الصين تفتح صفحة جديدة في مجال حماية الملكية الخاصة
لأول مرة في تاريخ الصين سيتم وضع الملكية الخاصة للأفراد وكذلك ممتلكات الشركات على أسس راسخة قانونيا. على الورق يبدو مشروع القانون جيدا جدا. ويقول المحلل شي لو من مقاطعة هونج كونج إن تبني القانون سيكون بمثابة انتصار كبير للمصلحين الاقتصاديين وسيمثل نقطة تحول كبيرة في أولويات التطور الصيني. صحيح أنه توجد في الحياة اليومية كمية لا بأس بها من القوانين والقواعد التي تضمن حماية الملكية الخاصة - ولكن هناك قانونا يتمتع برمزية فريدة من نوعها. هذا القانون يكسر القواعد الأساسية للصين ذات التوجه الاشتراكي. وبهذا القانون تدفع الحكومة في بكين الدولة الصينية بخطوة إلى الأمام على طريق تأسيس الرأسمالية. ففي عام 1998 تبنت الحكومة قانونا لإصلاح الأصول العقارية في الصين، وفي عام 2002 انفتح الحزب أمام الشركات والمستثمرين. وبعد عامين وُضع قانون في الدستور يضمن الحق في التملك.
بيد أن هذا لم يطبق في الحياة العملية. بالعكس: الصين اليوم تتميز بطابع سرقة الأراضي التي تتم بأعنف الطرق الوحشية. وهذا الطابع هو السبب في تزايد الاحتجاجات بين الشعب. لكن على الرغم من أن هذه الاحتجاجات موجهة في العادة ضد السلطات المحلية، إلا أن لجان الحزب والحكومة يتعرضان مع هذه الاحتجاجات لضغوط ثقيلة متزايدة - فالحديث عن المجتمع المتجانس المزعوم حديث غير وارد في الصين. ولكن إلى مثل هذا المجتمع تحتاج الحكومة في بكين من أجل مواصلة الطريق الذي بدأته وضمان هيمنة حكومة الحزب الواحد .
في الوقت نفسه أخذت الطبقة المتوسطة التي بدأت تتزايد في الصين تطالب بحقوقهـا: فهي تريد أن تورث أملاكها لابنها الوحيد، وأن تقترض عليها مالا أو قرضا وأن تبيعها كيفما شاءت - ولكن هذا لا يمكن حدوثه إلا إذا نُظر إلى هذه الأملاك على أنها أملاك خاصة. ويقول وانج اكسيانج من الاتحاد الصيني للتجارة والصناعة إن إحدى النتائج المهمة لهذا القانون الجديد هو أنه يدفع كل شخص للعمل بنشاط وهمة للوصول إلى مستوى معيشة أفضل. ولا عجب في هذه النتيجة، فالشركات هي التي ستستفيد في الأغلب بشدة من تزايد قوانين حماية الحقوق في الصين.
ولكن تاريخ هذا القانون يسمح بإلقاء نظرة عميقة على مستوى تطور الجمهورية الشعبية. فقبل ما يزيد على خمسين عاما تم إلغاء الملكية الخاصة، وتولت الحكومة مهامها. وفي عام 1993 بدأ العدول عن هذه الفكرة ونشأ أول نص قانوني، ولكن لم تتم متابعته على الإطلاق. لكن وفي هذه الأيام يمثل الاقتصاد الخاص نحو ثلثي إجمالي دخل الدولة في الصين، كما أن دخل سكان المدن تزايد خلال الأعوام الـ 14 الأخيرة إلى خمسة أضعاف - وبهذا ازداد اهتمامهم بوضوح في حماية مستوى الرفاهية التي يعيشونها. مشروع القانون الحالي - الذي يشمل 40 صفحة و247 مادة قانونية - نوقش منذ لحظة وضعه في عام 2002 سبع مرات، ودرسته اللجنة الدائمة لمجلس الشعب الوطني في أكثر من مائة جلسة.
إلا أن قيادة الحزب الحاكم تكبدت في العام الماضي خسارة مريرة: فقد سحبت النص قبل التصويت عليه في مجلس الشعب لمراجعته مرة أخرى. وحتى هذا اليوم يعارض مشروع القانون ممثلون سابقون عن الحكومة، وعلماء، ورجال جيش، وإداريون. ويعتبر المؤيدون للمفهوم الماركسي هذا القانون أنه أكبر فاحشة وقعت فيها الصين. فهم يرون بأن الفجوة بين الفقير والغني قد أخذت تتسع. وفي نظرهم يُعد بيع الحكومة ممتلكاتها إلى موظفين حكوميين مرتشين، وإلى شركات غربية أو إلى الأثرياء من أبناء الشعب أمرا مخالفا للدستور. ورغم كل هذا فإن الطبقة المتوسطة وقطاع الصناعة وكذلك المزارعين يعقدون أمالا كبيرة على هذا القانون الجديد.
وعلى الرغم من أن الخطوة تبدو طموحة جدا إلا أنها في الواقع الخطوة الأولى على طريق طويل، قانون حماية حقوق الملكية الخاصة الذي يعتبر تطبيقه أول عقبة فيه. فالمحاكم في الصين تبقى محاكم مرتشية، ولن يتوقع أبدا - في غير القضايا التمثيلية التي تقوم على أساس التأثير في الناس - أن يحصل مزارع على حقه أمام رجل في الحزب واسع النفوذ. ويخشى المحلل شي من أنه طالما أن الفكر القديم باق على عهده، فستكون سرعة الإصلاح قليلة. بالإضافة إلى ذلك يتحدث نص القانون عما يسمى الملكية الشرعية. فما يمكن تملكه شرعيا بعد خمسة عقود من امتلاك الحكومة له، سيبقى في حالات كثيرة مسألة تقديرية. والأسوأ من هذا بالطبع هي ثغرة حاسمة موضوعة على عمد في نص القانون: لا يحق مستقبلا للمزارعين أن يعيروا أو يبيعوا أراضيهم، وبهذا لا يمكنهم استغلال أراضيهم كقاعدة استثمارية. الجدير بالذكر أن معدل الدخل المتوسط للمزارعين كان لغاية عام 2005 وبصورة متواصلة تحت 25 في المائة من معدل دخل سكان المدينة.