دول شمال أوروبا لا تنظر للطفل كونه مجرد عبء اقتصادي واجتماعي
أنت في الدنمارك... تسمع كلمة ( مواه ) في كل مكان...
فالدنمارك تعج بالأطفال.. تشاهدهم في كل متر في ممرات المشاة محمولين على الأذرع ، أو في عربات الأطفال أو بين أحضان أمهاتهم وعلى ناصية كل شارع تسمع الأصوات المعتادة المنطلقة من دور الحضانة أو رياض الأطفال ، كخليط من الصيحات والضحكات التي لا يضيق بها أحد من الناس.
إن إنجاب الأطفال يعتبر في الدنمارك وبلدان شمال أوروبا الأخرى- السويد والنرويج وفنلندا أمرا مرغوبا فيه فهم ينظرون للأطفال على أنهم مكسب وجزء من سعادة الحياة الدنيا على عكس دول أوروبية أخرى لا تنظر إليهم إلا من منظار التكلفة والأعباء الاقتصادية والاجتماعية. في دول شمال أوروبا تلك تجد في كل مطعم وفندق مقاعد مخصصة للأطفال وهو أمر بديهي تماما. ولا يبدي أحد انزعاجه من بكاء الأطفال. كما أن أماكن العمل تعير أمهات الأطفال اهتماما خاصا. فإذا مرض طفل من الأطفال فإن صاحب العمل يتقبل بكل هدوء غياب الوالدين كأمر عادي حتى ولو كان في ذلك تجاوز لقوانين العمل.
إن الإحصائيات تؤكد ما يحدث في الحياة اليومية. ففي الوقت الذي يبلغ فيه معدل الولادات لكل امرأة في بولندا أو تشيكيا 1.2 وفي ألمانيا 1.4 يبلغ هذا المعدل 1.8 في الدنمارك وكذلك في فنلندا والنرويج. أما في السويد فيتراجع المعدل قليلا إلى 1.7. في حقبة الستينيات هبطت معدلات المواليد في الدنمارك إلى 1.4ولكن منذ أواسط الثمانينيات عاد معدل المواليد للارتفاع من جديد. أما ما أسباب ذلك فهو موضوع خلاف بين علماء السكان وإن كان ثمة إجماع بأن قرار الاكتفاء بطفل واحد هو قرار تتخذه المرأة بشكل خاص. ومما لا شك فيه أن هذا القرار يتأثر أيضا بالتوقعات الاقتصادية المستقبلية والدعم الذي تقدمه الدولة. وبفضل توافر شبكة واسعة من دور الحضانة ورياض الأطفال تستطيع الأمهات الاستمرار في وظائفهن. ومن الجدير بالذكر أن نحو 80 في المائة من النساء القادرات على العمل يمارسن أعمالهن المهنية. وقد أصبح من المعتاد في إدارة الشؤون المالية أن تكون بحاجة إلى راتبين ، يكرس أحدهما لدفع ثمن البيت. بينما أصبح من غير المعتاد وجود ربات بيوت فقط.
إن شبكات رعاية الأطفال التي ترفع الأعباء عن كواهل الوالدين متوافرة على نطاق واسع. فهناك 560 ألف طفل في 6900 دار حضانة وروضة أطفال نهارية يضاف إليها 65 ألف دار للرعاية الأسرية ودور حضانة للأطفال الصغار. وبالتالي فإن جميع الأطفال يلقون الرعاية بشكل أو بآخر ومن اللافت أن 60 في المائة من الأطفال ما فوق سن السنتين ملتحقون بدور للحضانة ، ولعل هذا يعكس قرار الأمهات بأن يقمن بأنفسهن برعاية أطفالهن في السنة الأولى بعد الولادة.
أما الأطفال الذين تراوح أعمارهم بين ثلاث وخمس سنوات فإن 90 في المائة منهم يلتحقون بدور خاصة لرعاية الأطفال. وكذلك الأطفال الذين تبلغ أعمارهم ست سنوات - وهي سن ما قبل دخول المدرسة - إلى سن تسع سنوات يلقى 80 في المائة منهم الرعاية اللازمة كما أن أكثر من 30 في المائة من الفئة العمرية 10 إلى 13 سنة يلتحقون أيضا بإحدى دور الرعاية النهارية. وفي دور الحضانة يبلغ نصيب المربي أو المربية أربعة أطفال فقط ، بينما تبلغ هذه النسبة سبعة إلى واحد في رياض الأطفال ، وتسعة إلى واحد للفئة الأكبر عمرا.
هذا وقد أنفقت السلطات المحلية عام 2005 نحو 26.5 مليار كورونة دنماركي (أي نحو 3.6 مليار يورو) على هذا النظام لرعاية الأطفال, أما مساهمة الآباء المالية في تكاليف منظومة دور الحضانة ورياض الأطفال فلا تزيد على 25 في المائة كحد أقصى منذ عام 2006. ومع ذلك فإن هذه التكاليف تشكل عبئا ثقيلا بالنسبة لذوي الدخل المحدود والأمهات الوحيدات. ومما يجدر ذكره أن تكاليف رياض الأطفال في الدنمارك تفوق كثيرا مثيلاتها في السويد. ولهذا السبب وفي ضوء انخفاض الإيجارات في السويد فإن كثيرا من سكان كوبنهاجن ينقلون مكان إقامتهم إلى مدينة مالمو السويدية.
من المعروف أن في السويد كما في الدنمارك دعما ماليا واسعا للآباء، فهناك تأمين للآباء، وعلاوة للأبناء والكثير للأسر كثيرة الأبناء. إن تأمين الآباء يجعل من الممكن حصول المعنيين على (إجازة لرعاية الطفل) لمدة تصل إلى 480 يوما. فهناك 60 يوما إجازة مرصودة لكل من الأب والأم ، أما بقية الأيام فبوسع الأب والأم أن يوزعاها فيما بينهما كما يشاءان. ولمدة 390 يوما يحصلان على 80 في المائة من دخلهما الأسري السابق. أما الآباء من ذوي الدخول المتدنية أو الذين لا دخل لديهم فيحصلون من الدولة على 180 كورونة يوميا. ولمدة تسعين يوما إضافية يستطيع الوالدان إذا شاءا أن يلزما منزلهما فيحصلان على مساعدة قدرها 60 كورونة يوميا. وعند ولادة الطفل يستحق الأب أيضا إجازة مدفوعة الأجر مدتها عشرة أيام ، ويقدر أن الآباء الذين يستفيدون من هذا النظام تبلغ نسبتهم 80 في المائة. وفي السويد يحصل كل طفل من الأطفال على علاوة قدرها 1050 كورونة شهريا ( أي ما يعادل 113 يورو ). أما التي لها طفلان أو أكثر فتحصل على إعانات أخرى إضافية ، حيث باستطاعتها أن تطلب دعما ماليا لدفع أجرة السكن كما توجد هناك إعانات خاصة إضافية للمرضى والمقعدين.
إن شبكة الرعاية المتوافرة في السويد تشابه تلك المتوافرة في الدنمارك حيث يلتحق 83 في المائة من الأطفال الذين تراوح أعمارهم بين سنة وخمس سنوات في دور رعاية ما قبل الالتحاق بالمدرسة وهو ما يشمل 403 آلاف طفل، يتولى رعايتهم 87 ألف مرب ومشرف. وتنعكس هذه الرعاية الجيدة إيجابيا على سوق العمل، حيث تشير بيانات سلطة الإحصاء في الاتحاد الأوروبي لعام 2005 إلى أن 70 في المائة من النساء السويديات اللواتي تراوح أعمارهن بين 15 و64 سنة يعملن في مجالات مختلفة من النشاط الاقتصادي، بينما لا تزيد هذه النسبة في ألمانيا على 60 في المائة. ولكن النساء السويديات في الغالب يقلصن ساعات عملهن بعد الإنجاب. وفقط في مرحلة متأخرة عندما يكبر الأبناء تعود الأمهات إلى أعمالهن بكامل طاقاتهن.