جميع الخيارات مفتوحة وبيع المجموعة ربما كان أفضل الحلول
يبدو أن الولاء لشركة كرايزلر قد وصل إلى نهايته، حيث أعلن ديتر تسيتشه رئيس مجلس إدارة شركة دايملر – كرايزلر أن جميع الخيارات تخضع حاليا للدراسة، وبالتالي فهو نفسه لا يستثني عرض شركة كرايزلر للبيع. أما في الواقع فإن شيئا من هذا لم يحدث بعد. ولكن تسيتشه ما كان له أن يستعين بخبرات أحد البنوك الاستثمارية لو كان في نيته أن يبقي كل شيء على حاله. إن ثمة احتمالا كبيرا بأن الدراسة ستقود إلى قناعة بأن بقاء "كرايزلر" ضمن مجموعة شركات دايملر – كرايزلر ليس أفضل الحلول وأن تحول هذه الشركة الأمريكية المنتجة للسيارات إلى شركة قائمة بذاتها يوفر لها فرصا جديدة أفضل مستقبلا.
ومما لاشك فيه أن هذا يمثل تطورا مناسبا للمستثمرين في دايملر – كرايزلر، فهم كانوا دائما يعتبرون "كرايزلر" عبئا ومصدرا للمجازفة. ويذكر في هذا السياق أن سعر سهم "دايملر" في البورصة كان يزيد على 100 يورو عام 1998 عندما أعلن رئيس "دايملر" آنذاك يورجن شريمب عن عملية الاندماج. ولكن منذ ذلك الحين لم يعرف سعر السهم سوى اتجاه واحد: هو نحو الأسفل بصورة مستمرة إلى أن وصل إلى 24 يورو. مع أن السعر قد تحسن قليلا في هذه الأثناء لأن تسيتشه الذي مضى على تسلمه منصبه نحو السنة، قد برهن على أنه حاسم في اتخاذ القرارات. غير أن مصداقية تسيتشه أصيبت ببعض الشروخ عندما أعلن في الخريف الماضي أن شركة كرايزلر قد انزلقت مرة أخرى إلى أعماق هوة الخسائر، مما جعل أنشطته السابقة كمعالج لأوضاع شركة كرايزلر لم تعط أكلها .
أما الآن فقد أظهر تسيتشه قدرته على التصرف من جديد. وهو يعطي "كرايزلر" فرصتها الأخيرة، حيث من المفروض أن يؤدي برنامج جديد إلى توصيل "كرايزلر" إلى منطقة الربح . غير أن هذا يبدو صعب التحقيق. صحيح أن اللجوء لبرنامج تصحيحي أمر ضروري، سواء بقيت "كرايزلر" ضمن مجموعة شركات دايملر – كرايزلر أو جرى البحث لها عن شريك جديد، أو مشتر جديد. ولكن الأكثر أهمية من ذلك هو ما أشار إليه تسيتشه من أنه مستعد لرسم خط النهاية لشركة كرايزلر إذا كان ذلك يحقق الأهداف الاقتصادية. وبهذا يغسل تسيتشه يديه من إرث سلفه شريمب الذي لم تكن قراراته صادرة عن تفكير راشد دائما والذي كان يغلق عينيه طويلا عن المشكلات والمصاعب.
منذ زمن طويل كانت الشكوك تحيط بالجدوى الاقتصادية للاندماج بين "دايملر" و"كرايزلر"، ففي بداية الشراكة كانت هناك فكرة أن الاندماج بين الشركتين يمكن أن يؤدي إلى قيام نموذج الشركة العالمية المساهمة. ولكن هذا الهدف ما لبث أن تبين منذ زمن أنه لا معنى له. ومن المؤكد أن المسؤولين في شركة مرسيدس بنز في مدينة شتوتغارت كانوا سعداء بالحدث. لقد كانوا في التسعينيات أكثر من واثقين بأنهم ينتجون أفضل السيارات في العالم، لكنهم ما لبثوا أن اكتشفوا، لدهشتهم، بأن سيارة مرسيدس من فئة إل إس (S) قد أصبحت كبيرة الحجم بحيث لم تعد تستوعبها شاحنات السيارات وبالغة الفخامة إلى درجة أنها لم تعد تصلح كسيارات خدمة في الشركات المتواضعة. وفي الوقت الذي كانت فيه الشركة نفسها هدفا لمحاولات استحواذ، ابتدأ شريمب جهوده الناجحة في إعادة الشركة إلى سيرتها الأولى كشركة صانعة للسيارات.
من الممكن القول إن شركة دايملر قد أصبحت مهيأة للعولمة بفضل عملية الاندماج التي تمت عام 1998، حيث أصبح المسؤولون في الشركة يفكرون فجأة في أبعاد لم يكونوا يفكرون فيها من قبل. غير أن هذا كان يمكن الوصول إليه بطريقة ثانية. ومن المعروف أنه ليست ثمة فوائد تشغيلية من عملية الاندماج، حيث إن خطوط الإنتاج، والمجموعات المستهدفة من الزبائن، والأسواق الإقليمية لمجموعة كرايزلر، ودودج، وجيب من ناحية، ومرسيدس، وسمارت, وميباخ من ناحية ثانية من الاختلاف بحيث يصعب تحقيق أي فوائد من عملية الدمج. ولهذا السبب كان ثمة اهتمام خاص بعدم الإهمال في رعاية العلامات التجارية الألمانية، واستغلال مرسيدس لتفوقها التكنولوجي قبل نقل هذا التفوق للأمريكيين، فكل قيمة مضافة يجبر الزبون على دفعها، يريد في النهاية أن يراها ويلمسها لمس اليد.
ولكن المهم أنه حيثما تكون ثمة فائدة حقيقية للطرفين، فإنهما يستطيعان مستقبلا أيضا أن يتعاونا بغض النظر عن درجة التداخل بينهما. فخط الإنتاج القديم لسيارات مرسيدس من فئة إي (E) على سبيل المثال الذي استخدمته "كرايزلر" في إنتاج سيارة كرايزلر 300 التي حالفها النجاح، يمكن مستقبلا أن تشتريه من شركة مرسيدس، وليس من الضروري أن تكون هناك شركة مشتركة لكي يتحقق ذلك. بل على العكس يمكن أن تتوافر درجة أكبر من المرونة لكل طرف في ظل اتفاقيات تعاون محدودة. وهذا يوفر كثيرا من المزايا لكل طرف من الأطراف، وهذا أيضا ما يثبته التعاون في إنتاج سيارة صغيرة مع شركة شيري الصينية للسيارات، حيث يمكن أن تشكل تشيري الشريك المناسب لشركة كرايزلر.
أما بالنسبة لماركة مرسيدس فلم يكن مثل هذا التعاون واردا أصلا لأن الصينيين ستظل منتجاتهم لفترة زمنية طويلة موصوفة بالرخص. وبالعكس من ذلك فإن مرسيدس تستطيع في استخدامها للابتكارات الجديدة أن تعتمد على جمهرة من الزبائن القادرين على دفع الثمن المترتب على ذلك. وعندما يستطيع كل منتج من المنتجين أن يتعاون مع هذا المنافس مرة، ومع ذاك المورد مرة، فإنه يستطيع عند ذلك أن يبلور الملامح المميزة لشركته. ومما لا شك فيه أن مثل هذه الشراكات المرنة هي التي ستطفو على السطح في المستقبل.