مخاوف من احتمالات ركود اقتصادي أمريكي وشيك
يوشك أن يمر الاقتصاد الأمريكي بتراجع شديد في نهضته، هذا إذا لم يكن ركودا. هذا ما يخشاه في هذه الأثناء العديد من خبراء الاقتصاد القومي والمصرفيون والعاملون في الأسواق في سوق الأسهم العالمية وول ستريت بناء على سلسلة من النتائج الضعيفة عن التطور الاقتصادي ونظرا للأزمة التي تمر بها أجزاء من سوق العقارات في أمريكا. وتثير بالأخص الأعداد المتزايدة من المزادات الإجبارية وقروض الرهن المعدومة, التي منحت لمقترضين لا يتمتعون بأهلية ائتمانية مضمونة تثير نيران التخوف من وقوع تراجع في الاقتصاد الوطني, بيد أن الخوف من الركود لا يكمن لدى الجميع. فالأغلبية العظمى من الخبراء يتوقعون أن يواصل الاقتصاد نموه بسرعة معتدلة. وهم في الوقت نفسه واثقون من أن يقوم بنك الاحتياطي الفيدرالي Fed بتخفيض الفائدة الأساسية على المدى البعيد، لأجل إعطاء النهضة الاقتصادية دفعة جديدة إلى الأمام.
ومن هؤلاء الذين يرون سحابة الركود تحوم فوق الولايات المتحدة ستيفين روش كبير خبراء الاقتصاد القومي لدى بنك الاستثمار مورجان ستانلي الذي يقول إنه لا يوجد مجال للشك أن سوق العقارات الأمريكية تعيش حاليا أزمة ركود حادة. ويضيف أن الخطر يكمن الآن في أن تنتقل عدوى ركود سوق العقارات إلى قطاعات اقتصادية أخرى. ويقول روش: لقد انشغلنا قبل سبعة أعوام بانفجار فقاعة في أسواق قيم الممتلكات.
في ذلك الحين كانت هذه القيم، الأسهم، وفي هذه المرة العقارات. وبهذا الانفجار اختفى دعم مهم للاستهلاك الخاص. ونظرا للتزايد البطيء لدخل الفرد، ولإجراءات التوفير المتواضعة والمديونية العالية للعائلات الأمريكية لا يستبعد وقوع هبوط حاد في الاستهلاك الخاص. ويحذر روش قائلا: وإذا ما تهدمت دعامة الاقتصاد هذه، فمن المحتمل جدا وقوع ركود. وفي نظر الخبير الاقتصادي يتحمّل رئيس الاحتياطي الفيدرالي السابق ألان جرينسبان مسؤولية هذه التطلعات الاقتصادية الجافة.فقد كان جرينسبان قد مهّد الطريق أمام نشوء فقاعة في سوق العقارات من خلال اتباعه سياسة نقدية مرنة أكثر من اللزوم بعد انفجار فقاعة الاقتصاد الأخيرة في أمريكا.
من جانبه لا يرى كبير خبراء الاقتصاد لدى ميريل لونش دافيد روزنبيرج أن الأزمة التي تمر بها سوق العقارات قد ولّت ويرى كذلك أن هناك خطرا من انتقال هذه الأزمة إلى قطاعات اقتصادية أخرى. ويوضح روزنبيرج نظرته فيقول: قد تكون عواقب الأزمات في سوق قروض الرهن لمقترضين مع أهلية ائتمانية متدنية بالنسبة للاقتصاد الكلي محصورة في نطاق ضيق. ولكن مخاوفه تكمن في احتمالية تشديد شروط الاقتراض بالنسبة لقروض الرهن العقاري بصورة عامة. فبسبب هذا يمكن أن يقل الطلب على العقارات لفترة طويلة من الزمان وتخف كذلك فرص انتعاش السوق. وينوه الخبير الاقتصادي إلى أنه من المحتمل جدا أن تنخفض أسعار العقارات خلال هذا العام بنسبة 10 في المائة. ويخشى روزنبيرج من أن يترك هذا أثارا بالغة على النمـو.
العلاقة الاقتصادية بين هذه التطورات تتولد من خلال ما يسمى بـتأثير الممتلكات: تراجع أسعار العقارات يؤدي إلى شعور أصحاب العقارات بأنهم أصبحوا أفقر من ذي قبل ولهذا السبب يتوجهون إلى التوفير في الاستهلاك من أجل خلق توازن. وكانت النهضة الاقتصادية الأمريكية قد استفادت أثناء فترة تصاعد الأسعار بسرعة كبيرة خلال الأعوام الماضية من تأثير ممتلكات في الاتجاه الآخر: نمو الممتلكات دفع الاستهلاك الخاص إلى أعلى. ويقول روزنبيرج إن تأثير الممتلكات السلبي قد يكلف تراجعا في النمو بنسبة 0.5 في المائة تقريبا. ولكن إجمالا لن يتراجع الاقتصاد الأمريكي. فالنمو في هذا العام سيبلغ نحو 1.5 في المائة، أي أقل بكثير من نسبة النمو 3.3 في المائة خلال العام الماضي.
ويقول رئيس خبراء اقتصاد ميريل لونش: هذه التكهنات مبنية على أساس أن بنك الاحتياطي الأمريكي سيقلل نسبة الفائدة الأساسية من 5.25 في المائة في الوقت الحالي إلى 4 في المائة خلال النصف الثاني من العام الحالي. وإذا تم غير ذلك، فسوف ترتفع احتمالية وقوع ركود إلى ما يقارب 100 في المائة.
من جانب آخر يقلل دين ماكي من مجموعة باركليز كابيتال المالية من المخاوف من وقوع ركود مبالغ فيه، فيقول سواء سوق العقارات أو قطاع الصناعات الإنتاجية، كلاهما سوف ينتعش قريبا. وسوق اليد العاملة لا تزال تتمتع بوضع مستقر. وهذا سيدفع إلى زيادة جديدة وسريعة في الأجور وبالتالي في قوة الشراء لدى المستهلكين. وسوف تواصل نسبة البطالة انخفاضها من النسبة الحالية 4.5 في المائة وسوف تصل خلال النصف الثاني إلى 4.3 في المائة. ولهذا السبب لا يزال ماكي متمسكا بنسبة النمو التي يتوقعها, التي تبلغ 2.7 في المائة.