الرياح تهب لمواجهة الشركات المساهمة الخاصة في بريطانيا
الرياح تهب لمواجهة الشركات المساهمة الخاصة في بريطانيا
بدأت رياح عاتية تهب في الآونة الأخيرة ضد الشركات المساهمة الخاصة في بريطانيا. فقد أعلن إد بولز وزير الدولة في وزارة المالية أن الامتيازات الضريبية التي تتمتع بها الشركات المساهمة سيعاد النظر فيها. ويتوقع أن تتمخض هذه العملية عن الحد من التخفيضات الضريبية على فوائد القروض من رؤوس الأموال الخارجية التي تعتمد عليها الشركات المساهمة الخاصة اعتمادا كبيرا. وقد يؤدي ذلك إلى أن لا يعود من المغري مستقبلا، من الناحية الضريبية، بالنسبة لهذه الشركات، اللجوء للاقتراض من مصادر خارجية كما هو قائم في غالبية الحالات حتى الآن.
ولتوفير رؤوس الأموال من مصادر خارجية تستخدم الشركات المساهمة الخاصة البريطانية خدمات شركات وسيطة هي في الغالب شركات ذات مسؤولية محدودة. ومن المعروف أن هذه الشركات الوسيطة تسهل حصول الشركات التي تشتريها الشركات المساهمة الخاصة على ما تحتاج إليه من قروض. وبمثل هذه الترتيبات تستطيع الشركات أن تحصل على كميات من القروض ما كان لها أن تحصل عليها من البنوك بالطرق التقليدية. كما أن الفوائد على هذه القروض يمكن أن تنزل من الدخل لأغراض حساب مقدار الضريبة المستحقة.
ومع أن قروض الشركات تعتبر قروضا خارجية من الدرجة الثانية إلا أن وزارة المالية البريطانية غالبا ما تنظر إلى هذه القروض ( قروض حملة الأسهم ) على أنها ذات طابع خاص، حيث قال وزير الدولة بولز، في محاضرة له في كلية لندن لإدارة الأعمال إن: "قروض الشركات الخارجية تحل في عمليات تمويل عمليات الاستحواذ محل رؤوس الأموال الذاتية. " وربما استنتجت وزارة المالية البريطانية من ذلك أنه لم يعد مبررا خصم فوائد هذه القروض لأغراض ضريبية لأن ذلك لم يعد يتفق مع المنطلقات الأساسية لفكرة خصم فوائد القروض الخارجية. وبالطبع فإن هذا التوجه يعني بأن بريطانيا تفكر مبدئيا في وضع حدود على خصم الفوائد.
وبغض النظر عن هذا الاندفاع من قبل الخزينة البريطانية فقد أعلنت اللجنة المختصة في وزارة المالية أنها تتوجه لفرض مزيد من الرقابة على قطاع الشركات المساهمة الخاصة.
وفي الوقت الذي يجري فيه التفكير في ألمانيا بإصدار قوانين وإنشاء سلطة للشركات القابضة يعد المركز المالي لمدينة لندن العدة لإصدار مدونة سلوك سيكون الالتزام بها اختياريا في البداية. أما رابطة رأس المال المخاطر البريطانية فقد أعلنت في الأسبوع الماضي عن نيتها في تشكيل فريق عمل لتقديم مشروع مدونة سلوك مع بداية الخريف، يلتزم بموجبها أعضاء الجمعية الموقعون عليها بدرجات أعلى من الشفافية.
وقد أكدت الرابطة في بيان لها أن مدونة السلوك ستأخذ بعين الاعتبار مصالح الشركات الصغيرة والشركات الكبيرة على حد سواء. وسيقوم فريق العمل بالاستئناس بآراء مجموعات المستثمرين، وصناديق التقاعد، والنقابات، وممثلي العمال. وقال رود سيلكريك، رئيس رابطة رأس المال المخاطر، بأن سير الرابطة في هذا الاتجاه كان كرد فعل لتحول هذا القطاع إلى أكبر وأهم أشكال الاستثمار في بريطانيا، كما أن نجاحاته كانت سببا في تزايد الاهتمام المشروع بنشاطات هذا القطاع.
وبعكس ألمانيا فإن ثمة تجاهلا في لندن لضرورة تنظيم أنشطة الشركات القابضة بإصدار قوانين خاصة أو حتى بإنشاء سلطة خاصة. حيث إنه طالما كانت سلطة الرقابة المالية في لندن مسؤولة عن جميع المؤسسات المالية، فلها أيضا سلطة الإشراف على قطاع الشركات المساهمة الخاصة بصورة أوتوماتيكية. ولهذا فإن مدينة لندن تتحفظ في مسألة إصدار قوانين جديدة. وفي هذا السياق، قال سير كالوم مكآرثي، رئيس سلطة الرقابة المالية، في لندن: "إن عالم المال يتغير بسرعة إلى درجة أنه لا يمكن مجاراته حتى بإصدار قوانين جديدة. ولهذا فنحن نكتفي بتطوير مبادئ أفضل لكي يصار إلى التمسك بها. "
ويقع ضمن دائرة هذا المفهوم أن مدينة لندن ينبغي لها، حيثما كان ذلك ممكنا، العمل وفقا لقواعد سلوك اختيارية، كما يحدث، على سبيل المثال، في مجال الإدارة الراشدة للشركات. ويقول ناطق بلسان إحدى الشركات المساهمة البريطانية الكبيرة فضل عدم الإفصاح عن اسمه، بأن لشعار "التزم أو فسر" أثرا أخلاقيا ضاغطا للالتزام بالأنظمة لا ينبغي التقليل من أهميته. ويقول: أما إذا لم نشارك في ذلك ‘ فستثور على الفور أسئلة ثاقبة عن السبب الذي يدفعنا لشق عصا الطاعة، وهو الأمر الذي لا يستطيع أحد أن يتحمله. " وطالما كان الأمر ممكنا فسيظل القطاع المالي في مركز لندن المالي متمسكا بهذا النمط من الإدارة الذاتية.
ويبدو أنه ليس ثمة مصلحة للحكومة البريطانية والبنك المركزي البريطاني وسلطة الرقابة المالية في إرباك عمل قطاع ينمو ويحقق نجاحات باستمرار. وهي، بالإضافة لذلك، تمد يد المساعدة لتدعيم مكانة لندن كأحد المراكز المالية الرئيسية في العالم. ومن المعروف أن لندن تعتبر، بعد نيويورك، كأهم مركز للشركات المساهمة الخاصة في العالم حيث يوجد فيها أكثر من 250 شركة. ولهذا أعربت الحكومة البريطانية عن ترحيبها الحار برد فعل الرابطة الأخير الذي شجع 24 من كبريات الشركات المساهمة الخاصة بالتوقيع على التزام بالتمسك بدرجة أعلى من الشفافية. وبعد رئيس الوزراء توني بلير، أعلن وزير الخزانة البريطاني جوردون براون أيضا عن رعايته لهذا القطاع على الرغم من أن الشركات المساهمة الخاصة كانت قد تعرضت لهجمات قوية من قبل النقابات.
إن مفهوم التنظيم الذاتي يقتضي وضع حد أدنى من المعايير التي ينبغي الالتزام بها من قبل الشركات المساهمة الخاصة غير المدرجة في البورصة. وهناك عدد قليل من المستثمرين مثل ماكواري، و ثري آي، وبعض الصناديق الاستثمارية المدرجة في البورصة ولكنها خاضعة مع ذلك لمبدأ الشفافية. وفي مدونة السلوك سيجري، بالإضافة لذلك، التطرق لضرورة انتهاج المشاريع التي تقف وراءها شركات مساهمة خاصة سياسة إعلامية أفضل، حيث سيتم تحديد حجم وتوقيت الالتزام الإعلامي بشكل يحول دون إلقاء أعباء ثقيلة على كاهل الشركات الصغيرة. وكذلك ستتناول مدونة السلوك الإطار المرجعي الذي سيتم على أساسه تقييم المشروعات من قبل الشركات المساهمة الخاصة بما يتيح درجة عالية من الشفافية.
كما أبدى القطاع تفهما لمصلحة العمال والنقابات المشروعة في الحصول على المعلومات مثلا عندما يتم إغلاق منشأة إنتاجية من المنشآت أو نقلها من موقع إلى موقع آخر أو عندما تتوافر برامج استثمارية واسعة النطاق. وتقول إحدى الشركات القابضة الكبيرة: "لا يوجد ثمة سبب لفرض الإفصاح على قطاع الشركات باستثناء تلك المدرجة في البورصة". إذ إن هناك ما يبرر إلزام الشركات المدرجة في البورصة بالإفصاح لأن ثمة مجموعة كبيرة من صغار المستثمرين الذين يحق لهم التزود بما يكفي من المعلومات. غير أن عددا قليلا من الشركات المساهمة الخاصة هي التي يتوافر فيها ما يكفي من المعلومات.
ومما لا شك فيه أن أحد الامتيازات التي تتمتع بها الشركات المساهمة غير الملزمة بإصدار تقرير سنوي أو حتى تقرير ربعي، هو أنها تستطيع أن تجري عمليات إعادة هيكلة جذرية دون أن تعبأ بردود فعل المستثمرين أو بتقلبات أسعار الأسهم في البورصة. هذا ويحذر ممثل لإحدى الشركات البريطانية في موضوع ذي صلة بأن: "محاولة تبرير مبدأ الإفصاح الإلزامي للرأي العام يمكن أن يؤدي لتقويض هذه الاستراتيجية ولتقليص العوائد التي تعمل الشركات المساهمة الخاصة من أجل تعظيمها".