الجائلون.. ‏اقتصاد سرِّي يحترف أرصفة القاهرة ويدير 20 مليار جنيه

الجائلون.. ‏اقتصاد سرِّي يحترف أرصفة القاهرة ويدير 20 مليار جنيه

على أرصفة شوارع وميادين مدينة القاهرة يندرج نشاط الباعة الجائلين في قائمة أنشطة الاقتصاد غير الرسمية ولا يوجد لها تصنيف في منظمة العمل الدولية ورغم هذا فهو نشاط اقتصادي مؤثر لأنه يولد فرصا للعمالة ولزيادة الدخل وتقديم خدمات مهمة ومطلوبة ويوفر احتياجات للمواطن العادي بأسعار مناسبة وتنشيط سوق الاستهلاك لتحريك الركود‏.‏
أما الوجه الآخر للظاهرة يتحدد في انعدام الرقابة على جودة السلع والتشجيع علي التهريب والتهرب من الضرائب وإعاقة حركة المرور وإهدار حق المشاة والأضرار بأصحاب المحلات وما يزيد الأمر سوءا انخراط بعض الخارجين عن القانون والبلطجية ضمن الباعة الجائلين ورغم هذا القبح في الظاهرة إلا أن الحاجة تدعو إلى الحد من السلبيات إلى ضرورة تقنينها كحل سريع للبطالة وتنشيط صناعات صغيرة تعتمد عليها‏.‏
تجارة الرصيف التي تعد جزءا من الاقتصاد السري أو التجارة العشوائية في السوق المصرية يقدرها بعض الاقتصاديون بنحو 20 مليار جنيه في السنة، وأن حجم صناعة ما يطلق عليها صناعة "بئر السلم" وصل إلى 70 مليار جنيه.
ورغم أن تجارة الرصيف بيزنس يمارسه أصحابه تحت سمع وبصر الأجهزة كافة ويتعامل مع آلاف المواطنين في شوارع القاهرة كافة على مدار الساعة، إلا أن أسرار هذا البيزنس لا يعلمه الكثيرون فهذه الأسرار تشكل عالما خفيا له قوانينه ورموزه وآلياته ذلك لأن تجارة الرصيف لا تمثل أحد أبرز أوجه الاقتصاد السري في مصر فحسب بل تكون الوجه الحقيقي للعشوائية الاقتصادية التي تعمل خارج الأطر الرسمية كافة‏.‏
في دراسة ميدانية للمركز القومي للبحوث الجنائية عن كيفية انضمام الأفراد إلى عالم تجارة الرصيف تبين أن ‏10.5 في المائة‏ من الباعة يتعرفون على هذا العالم من خلال زملاء لهم و‏16.9 في المائة‏ بلديات و‏6.7 في المائة‏ يدخل السوق عن طريق رئيس السوق و‏2.6 في المائة‏ عن طريق أحد خفراء السوق.
وأوضحت الدراسة أن الأسلوب الغالب في عرض سلع الباعة في الأسواق هو وضعها علي عربات يد بنسبه‏71.5 في المائة‏ ويليه عرض السلعة على الأرض أو في أقفاص وما يشبها ‏22.9 في المائة‏ ويتمكن قلة من عرض سلعهم في أماكن ثابتة تتخذ عادة شكل الأكشاك بنسبه‏5.6 في المائة.‏
ثبت أن ‏41.2 في المائة‏ من الباعة يدفعون إيجارا يوميا مقابل عرض سلعهم علي عربات اليد داخل السوق كما أظهرت نتائج البحث أن ‏38.6 في المائة‏ من الباعة يدفعون إيجارا يوميا نظير عرض سلعهم في أماكن محددة. وتتعدد الأساليب التي يتبعها الباعة لجلب سلعهم من مصادرها المختلفة، ويحكم التعامل في كل منها قواعد يلتزم بها المتعاملون حيث أوضحت الدراسة أن السلع يتم جلبها بأساليب عدة منها سوق الجملة بنسبه‏65.5 في المائة‏ أو من أحد التجار المتخصصين بنسبة ‏16.5 في المائة‏ وحائزي الأراضي الزراعية بنسبه‏4.9 في المائة‏ والمصانع ‏2.6 في المائة‏ وتجار محافظات أخرى ‏1.1 في المائة‏. والملاحظ أن الأسلوب الغالب لجلب السلع هو الشراء من سوق الجملة وأهم الأسواق التي يجلب منها الباعة بضائعهم سوق روض الفرج للخضراوات والفاكهة وسوق غمرة لشراء الأسماك وأن‏12.7 في المائة‏ من الباعة يستعينون بالسماسرة لشراء السلع، كما أفادت الدراسة أن ‏97.4 في المائة‏ من الباعة الجائلين يتحملون نفقات نقل البضاعة ولم يذكر سوى خمسة بائعين بنسبه ‏1.9 في المائة‏ أن تاجر الجملة يتحمل تلك النفقات‏.‏
وحول أساليب سداد ثمن البضاعة قالت الدراسة إن ‏36 في المائة‏ يقومون بالدفع الفوري والغالبية ‏52.1 في المائة‏ يدفعون بالأجل و‏11.6 في المائة‏ يدفعون العربون فورا ثم يسددون قيمة السلع بعد بيعها و‏63.7 في المائة‏ يعتمدون على تاجر الجملة لتمويل تجارتهم هذا الوضع يتيح لتاجر الجملة فرض الشروط التي يرغبها‏.‏
وتشير الدراسة إلى أن الباعة الجائلين يتعرضون للبطالة في فترات معينة في السنة ويمثل هولاء‏14.6 في المائة‏ ويضاف إلى الأسباب التي تؤدي إلى انقطاع البيع وعدم انتظامه عامل آخر يتعلق بتذبذب الطلب علي السلع فقد أفاد ‏16.4 في المائة‏ من الباعة الجائلين أن الطلب علي سلعهم يقل في بعض الفترات وذكر‏69.3 في المائة‏ منهم أن الطلب على السلع يزيد في فترات أهمها المناسبات والأعياد والمواسم الأخرى‏.
صعوبات ومخاطرة
وفي جوله ميدانية لـ "الاقتصادية" وجد أن البيع والشراء في أسواق الرصيف ليست عملية يسيرة بل يعتريها صعوبات تزيد من ثقل المشكلات والمخاطر التي يتعرض لها الباعة. يؤكد أشرف عبد الغفار ـ بائع فاكهة أنه يشتري بضاعته من تاجر الجملة حيث يلجأ بعض تجار الجملة إلى أساليب ملتوية لاستغلال الباعة مثل فرض مقابل مشال وتدني أساليب البعض إلى حد الغش في الميزان أو وضع نوعية اقل جودة أو تالفة في قاع أقفاص الفاكهة ويتحمل الباعة هذا لحرصهم على علاقاتهم بالتجار حتى لا يستبعد من دائرة التعامل‏.‏
في حين أوضح طنطاوي السيد ـ بائع فاكهة أنه يقوم بالاتفاق مع زملائه على الشراء مباشرة من الموزعين تجنبا للتعامل مع تجار الجملة، غير أن هذا الأسلوب يتطلب القدرة على الدفع الفوري وهو ما لا يستطيعه الغالبية من الباعة كما يتطلب ذلك أيضا ضرورة اتفاق الباعة على نفقات الشراء والنقل ثم اقتسام التكلفة بينهم وهو مالا يباح دائما، كما قد يلجأ تجار الجملة إلى احتكار السلعة وذلك بشراء إنتاج المحصول وبذلك يستطيع هولاء التحكم في السعر‏.‏
ويقول عبد الرؤوف خليل بائع برفانات إنه يشتري عددا من الزجاجات من تاجر الجملة بسعر جنيهين ويبيع الواحدة بخمسة جنيهات ويجد إقبالا كبيرا من الزبائن‏.‏
ويوضح احمد عزت بائع احذية أنه يبيع أفضل حذاء بـ‏25‏ جنيها وأن هذا السعر لا يوجد له مثيل في المحلات الكبيرة، موضحا أن بعض الزبائن يخشى شراء هذه الأحذية لكن هناك الكثير ممن يريد التوفير أو لديه أولاد كثيرون لذلك يشتري هذه الأحذية الرخيصة‏.‏

الأكثر قراءة