هل من الممكن تعزيز العولمة دون إعادة هيكلة؟
في هذا الشهر يكون مضي على تولي تيري بريتون وزارة الاقتصاد والمالية في فرنسا عامان كاملان وهنا يمكن القول إن هذا إنجاز في حد ذاته في دولة شهدت خلال الأعوام الخمس عشرة الماضية تغيير 11 شخصا في هذا المنصب بالتحديد. وعلى الرغم من هذا، فإن مدة بريتون في المنصب يبدو أنها تقترب من نهايتها. ففي نيسان (أبريل) وأيار (مايو) المقبلين ستنتخب فرنسا برلمانا جديدا ومن ثم حكومة جديدة. كما أن بريتون نفسه يرغب في ممارسة نشاط جديد وفق ما يشاع في باريس.
ويستحق بريتون الإشادة فهو الذي دأب على تذكير الفرنسيين وتوعيتهم بمخاطر المديونية الحكومية التي تجاوزت الحدود حتى إنها فاقت ثلثي حجم الناتج المحلي الإجمالي. والشيء الذي كان مقلقاً إلى حدٍ كبير، هي السرعة، والتي تزداد فيها مؤشرات الأرقام أكثر فأكثر. وفي غضون نحو عشرة أعوام انزلقت فرنسا من ثاني أفضل دولة على قائمة دول الاتحاد الأوروبي، والتي كانت ما تزال تبلغ حينها 15 عضوا إلى خامس أسوأ دولة. وزاد المر سوءا تغيير الحكومات في عهد شيراك وارتفاع النفقات الحكومية، خاصةً وأن الأموال لم تكن تُخصص للاستثمارات الحكومية في التعليم، والبحث، أو البنية التحتية، ولكن تم استخدامه لتغطية نفقات جارية، مثل الخزانة الاجتماعية، أو مدفوعات الأجور التقاعدية لموظفي الحكومة.
ورأى بريتون سريعا أن فرنسا تعيش على علاقاتها. وأصرّ بريتون ليس فقط على تحديد النفقات، ولكن على المضي في القضاء على المديونية عن طريق تخصيص جزء كبير من إيرادات التخصيص، وتبعات النمو الاقتصادي من حجم الدخل الضريبي الإجمالي المتنامي. ومع النجاح الأول: تمكّنت فرنسا العام الماضي من تراجع حجم مديونيتها، قياساً مع حجم الناتج المحلي الإجمالي، بما يعادل نحو نقطة في المائة إلى نحو 64 في المائة.
وعلى المرء أن يعترف لحكومة دوفيلبان أنها ساهمت على الأقل في تغيير الوعي رغم فشلها في تمرير تعديلات على قانون العمل الذي يضيق كثيرا في تسريح العمال ويشدد على الالتزامات تجاههم. لقد أراد دوفيلبان حينها وبسبب عدم ذكائه التكتيكي إطلاق خطط إعادة هيكلة لمحاربة البطالة دون استشارة الشركاء الاجتماعيين. وعلى الرغم من هذا، وبخطوات قليلة، نجح في إطلاق ميثاق عمل مرن، عن طريقه نشأت عشرات الآلاف من فرص العمل الجديدة. وهي تساهم في القضاء على البطالة . وبالفعل انخفض حجم البطالة في شهر كانون الأول (ديسمبر) إلى 6.8 في المائة، وبالتالي وصل إلى أدنى معدل له منذ شهر حزيران (يونيو) من عام 2001.
اقتصادياً تُعتبر فرنسا اليوم أفضل مما كانت عليه قبل ثلاثة أعوام. ونظراً للازدهار الاقتصادي العالمي، وتراجع أسعار النفط يمكن للحكومة الفرنسية أن تكون ممنونة لما سبق بنجاحها هذا إلى حدٍ ما. إلا أن السياسة لم تجرؤ بعد على القيام بهجوم نقطة تحوّل. وهنا ينضم العامل الأهم في السياسة الاقتصادية إلى اللعبة فقد أدرك الرئيس جاك شيراك متأخراً المنافسة الجاذبة عن طريق العولمة لفرنسا، واحتال على مواطنيه بإقناعهم بطريقة خاصة بدولتهم. لقد كانت خطة إعادة هيكلة الأجور التقاعدية في عام 2003 خطوة إلى الأمام، ولكن في ذات الوقت متحفظة للغاية فقد بقيت سلطة النقابات المهنية دون تغيير. وكما في السابق، يمكن لبعض الموظفين المؤثرين عرقلة خطط إعادة هيكلة مهمة. ويهتم الحد الأدنى من الأجور الحكومية والذي يرتفع سنوياً، بألا يجد أقلهم تأهيلاً أي صاحب عامل. وأدت ضريبة الملكية إلى دفع أصحاب الخدمات والإنتاج للفرار إلى الخارج بصورة متواصلة.
وربما بقي أكبر رهن عقاري، وهو مُصدر عن الاشتراكيين، وشيراك، نظام 35 ساعة عمل في الأسبوع. لقد خدعوا الفرنسيين بأنه يمكنهم عن طريق تقسيم العمل تحقيق المزيد من فرص العمل، دون تعريض القدرة التنافسية للشركات إلى الخطر. وبالإضافة إلى هذا، يؤدي التقاعد المبكر، والبطالة العمالية المرتفعة بين الشباب إلى أنه على الطبقة الصغيرة من الفرنسيين والتي تتراوح أعمارهم بين 30 إلى 50 عاماً، تمويل باقي مواطني الشعب الفرنسي عن طريق دخلهم الإجمالي من العمل المُثقل بالأعباء الضريبية الكبيرة. وبصورة مماثلة، يُطلب من الشركات التقدّم إلى الصناديق.
إن الجميع الآن في فرنسا يتحدثون عن بداية جديدة. وجميع المرشحين لتولي منصب الرئاسة خلفا لشيراك يتحدثون عن هذا الأمر، وأعلاهم صوتاً هو وزير الداخلية نيكولا ساركوزي، والذي ينتمي إلى كبار أنصار الاقتصاد. والاشتراكية سيجولين رويال التي تنوى الإفصاح عن برنامجها مرة مع نهاية الأسبوع. وحتى ذلك الحين يتخبط المنتخبون في ظلمات المجهول وعلى الرغم من هذا، يشعر الكثير من الفرنسيين، أن الوصفات الجديدة، مع الأفراد الجدد فقط، يمكن أن تقودهم إلى النور.