البنوك الإسلامية مطالبة بابتكار بديل لرسوم التسعير .. وسليم ذهب بعيدا في انتقاداته اللاذعة لعلماء الشريعة
أدى المقال الموجز لكتاب "الصيرفة الإسلامية: 300 مليار دولار من الخداع" لمؤلفه محمد سليم , الذي نشر في صحيفة "الفاينانشيال تايمز"، إلى إحداث صدمة ودهشة لدى المصرفيين الإسلاميين.
غير أن محمد سليم لا يقف وحيداً في رأيه المتناقض إزاء التمويل الإسلامي، حيث سبق لمجلة اجتماعية- اقتصادية دولية رائدة أن وصفت في الثمانينيات، التمويل الإسلامي بأنه "تلفيق كبير".
وهنالك كذلك بعض الصحة في ملاحظة سليم أن التمويل من خلال "المشاركة" في الربح والخسارة لا يمثل سوى أقل من 5 في المائة من حجم التمويل الإسلامي. ويعتمد معظم ما تبقى على المرابحة, التي تعكس أسلوب الفوائد المتبع من جانب البنوك التقليدية.
ولا بد لكي ننطلق من أساس منطقي سليم أن نقر بأن التمويل الإسلامي ليس مؤسسة صدقات خيرية، حيث إن لديه، شأنه في ذلك شأن البنوك التقليدية حوافز ربحية، وإن كانت محاطة بمؤشرات أخلاقية.
غير أن هنالك حاجة ليس فقط لأن تكون الاستثمارات مجدية، ولكن عليها أن تحقق أرباحاً معتدلة في الوقت ذاته. ولذلك فإن من الأمور الحتمية أن يتم تقاضي نوع من الرسوم على الخدمات المقدمة. ولم يخطر ببال المؤسسين الأوائل أي فكرة حول طريقة احتساب هذه الرسوم وفقا للمستجدات الحديثة.
وتقف هذه الحقيقة وراء ادعاء سليم بأن المصارف الإسلامية تتقاضى رسوماً تفوق رسوم الليبور Libor (المعدل السائد بين البنوك في لندن). ولا يستطيع المرء أن ينكر أن لدى سليم جانباً من الصحة فيما يتعلق بالتسعير في الوقت الذي لا يزال على البنوك الإسلامية أن تبتكر بديلاً مناسباً للرسوم التي تتقاضاها على تقديم خدماتها. وتعتمد هذه البنوك – إلى أن يتحقق ذلك - على ما هو قائم في السوق، مثل معدل الليبور.
واستخدم العالم مئات السنين الفائدة ثمنا للأموال. غير أن بروز الصيرفة الإسلامية وفقاً لأصول الشريعة وتعاليمها يفرض رفض أسلوب تقاضي الفوائد، ولكن دون اقتراح بديل محدد تماماً. ويتضمن الحل المتمثل في المشاركة في الربح والخسارة العديد من الثغرات التي ما زالت في حاجة إلى إصلاح. وعلى المرء أن يتذكر من الناحية الأخرى أن الصيرفة الإسلامية لا تزال في المراحل المبكرة من طفولتها. ولا بد لذلك من منحها فترة من السماح لكي تتمكن من التغلب على فترة الظهور الأول لأسنانها اللبنية. ومن المحتمل أنه لا يزال من المبكر للغاية التوصل إلى علاجات شافية شاملة.
وبينما يمكن إدانة سليم بسبب تركيزه الأضواء على بعض عوامل النقص في هذا النظام، فإنه ذهب بعيداً للغاية في انتقاداته اللاذعة لعلماء الشريعة. ولدى هؤلاء العلماء العريقين في الشؤون الدينية والعقائد تقدير كبير للقضايا ذات العلاقة بالقضايا المالية. غير أن الضليعين في الأمور التمويلية ليست لديهم سوى معرفة محدودة بمتطلبات الشريعة. ويمثل هذا الاختلاف في الفهم عاملاً متغيراً مهماً وسلبياً في الوقت ذاته في المعادلة التي تؤدي إلى تطوير تمويلي سلس.
يقول سليم في كتابه: "دأبت" شركات المال الجريء "الأمريكية على تقديم ما يصل إلى 25 مليار دولار كتمويلات للعلماء والمهندسين ذوي الأفكار النيرة, التي ينجم عنها خلق الملايين من الوظائف الجديدة. وأضاف: "كان العالم الإسلامي (في الفترة من 750 -1100 ميلادي) هو الذي يحدث التقدمات في العلوم والتقنية بسبب توافر رأس المال الجريء (القادم من أشخاص يحبون الخطورة أو منح الحكام), فضلا عن احترام التعليم والاكتشافات والابتكارات".
وشأنه في ذلك شأن سليم، فإن الكاتب التركي توران يقول: إن التمويل الإسلامي أقرب إلى عمليات رأس المال الجريء منه إلى عمليات الصيرفة المباشرة. والواقع أننا نجد من الجانب المثالي أنه في الوقت الذي يصبح فيه أسلوب المشاركة في الأرباح والخسائر هو الأسلوب المهيمن على الصيرفة الإسلامية، فإنها ستتطور باتجاه عمليات رأس المال الجريء, الذي بموجبه تقوم الصرافة الإسلامية بممارسة دورها في مساعدة المجتمع الإسلامي مع إعادة اكتشاف تقاليدها التاريخية الإبداعية.
إن إنشاء نظام جديد أمر صعب، ناهيك عن مهمة الابتعاد عن نظام أثبت كفاءته، وتبين أنه يخدم أهدافه بصورة ناجحة. إن هذا هو التحدي الذي يواجه الصيرفة الإسلامية التي تحتاج أثناء تحركها في إقامة نظام جديد إلى استعارة بعض قطع البناء من الصيرفة التقليدية, وهذا هو بالضبط ما يضايق سليم.
غير أن المرء يجب أن يبدي راحته من أن الانتقادات تتركز على الممارسات المحددة التي كثيراً ما أثارت الشكوك من قبل دوائر متعددة، بما فيها سليم، ولم توجه إلى التمويل الإسلامي بصورته الشاملة. ولا يمثل المبدأ الأساسي لتضمين الجوانب الأخلاقية في عمليات التمويل كما تراها الصيرفة الإسلامية ظاهرة جديدة، حيث سبق للغرب إنشاء عدد من البنوك الأخلاقية ولا سيما الجماعات التي تنتمي الى الكواكير QUAKERs. والحقيقة هي أنه تم إنشاء عدد من المؤسسات المالية التي تقول إنها تراعي متطلبات المسؤولية الاجتماعية في الولايات المتحدة. وما التمويل الإسلامي سوى صيغة من الصيرفة المسؤولة اجتماعياً من وجهة النظر الإسلامية.
وكما هي الحال في كل الأمور، فإنه لا بد من مرور بعض الوقت قبل تسوية الأطراف الحادة، بحيث يستطيع التمويل الإسلامي أن يبحر بنعومة وسلاسة, ولكن عليك بالصبر يا سيد سليم.