"المركزي الأوروبي" يقود حملة ضد حرب الأسعار

"المركزي الأوروبي" يقود حملة ضد حرب الأسعار

كان هذا بالفعل خبرا غير سار، فقد أعلن مكتب الإحصاءات الاتحادي في ألمانيا ( ومقره مدينة فيزبادن ) ما كان يراود خاطر بعض المواطنين منذ فترة من الزمن وهو أن متوسط الأجور والرواتب في ألمانيا قد نما في السنة الماضية بوتيرة أبطأ من معدل ارتفاع التضخم. ففي الوقت الذي ازدادت فيه الرواتب بنسبة 1.2 في المائة والأجور بنسبة 1.5 في المائة ارتفعت أسعار المستهلك، وفقا لحسابات الإحصائيين، بنسبة 1.7 في المائة وهو الأمر الذي يؤشر سلبا مقارنة بعام 2005.
ولكن ما الذي يختفي حقيقة خلف التضخم ؟ ولماذا يعتبر التضخم شرا مستطيرا يعمل حماة النقد في البنك المركزي الأوروبي بكل طاقاتهم على محاربته، بنجاح حتى الآن ؟ إن من المهم لاستيعاب الصورة بداية معرفة أن القيمة التبادلية لسلعة ما في اقتصاد نقدي كاقتصادنا، يجري التعبير عنها بالسعر المتمثل بالوحدات النقدية. وهذا المعيار ينطبق عند شراء زجاجة من اللبن كما ينطبق عند شراء تذكرة سفر بالقطار و بالمثل عند دفع أجرة ساعة عمل لميكانيكي سيارات.
إن النقود، كوسيلة دفع، تبسط عمليات التبادل، بل تجعل هذه العمليات ممكنة أصلا. فقبل ظهور النقود كان البحث عن شركاء للتبادل أو ما كان يعرف بالمقايضة ضربا من ضروب المشقة، حيث كان الحداد مثلا إذا شاء أن يقتني رأسا من الماشية، أن يعثر أولا على مزارع يرغب في إتمام عملية التبادل على أساس أن يكون المقابل الذي يحصل عليه هو الخدمة التي يقدمها الحداد.
إن وظيفة النقود كوسيط في التبادل تقود بالضرورة إلى قضية قيمة النقود. فما هو حجم السلع أو الخدمات التي يمكن للمرء أن يحصل عليه لقاء كمية معينة من النقود؟ إن من الواضح بالطبع أن باستطاعة المرء أن يحصل على كمية أكبر من المشتريات بكم معين من النقود كلما انخفضت أسعار السلع المعنية. وهذا يصح أيضا في الاتجاه المعاكس. إن الناس لا يشترون في العادة سلعة واحدة فقط، وإنما مجموعة من السلع والخدمات، فهم يشترون خبزا وحليبا وزبدا وجوارب وقمصان وأجهزة كهربائية، ومن بين الخدمات التي يحتاجها المرء أيضا في حياته ترتيب رحلة سياحية في مكان ذي طبيعة خلابة تنسي الإنسان همومه ومشاكله. ولتحديد ما يطلق عليه القوة الشرائية للنقود يجب الاستناد إلى قاعدة متوسط أسعار السلع التي تشترى، فإذا بقي متوسط الأسعار ثابتا على ما هو عليه عبر الزمن فسيعني ذلك أن القوة الشرائية للنقود أيضا لم تتغير. ولكن هذا لا يعني أن جميع أسعار السلع المختلفة قد بقيت خلال الفترة المعينة مستقرة ، حيث من الممكن أن تكون أسعار الحليب والجبن قد ارتفعت بينما تكون أسعار تذاكر دور السينما وأسعار أجهزة طالدي في دي" انخفضت. ولهذا فإن المطالبة بثبات مستوى الأسعار لا يعني المطالبة بثبات أسعار جميع السلع، بل إن تغير الأسعار في اقتصاد السوق، كما هو الحال في ألمانيا، يمثل مؤشرا يجري الاسترشاد به في اتخاذ القرارات الإنتاجية بما ينسجم ورغبات المستهلكين التي هي عرضة للتغير.
ولقياس التغيرات في القوة الشرائية يستخدم مكتب الإحصاءات الاتحادي في ألمانيا وكذلك البنك المركزي الأوروبي أيضا عددا من المؤشرات والأرقام القياسية لأسعار المستهلك ولكن هنا تبرز سلسلة من الصعوبات فمثلا من الصعب إحصائيا قياس التغيرات، إذا حدثت، في نوعية السلع. ويضاف إلى ذلك أن أنواعا جديدة من السلع تدخل إلى الأسواق بصورة مستمرة في الوقت الذي تختفي فيه من هذه الأسواق سلع قديمة وربما لا توجد في ألمانيا أو في الفضاء الأوروبي بأسره أسرة واحدة تطابق عاداتها الاستهلاكية مطابقة تامة لسلة السلع المعتمدة من قبل الإحصائيين.
ومع أن الاقتصاديين منشغلون بظاهرة التضخم منذ زمن طويل فلم يتم التوافق حتى الآن على تعريف موحد لهذا المصطلح. وإن كان الأكثر قبولا هو أن التضخم يعني ارتفاعا مستمرا في مستوى الأسعار في الاقتصاد المعني وبالتالي انخفاضا في القوة الشرائية للنقود المتداولة في ذلك الاقتصاد.
ومثل هذا الارتفاع في مستوى الأسعار هو من حيث المبدأ ناتج عن اختلال التوازن بين العرض والطلب. ويحدث التضخم عادة عندما تصبح كمية النقود المتداولة أكبر من كمية السلع المعروضة في الأسواق.
ولعل من أبرز النظريات لتفسير التضخم النظرية الكمية التي يفسرها الاقتصادي أوتمار إيسينج، الذي كان كبير الاقتصاديين في البنك المركزي الأوروبي حتى العام الماضي كما يلي: " إن التضخم هو عبارة عن التعبير عن النتيجة الحتمية لزيادة عرض النقد مقابل الوحدات المنتجة ". ومن ثم يمكن القول إن التضخم ليس سوى ظاهرة نقدية. أي أن التضخم لا يحدث إلا عندما تكون كمية النقد المتداول أكبر من كمية السلع المتاحة. ولما كان الأمر كذلك فإن البنك المركزي الأوروبي يتابع باهتمام بالغ تطور كميات النقد المتداولة في الفضاء الأوروبي ويقدر في ضوء ذلك الأخطار التي يتعرض لها استقرار الأسعار.
وللتضخم آثار سلبية متعددة على الاقتصاديات الوطنية حيث إن تراجع القوة الشرائية غير المتوقع من قبل المواطنين والمؤسسات في ظل التضخم يفاقم حالة عدم الاطمئنان مما ينعكس سلبا على اتخاذ القرارات الاقتصادية وهذا يؤدي بدوره إلى زيادة مخاطر القرارات الخاطئة المتعلقة بتخصيص الموارد يضاف إلى ذلك أنه يصبح من الصعب الحكم على تغير الأسعار فهل هذا التغير هو مجرد تحرك في البنية النسبية للأسعار أم هو تغير في المستوى العام للأسعار؟ وأخيرا فإن التضخم يؤثر أيضا على المستويات الضريبية المستحقة على المواطنين والمنشآت الاقتصادية ما لم تأخذ السلطات الضريبية الاتجاهات التضخمية بعين الاعتبار وفي الختام فإن البنك المركزي الأوروبي يحسن صنعا بسعيه للمحافظة، ما أمكن، على استقرار الأسعار.

الأكثر قراءة