طلابنا .. بين تقبيل القدم وكسر اليد!
كلما قرأت عن حادثة وقعت في إحدى المدارس لطالب من الطلبة تخيلت نفسي مكان ذلك الطالب أو تخيلت أني ولي أمره وأخذت أسأل نفسي: ماذا يمكن أن أصنع لو كنت في الموقف نفسه؟ وقد يمتد بي الخيال لأتذكر وضع الطلبة والمدرسين في المدارس قبل أكثر من 15 عاماً، كيف كان وكيف أصبح اليوم، حيث من الملاحظ أن بعض الحوادث التي أصبحنا نقرأها في الصحف بشكل دوري دخيلة تماماً على مجتمعنا ولم نكن نسمع بها سابقاً على الإطلاق، ولا أدري هل سبب ذلك عدم حدوثها أم أنها كانت تحدث ولكن لم تكن تعرف طريقها لوسائل الإعلام.
لقد تألمت كثيراً وأنا أقرأ العقاب الذي فرضه مرشد طلابي ومعلم في إحدى المدارس في المنطقة الشرقية على أحد الطلبة عندما أخطأ، حيث أجبره على مرأى ومسمع من بقية الطلبة أن يقوم بتقبيل قدمه، وعندما قبّلَ الطالب ظاهر القدم رفض المرشد ذلك وطالب بتقبيلِ باطن القدم أيضاً. وعقاب آخر وقع على أحد الطلاب في المنطقة نفسها، عندما قام أحد المعلمين بكسر يد الطالب بعد أن لوى ذراعه وضربها على الطاولة.
والذي يتأمل مثل هذه الأحداث يتخيل الفصول الدراسية وكأنها أصبحت حجرات تعذيب داخل معتقلات كبيرة يقوم عليها جلادون غلاظ شداد رأوا في الطلاب فريسة لهم فهم يذيقونهم العذاب والإهانة والذل.
وفي المقابل نجد حادثة الطلاب الذين قاموا بالاعتداء على معلمهم في منطقة حائل بآلة حادة وأسقطوه أرضاً وانهالوا عليه بالضرب حتى فقد الوعي، وتركوه يسبح في دمائه وقاموا بتصوير اعتدائهم بكاميرات الجوال.
وقائع غريبة تحدث في مدارسنا سواء كان مصدرها المدرسون أو الطلاب، إلا أنها توضح أن هناك خللاً ما في العلاقة بين الطالب والمدرس. وقد يقول قائل إنها أحداث نادرة ومحدودة، وهذا قد يكون صحيحاً، إلا أن وقوع مثل هذه الحوادث يجب أن يكون مؤشرا لنا نعمل من خلاله على إعادة تقييم المعلمين من جانب وكذلك الطلاب من جانب آخر لضمان عدم تكرارها، وفي المقابل يجب أن يتم فرض أقسى العقوبات على منفذي مثل هذه المخالفات ليكونوا عبرة لغيرهم ممن ارتكبوا مثل هذه الجرائم.
لقد قامت جريدة "الحياة" خلال هذا الأسبوع بعمل تحقيق صحافي على ثلاث حلقات كان عنوان الحلقة الأولى يصف المعلم في المدارس (بين ضارب ومضروب ومميز إذا سمحت الظروف)، ويوضح بعض المعلمين في ذلك التحقيق الصحافي أن العملية التعليمية أصبحت أكثر "مأساوية"، وهذه المأساة مختلفة تبدأ من أوامر المعلمين التعسفية وتنتهي إلى تردي الدخل المادي ليلجأ المعلم عندها إلى البحث عن عمل جزئي، خصوصاً إذا عرفنا أن المعلمين ليس لديهم بدلات أو مميزات، وكل ذلك بطبيعة الحال سيؤثر على العلاقة بين الطالب والمعلم، خصوصاً إذا لم يرتق المعلم إلى المستوى الذي يؤهله إلى حمل مثل هذه الأمانة.
إننا في حاجة ماسة ومن خلال تأملنا في هذه الحوادث أن نعيد النظر في علاقة الطالب مع المعلم، والمعلم مع الطالب، والبحث عن العوامل التي تساعد على اتساع الفجوة بين الطرفين، والسيطرة على مثل هذه الأحداث التي تقع وضبطها حتى لا تنتشر وتصبح في المستقبل ظاهرة من الصعب التحكم فيها.
إن مهنة التعليم مهنة كريمة وشريفة لها حقوق وعليها واجبات، فالمعلم قدوة وله احترامه وتقديره وتبجيله، وفي المقابل فإن الطالب وإن أساء أو أخطأ فيجب أن نحافظ على إنسانيته وعلى شخصيته ونفسيته، فكم من شيخ اليوم يذكر معلم بخير مقابل معروف له ويتألم من تصرف آخر أساء إليه!