أهلاً.. هاليبيرتون (2 من 2)
مسوغات انتقال هاليبيرتون إلى دبي
هناك ثلاثة مسوغات رئيسة لانتقال الشركة إلى دبي تتركز كلها حول محور واحد وهو أن صناعة النفط عالمية بكل ما تحمله الكلمة من معنى: فعمليات الشركة عالمية، وموظفو الشركة وعمالها من شتى أنحاء العالم، ويتم تمويل الشركة من رؤوس المال العالمية. هذه الأمور الثلاثة تتطلب وجود الشركة في مدينة عالمية توفر لها موقعاً استراتيجياً لأعمالها، وجوا مناسبا لعمالة متعددة الأعراق والجنسيات، وبيئة مناسبة للتمويل. هذه الشروط لا تتوافر في أي مدينة سوى دبي.
1- الموقع الاستراتيجي
تشير التوقعات كافة، بما في ذلك توقعات وكالة الطاقة الدولية ووزارة الطاقة الأمريكية وشركة النفط البريطانية، وشركة IHS الاستشارية إلى أن أغلب احتياطيات النفط المتبقية في العالم، والتي يمكن إنتاجها بسهولة مقارنة باستخراج النفط من مناطق أخرى في العالم، موجودة في منطقة الخليج. كما تشير البيانات إلى أن شركات النفط الوطنية تسيطر على نحو 77 في المائة من احتياطيات النفط العالمية، وكبرى هذه الشركات موجودة في منطقة الخليج. لذلك فإن انتقال هاليبيرتون إلى دبي ما هو إلا خطوة استراتيجية لتعزيز موقع الشركة التنافسي، خاصة أن منافستها، شلومبرجيه الفرنسية، قد عززت من موقعها في الخليج بشكل كبير، وافتتحت مركزي أبحاث في المنطقة. إن مستقبل الشركة مرهون بمدى توسيع خدماتها، وكل البيانات تشير إلى أن أغلب التوسع سيكون في منطقة الخليج.
2- توافر العمالة العالمية وحرية الحركة
من أهم خصائص صناعة النفط أنها عالمية بطبيعتها، وتعزز هذا الاتجاه مع توسع موجة العولمة خلال 15 سنة الأخيرة. إن من أهم المشاكل التي تعاني منها صناعة النفط، خاصة الأمريكية منها، هو انخفاض أعداد العمال المهرة وعدم توافر الموارد البشرية المؤهلة. فكل البيانات تشير إلى عجز كبير، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع الأجور في السنوات الأخيرة. ورغم ارتفاع عدد الطلاب في أقسام هندسة النفط والجيولوجيا في العامين الأخيرين، إلا أنه يتوقع استمرار العجز، خاصة في الولايات المتحدة، خلال العقود القادمة. هذا العجز في العمالة الماهرة سيجعل شركات النفط العالمية، خاصة الأمريكية منها، تتنافس في الحصول على العمالة الماهرة من شتى أنحاء العالم. في ظل هذا الجو التنافسي، ستكون الشركات الأمريكية هي الخاسرة بسبب قوانين الإرهاب وقوانين الهجرة التي سنتها الولايات المتحدة بعد حادثة أيلول (سبتمر) 11. هذه القوانين لن تحد فقط من استقدام العمالة الماهرة، ولكنها تحد أيضاً من قدرة الشركة على تحريك موظفيها من موقع إلى آخر، ومن دولة إلى أخرى.
مرة أخرى، خسر الإعلام العربي فرصة ذهبية للتركيز على تناقض السياسات الأمريكية والتكاليف العالية التي يدفعها الشعب الأمريكي ثمناً لهذه السياسات. إن من أحد أهم ميزات دبي أنها تستطيع جلب العمالة الماهرة والخبراء من أنحاء العالم كافة، كما تستطيع الشركات تحريك عمالها وخبرائها بسهولة. يعود ذلك إلى سهولة الدخول والخروج من دبي، ووجود مطار دولي تتم توسعته حالياً ليصبح أحد أكبر المطارات في العالم، ووجود البوابات الإلكترونية في المطار.
3- توافر رأس المال
قامت العديد من بيوت المال العالمية بافتتاح فروع لها في دبي منذ سنوات طويلة، والتي قامت بتوسيع عملياتها بشكل كبير في السنوات الأخيرة. هذا التوسع سيسهل عمليات تمويل المشاريع المختلفة في المنطقة، وسيمكن هاليبيرتون من الاستفادة من هذه البنوك. الأهم من ذلك كله هو أن الشركة ستدرج في أحد أسواق الأسهم الخليجية، ويرجح أنها ستدرج في سوق دبي. إدراج الشركة في إحدى الأسواق الخليجية سيمكنها من تشغيل رأس المال "المحصور" في المنقطة بسبب الخوف من الاستثمار في الغرب بعد حادثة 11 أيلول (سبتمبر). يتفق كثير من الخبراء على أن أحد أسباب طفرة سوق الأسهم وارتفاع الأسعار فوق معدلها الطبيعي هو وجود أموال ضخمة تلاحق عدداً قليلاً من الأسهم. لذلك فإن إدراج شركات أجنبية مثل أسهم هاليبيرتون في الأسواق الخليجية سيسهم في التقليل من الذبذبة في هذه الأسواق، وسيخفف من السيولة الفائضة، كما أنه سيوفر فرص استثمار حقيقية.. في القطاع النفطي!
الخلاصة
إن العالم العربي بحاجة ماسة إلى هذا النوع من الدبلوماسية الصامتة التي اتبعتها دبي والمتمثلة في جذب كبرى الشركات الأمريكية إليها مثل هاليبيرتون، بما في ذلك الشركات التي قررت توسيع عملياتها بشكل كبير في المنطقة مثل "مايكروسوفت" و"جونسون آند جونسون". رغم أن هذه العلاقة مبنية على مصالح اقتصادية متبادلة، إلا أن لها انعكاسات سياسية مهمة من وجهة النظر العربية، خاصة أنها تجعل الأمريكيين يحتكون مع العرب وجها لوجه، وبشكل يومي. مهما كان تاريخ الشركة فإن الحل هو التعامل معها وليس معاداتها. إن وجود الشركات في العالم العربي سيسهم في التأثير فيها، ولكن معاداتها ستجعل "الآخرين" يؤثرون فيها.. لذلك.. أهلاً هاليبيرتون.