من يكتب النص الجديد؟
من يكتب النص الجديد؟
للشعر حضوره المتجدد وأدواته التي تختلف باختلاف الزمن وتغير معطياته، وعملية كتلك تحدث ضمن الإطار الفني دون أن تضطر القصيدة للتنازل عن الحد الأدنى من معاييرها الأدبية، وهذا مهم بلا شك ولكن الأهم في نظري هو أنها تأخذ تلك المعايير إلى "حدود أعلى" مع مرور الوقت، فتعيد تقديمها بما يتواءم مع مرحلة جديدة أصبح الشعر فيها أكثر إدراكا وتنوعا، أكثر جذبا على مستوى اللغة والصورة والمعنى، وبالتالي يمكننا فهم النص الجديد على أنه "انقلاب" فني لا يخرج بالضرورة عن سلطة الشكل ولكنه في المقابل ينسف تقليدية المضمون ويعيد صياغته وتكوينه بمفهوم جديد له خصوصيته ومفرداته ودولته الجمالية المستقلة وعاصمتها "الشعر"!
ومن هنا لا بد أن نحسب للقصيدة الحديثة أنها جاءت بنقلات نوعية ولا سيما على مستوى الصورة والطرح متجاوزة بذلك المشاهد التي اجترها كثير من الشعراء على مدى فترة طويلة من النظم الذي لا ينتمي إلى روح الشعر بقدر ما يتلبس قوالبه البنيوية على نحو سلبي لا يؤثر من داخله ولا يتأثر بما حوله!
وبنظرة سريعة إلى مشهد الشعر المحكي سنجد أن ملامح التجديد كانت حاضرة منذ زمن في قصائد الأمير بدر بن عبد المحسن التي بقيت تراهن على مستقبل جديد لقراءة الشعر وفهمه، وهذا ما تحقق فيما بعد مرورا بمرحلة فهد عافت وصالح الشادي ومسفر الدوسري وليس انتهاءً بظهور جيل كامل من الأسماء الشابة التي اتفقت جميعها في كتابتها نصا مختلفا!!
لقد نجحت حداثة الشعر المحكي في تقديم منتج نوعي بأسلوب وأدوات مختلفة، حتى أخرجت الصورة التقليدية للقصيدة عن برواز الفهم التراثي الذي بقي مرتبطا بها على مستوى التلقي، لتنطلق الآن باتجاه عوالم إبداعية أبعد عن نمطية الطرح، أقرب إلى الشعر بمعناه الأوسع.
لا شك في أهمية الأصالة كهوية حضارية وانتماء بيئي، غير أنها لا تشكل تضادا مع الاتجاهات الجديدة للحياة بقدر ما هي تمثل حافزا لانطلاقنا نحوها، كما أن مسألة احتفاظ الأدب المحكي بالتراث الشعبي لا تعني أن تكون حكما مطلقا يلغي جانب الإبداع الجديد الذي يتسق مع لغة العصر، ويقدم منجزا أدبيا ذا قيمة ثقافية وبمعايير جمالية عالية.
أخيرا وبمنتهى الحيادية.. ونحن في زمن شاعر المليون وثقافة "قصيدتك جزلة" و"صوتوا لابن قبيلتكم"، وبينما الساحة الشعبية مزدحمة بما لا يشبه الشعر. يمكنني أن أؤكد أن القلة هم من أدركوا حقيقة الشعر بمفهومه الجديد!!