإحصائيات لعام 2005م إلى أن رساميل الشركات المساهمة في السعودية تجاوزت 33و6 مليار دولار( أي نحو 126 مليار ريال سعودي), ومن المعلوم أن هذه الشركات تقوم بدور مهم في نهضة الاقتصاد الوطني وازدهاره من حيث اضطلاعها بتنفيذ المشاريع الاقتصادية العملاقة, كما تلعب دورا أساسياَ في تحريك السوق المالية؛ إذ إنها وسيلة لتجميع مدخرات المواطنين وتوظيفها في مشاريع تدعم الاقتصاد الوطني.
والواقع أن تفعيل أداء هذه الشركات يُعد من أبرز التحديات التي تواجه قطاع الأعمال في السعودية. وتشير بعض الدراسات التي أجريت أخيراَ إلى أن نحو 30 في المائة من الشركات المساهمة تحقق خسائر لعدة أسباب من أهمها ضعف الرقابة والإشراف والمتابعة عليها ووجود خلل في الهياكل الإدارية التي تستخدم لإدارة وتوجيه أعمال وشؤون الشركة.
ويُعد انضمام السعودية إلى منظمة التجارة العالمية تحدياَ جديداَ يضاف إلى تلك التحديات؛ إذ أصبح هناك آفاق واسعة للتجارة الدولية ولوجود كيانات اقتصادية ضخمة في مجالات التجارة الدولية وفي قطاعات تتطلب ذلك مثل قطاع التأمين وإعادة التأمين ومشاريع الإنشاءات الدولية والتأجير التمويلي وغيرها, وهذا يقتضي تطوير نظام الشركات الذي تم إصداره منذ نحو 43 عاماَ.
وإذا كان هناك مشروع لنظام جديد قيد الدراسة لدى الجهات المختصة إلا أن المتغيرات الدولية والمتطلبات الداخلية في تلك الشركات تشير إلى أهمية الإسراع في إصدار النظام الجديد, بحيث يتيح للشركات المساهمة أن توجد آلية للتنسيق فيما بينها لتطوير كياناتها والوصول إلى نمط الشركات العملاقة المتخصصة في مختلف المجالات, وبحيث تستطيع التنسيق في مجالات التمويل والمخاطر الاستثمارية, وكذلك تبادل الخبرات حول التخطيط الاستراتيجي وتطبيق الأساليب الحديثة في الإدارة, مع الأخذ بالإدارة الإلكترونية.
ويتضمن نظام الشركات الحالي نوعين من الرقابة: الأول: الرقابة الخارجية: تُمارسها جهات خارجية عن الشركة, مثالها الإدارة العامة للشركات التابعة ومؤسسة النقد العربي السعودي, حيث تنصب مهمة المراجع الخارجي على تدقيق القوائم المالية للشركات, ومع ذلك فإن هناك ثغرة قانونية تتمثل في أن الجهة التي تقوم بإعداد هذه القوائم وما تتضمنه من معلومات هي إدارة الشركة, بحيث تنحصر مهمة المراجع الخارجي في تدقيق هذه القوائم. والنوع الثاني رقابة داخلية يمارسها مجلس الإدارة ومراقبو الحسابات ولجان المراجعة التي صدر بتشكيلها قرار وزاري عام 1994 من الأعضاء غير التنفيذيين في مجالس إداراتها بحد أدنى ثلاثة أعضاء, وتكون لها مهام استشارية ورقابية, فتعرض تقاريرها على مجلس الإدارة وجمعية المساهمين.
ومع ذلك فإننا نأمل أن يتضمن مشروع نظام الشركات نصوصاً توسع من نطاق مهام لجان المراجع الداخلية, لما تحققه من ميزات تفوق تلك التي تحققها المراقبة الخارجية, ذلك أن الرقابة الحمائية المانعة أفضل من الرقابة العلاجية اللاحقة التي تتدخل لمعالجة الانحراف والفساد. فضلا عن أن اختيار أعضاء هذه اللجان من خارج أعضاء المجلس يمكن أن يؤثر سلباً في أعمال الشركات ومشاريعها لاحتمال تسريب المعلومات والبيانات السرية لشركات ومشاريع منافسة.
كما نرى أن إعادة النظر في تنظيم الشركات المساهمة لا يجوز أن تتم من خلال إعادة صياغة بعض النصوص ووضع نصوص بديلة أو إضافة نصوص جديدة لم يكن يتضمنها النظام في ضوء ما تتضمنه قوانين وأنظمة الشركات في بعض الدول, بل يجب أن يتم استطلاع آراء مسؤولي ومديري الشركات المساهمة والأجهزة الرقابية عليها للتعرف على أهم العقبات التي تعترض سير أعمال تلك الشركات والتحديات التي تواجهها, وذلك حتى يأتي التعديل المرتقب متوائما مع حقيقة الواقع وملبيا احتياجاته فيحقق الثمار المرجوة منه.
ومما لا شك فيه أن من أهم القضايا التي تواجهها الشركات المساهمة قضية الرقابة والمساءلة والشفافية. وإذا كانت لائحة حوكمة الشركات التي صدرت أخيرا قد تناولت تلك القضية, حيث خصصت قسما كبيرا منها لموضوع الشفافية والإفصاح عن المعلومات؛ إلا أنه يجب أن نلاحظ أن هذه اللائحة غير ملزمة للشركات وإنما صدرت على سبيل الاسترشاد بها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي