الأمراض المعدية تعود من جديد .. و"الصحة" ترفع ميزانية المواجهة
الأمراض المعدية تعود من جديد .. و"الصحة" ترفع ميزانية المواجهة
لن تتكلف المزيد من العناء لتكتشف أن الخوف من انتشار الأمراض المعدية قد عاد مجددا إلى الواجهة، ذلك أن أنباء عن موجة وبائية فيروسية يمكن أن تهب على المناطق الجنوبية والغربية من المملكة يتم تداولها حاليا، إنها المناطق التي شهدت سابقا انتشارا مقلقا ومخيفا لهذه الأمراض، التي كان أشهرها حمى الوادي المتصدع، والحمى القلاعية وأخيرا حمى الضنك.
"الجمعية السعودية للأحياء الدقيقة" والعديد من "الأطباء" باتوا يحذرون من عودة هذه الأمراض التي أعلنت منظمة الصحة العالمية أنها تتصدر أسباب الوفيات في العالم بإجمالي 15 ألف حالة وفاة سنويا منها خمسة ملايين حالة لأطفال "أصحاء" دون سن الخامسة في حين يظنها البعض "أمراضا منقرضة".
إن تزايد خطر هذه الأمراض التي غالبا ما تتسلل عبر الأجواء بلا جواز سفر وعبر المنافذ الحدودية من قبل أشخاص يحملون هذه الأمراض يمثل عامل تهديد للأمن الصحي السعودي، ما يحتم التعامل معها بحذر وسط تزايد وتنوع أشكال "التلوث البيئي" الناتج عن تكاثر النفايات والمستنقعات المائية باعتبارها بيئات جاذبة للحشرات وملاذ آمن لـ "متعهد النقل الجوي" الرئيسي للأمراض المعدية وهو "البعوض" الذي يعمل بجدية كلما وجد البيئة مناسبة لذلك ليبدو الأمر في نظر بعض سكان الأحياء المزدحمة في جدة أو بيشة أو جيزان بـ "القنبلة المرضية الموقوتة" التي توشك أن تنفجر في أي لحظة إن لم نستل فتيلها بإتقان للحيلولة دون حدوث كارثة صحية, لا قدر الله.
"الاقتصادية" حاولت تسليط الضوء على بعض جوانب هذه المشكلة للتعرف على أسباب عودة هذه الأمراض من جديد مستطلعة آراء عدد من المواطنين وعدد من مسؤولي الصحة والبلديات للتحقق من وجود المشكلة وحجمها ومدى جاهزية القطاعات الصحية والبلديات للتعامل معها، ومدى توافر اللقاحات والمضادات الحيوية الخاصة بها التي تعد أفضل وسيلة للتعامل مع هذه الأمراض والوقاية منها, إضافة إلى جوانب أخرى للقضية. وإلى التفاصيل:
غياب للصحة والبلدية !
"عبد الله عمير" معلم يعمل في إحدى المحافظات في جنوب المملكة لم يكن يعلم أن الكثير من سكان القرى والبلدات المحيطة به التي شهدت انتشارا واسعا لعدد من الأمراض المعدية في السنوات الأخيرة لديهم عادات سيئة يمكن وصفها بـ "الخطرة"، إلا بعد أن اكتشف وجود ارتباط وثيق بين تلك العادات والعديد من الأمراض المعدية، يقول عبد الله "لقد تعود الناس هنا إلحاق حظائر للحيوانات والمواشي بجوار منازلهم كما أنهم يقومون برمي المخلفات والنفايات حولها متجاهلين الأماكن المخصصة لذلك كما أن كثيرا منهم يقومون بتشخيص أمراضهم بأنفسهم دون اللجوء إلى الطبيب مكتفين بتعاطي "المضادات الحيوية" في حين أن بعضهم قد يكون مصابا بـ "المرض المعدي" دون أن يعلم!!.
ويضيف عبد الله "إنهم يقومون بالتداوي بـ "الأعشاب" رغم التحذيرات التي توجهها وزارة الصحة حول عدم جدوى طب الأعشاب في علاج حالات كثيرة من الأمراض المعدية ولكن دون فائدة".
ويطالب عبد الله بدور أكبر من الأجهزة الصحية من خلال مراكز الرعاية الأولية في المحافظات والقرى فيقول "لابد أن تتولى هذه الأجهزة القيام بجهود توعية صحية متكاملة للمواطنين للحد من انتشار هذه الأمراض".
أين الرش يا بلدية بيشة؟
مواطن آخر هو سعدي الحلافي من محافظة بيشة يقول "هناك غياب من البلدية لمتابعة مثل هذه الحالات وأقصد بالمتابعة الرش المستمر للمستنقعات وأماكن تجمع النفايات والأهم من ذلك هو متابعة المطاعم وعمل فحوصات دورية للعمال الموجودين فيها، والرش في محيط المنازل والتجمعات السكانية والأسواق".
ولا عزاء للصحة!
ومواطن آخر من محافظة بيشة هو زعاب المعاوي يتساءل: أين التواجد الصحي في القرى؟ "لقد أصبح من المهم اليوم أكثر من أي وقت مضى وجود أطباء أكفاء نشطاء يقومون بتوعية المواطنين ويتولون الكشف المبكر عن تلك الأمراض والتعامل معها بالشكل الصحيح وتقديم العلاج المناسب لها وكذلك إبعاد حظائر الحيوانات عن المجمعات السكنية ومنعها".
تجمعات مائية وبرك وسيول..
أما الدكتور عبد الله حسن وهو استشاري صحة عامة وطب مجتمع في أحد مستشفيات جنوب المملكة فيقول: "هناك عادات سيئة بين البعض مثل عدم الاهتمام بالنظافة الشخصية وغسل اليدين قبل وبعد الأكل وهي عادات غالبا ما تكون سببا لتكون الجراثيم ومن ثم نقلها للغير، إضافة إلى عدم الاهتمام بغسل الخضراوات والفواكه والحرص على إلحاق الحظائر الحيوانية بالمساكن وعدم الاهتمام بالنظافة العامة مثل نظافة البيت والميادين العامة" ويؤكد "هذه كلها عادات موجودة وأحذر المواطنين من الاقتراب من التجمعات المائية والسباحة في البرك والسيول".
"صحة بيشة": نعمل لبيئة أفضل
وبينما "يتذمر" عدد من مواطني محافظة بيشة يؤكد مدير الشؤون الصحية هناك حسين الرويلي أن بيشة خالية من الأمراض المعدية وأن إدارته تتخذ الحيطة والحذر وتتابع الحالات المرضية عبر أكثر من ستة وثلاثين مركزا للرعاية الصحية الأولية وتعمل على تلقي البلاغات خلال أربع وعشرين ساعة وترصد الحالات المشتبهة بها وأن "تقريرا يوميا وأسبوعيا وآخر شهري ترفعها صحة بيشة إلى وزارة الصحة" وأن ما يشغلهم في "صحة بيشة" هو تقصي مواقع تكاثر البعوض في المستنقعات والبرك والآبار وعمل تحاليل على المياه والقيام بجولات طبية مستمرة على القرى لأخذ عينات من مياه الآبار والخزانات وتحليلها في الموقع ومتابعة الرش المستمر للمستنقعات المائية التي توجد في بعض القرى، إضافة إلى تنفيذ برامج التطعيم اللازمة للمواطنين، مختتما بالقول "إن جميع اللقاحات متوافرة في بيشة وفي جميع مراكز الرعاية الأولية".
الغامدي: جولاتنا يومية!
أما رئيس بلدية بيشة سعيد الغامدي فيؤكد من جانبه أن البلدية تقوم بجولات مستمرة على المحلات التجارية والبقالات للتأكد من صلاحية المواد الغذائية والنظافة داخل المحلات وكذلك المطاعم حيث يتم متابعتها بشكل يومي والتأكد من نظافتها ونظافة العمال وارتدائهم الملابس الصحية، وأن هناك فرقا تقوم بالتنظيف اليومي في الأسواق والميادين وأنه لا يتم إصدار أي رخصة محل حتى يتم إحضار شهادة صحية للعامل الذي يباشر العمل في المحل والتأكد من خلوه من الأمراض المعدية يقول الغامدي "العمل في البلدية مستمر طوال العام بل في كل يوم صباحا ومساء وخلال العطل الأسبوعية وعطل الأعياد وذلك من خلال المسؤولية الملقاة علينا لنظافة الميادين والأسواق والشوارع ونقل النفايات إلى مكانها المخصص وكذلك المراقبة الصحية على المحلات التجارية والأسواق والمطاعم والمسالخ للتأكد من نظافتها ونظافة ما تقدمه للاستهلاك الآدمي.
مكة يخشى عليها من جميع الأمراض!
وما بين أحاديث المواطنين في جنوب المملكة ومحافظة بيشة بالتحديد والتي جاءت مخالفة لما ينقله مسؤولو الصحة والبلدية هناك, يقر الدكتور ياسر الغامدي مدير عام الشؤون الصحية في منطقة مكة المكرمة والتي تستقبل سنويا ملايين الحجاج والمعتمرين الوافدين عبر المنافذ البرية والبحرية والجوية لأداء مناسك الحج والعمرة وشهدت مواجهات حاسمة مع موجات "حمى الضنك" الوبائية بأن "المنطقة يخشى عليها من جميع الأمراض التي تنقل عن طريق البعوض مثل الملاريا والضنك وحمى الوادي المتصدع" مرجعا ذلك إلى كون بيئة "الناقل" وهو البعوض متوافرة، مضيفا "إننا نبذل الجهد ونشدد الرقابة على المنافذ ونتابع ما يصدر عن منظمة الصحة العالمية لتلافي حدوث أي أمراض معدية سواء كحالات متفرقة أو حالات وبائية" و"يؤكد" أن منطقة مكة لم تسجل منذ عدة سنوات أي حالات إصابة بحمى الوادي المتصدع "وقد تمت السيطرة على معظم الأمراض المتفشية مثل حمى الضنك ونقوم حاليا بإجراءات احترازية.
في جدة خبير سنغافوري!!
أما مدير ما يعرف بإدارة "المكافحة الحشرية" في أمانة جدة الدكتور عبد الغفار أزهري فيقول: لقد استعانت "أمانة جدة" بخبير سنغافوري من وكالة البيئة السنغافورية وذلك لتدريب العاملين في الشركات المتعاقدة مع الأمانة والتي تقوم بمكافحة مرض حمى الضنك حيث يقوم الخبير بجولات ميدانية مع المراقبين وتركيب أكثر من 2700 مصيدة بيض مضيفا "لدينا حملة رش للمكافحة المنزلية للقضاء على حمى الضنك تستهدف نصف مليون منزل تستمر لمدة ستة أشهر".
ويجري العمل على برامج تستهدف المباني تحت الإنشاء والحدائق ومصانع البلوك وتشليح السيارات، إضافة إلى الرش الفراغي "الروتيني" للمستنقعات والسيول إضافة إلى محيط المدارس والمساجد.
"جدري الماء" مرض معد بلا "حصانة"
مرض الجديري المائي من الأمراض المعدية التي نظر إليها البعض في أحيان كثيرة بأنها "منقرضة" بينما لا تزال موجودة في المملكة منذ زمن بعيد، يوضح الدكتور أمين مشخص مدير إدارة الأمراض المعدية في وزارة الصحة أن "برنامج التحصين ضد هذا المرض قد تأخر لوجود بعض الأولويات في الأمراض التي يتم التحصين ضدها حيث تم إدخال بعض الأمراض لثبوت خطرها والآن يتم إدخال البقية ومنها الجديري المائي".
"جيوب للملاريا" في المملكة!!
أوضح الدكتور سليمان الصغير مدير إدارة الملاريا في وزارة الصحة، أن هناك جيوبا لمرض الملاريا لا تزال موجودة حتى الآن في السعودية, نتيجة لوجود أعداد من المتسللين "مع أن المملكة استطاعت السيطرة عليه في كثير من المناطق كالمنطقة الشرقية وحائل والقصيم ونجران وغيرها ويقول "إننا نعمل بشكل مشترك، فوزارة الصحة تضطلع بمكافحة البعوض في المناطق النائية ووزارة الشؤون البلدية والقروية تتولى المكافحة في المدن الكبيرة والصغيرة والمجمعات القروية، بينما تطبق "الزراعة" المكافحة في المزارع والسدود وبين المواشي ومزارع الدواجن.
وينبه الصغير إلى أن مرض الملاريا الذي يرى خبراء الصحة أهمية بقائه تحت السيطرة يشكل ما نسبته 80 في المائة من وفيات الأطفال في القارة الإفريقية.
شبكات الصرف الصحي.. مهمة
من جانبه أوضح الدكتور أمين مشخص أن من بين الأمراض المعدية ما هو مرتبط بالغذاء وأخرى بعدم اكتمال شبكات الصرف الصحي، وتراكم مياه الأمطار، وهو ما يؤكد أهمية تضافر الجهود والتعاون مع وزارة الصحة للحد من انتشار هذه الأمراض.
وللأجهزة الأمنية دور أيضا
ويمثل المتسللون إلى السعودية من بعض دول الجوار أحد أهم أسباب انتشار هذه الأمراض في المملكة يقول سليمان الصغير وهو مدير "إدارة الملاريا" بوزارة الصحة: "إن المتسللين من الدول المجاورة عبر الحدود السعودية هم من الأسباب الرئيسية لاستمرار حالات الملاريا في بعض مناطق المملكة، لذا فهناك حاجة ماسة إلى وجود فرق ميدانية لملاحقة المتسللين لنقوم "نحن" بفحصهم وإعطائهم العلاج الجذري".
حملة وطنية للتطعيم
وهنا عاد يكشف المشخص عن عزم وزارة الصحة إقامة حملة تبدأ في شهر شوال المقبل لتطعيم المواطنين من سن تسعة أشهر إلى 18 سنة من العديد من الأمراض، حيث سيكون هناك تطعيم لطلاب مدارس التعليم العام إضافة للأطفال من تسعة أشهر وحتى ست سنوات في منازلهم، مع إضافة جرعة الحصبة في التحصين وإدخال بعض الأمراض الجديدة لبرنامج التحصين الموسع في السعودية كالجديري المائي والالتهاب الكبدي (أ)، مما سيجعل المملكة من أوائل الدول في إدخال هذه التحصينات ابتداءً من يناير 2008، مشيرا إلى أنه تم رفع ميزانية التحصينات خلال العامل الجاري 2007 إلى 180 مليون ريال بدلاً من 120 مليون للعام الماضي" كاشفا عن خطة جديدة للقضاء على أمراض الحصبة والحصبة الألمانية والنكاف خلال التسعة أشهر القادمة، بحيث تتم إزالة هذه الأمراض من المملكة مع نهاية العام 2008.