"فيات" الإيطالية تعاود الانطلاق بأقصى سرعة
خرجت شركة فيات الإيطالية لصناعة السيارات من أزمتها التي عانتها طويلا وانطلقت بسرعة نحو سوق تشهد منافسة حادة. ويذكر أنه قبل سنتين لم يكن أحد لا في البورصة ولا في قطاع صناعة السيارات على استعداد للمراهنة على احتمال عودة فيات ، وألفا روميو ، ولانسيا إلى الأسواق : إذ من المعروف أن قسم السيارات في شركة فيات مني بخسائر تبلغ 3.7 مليار يورو ما بين عامي 2001 و2004. وفي البورصة هبطت أسعار أسهم شركة فيات الكبرى إلى حد أن الشركة كلها بما في ذلك قسم إنتاج سيارات الشحن وثاني أكبر مصنع لإنتاج الجرارات في العالم قيمت في حينه بما لا يزيد على ستة مليارات يورو. وقامت شركة جنرال موتورز آنذاك بدفع مبلغ 1.5 مليار يورو للتخلص من اتفاقيتها الملزمة بشراء قطع السيارات من شركة فيات.
إن تمكن رئيس شركة فيات سيرجيو ماركيوني من إعادة الشركة لتحقيق أرباح تشغيلية في قسم السيارات خلال سنتين ونصف فقط يمثل أيضا إشارة للقطاع بكامله ، لأن الأساليب التي جعلت من الممكن إحداث مثل هذا التحول المصيري خلال فترة وجيزة من الزمن يمكن أن تشكل في المستقبل أيضا عاملا حاسما في مجال المنافسة. ومن أهم هذه الأساليب تلك السرعة الكبيرة التي تتميز بها "فيات" في تطوير سيارات جديدة: حيث تم تطوير سيارة برافو الصغيرة الحجم مثلا خلال سنتين فقط. إن "فيات" لم تكن في حاجة إلى أكثر من 18 شهرا لإنتاج السيارة الجديدة من لحظة الموافقة بصورة نهائية على الشكل الخارجي والتجهيزات الداخلية إلى لحظة طرحها في السوق.
بالمقابل فإن شركات السيارات الأخرى تحتاج في الغالب إلى ثلاث أو أربع سنوات لإنجاز هذا العمل نفسه بما في ذلك التطوير الفني وإجراء التجارب اللازمة على السيارات. إن الأزمة التي واجهت الشركة وضيق الوقت دفعا "فيات" للإقدام على خطوة جريئة فلمدة سنة بقيت السيارة الجديدة مشروعا مفترضا في جهاز الكمبيوتر. لقد صرف الإيطاليون، بقيادة المهندس الألماني، النظر عن إنتاج نماذج أولى من السيارات يستغرق إنتاجها فترة طويلة من الزمن، وقد تم استخدام الأموال، التي كان يمكن أن تنفق على إنتاج هذه النماذج الأولى ، للإنفاق على إجراء التجارب والاختبارات طوال سنة كاملة في العالم الافتراضي على أجهزة كمبيوتر عملاقة.
وإذا وردت بعض التقارير التي تفيد بأن أساليب مبتكرة مشابهة قد استخدمت في إنتاج سيارة مرسيدس الجديدة من طراز سي فإن باستطاعة الإيطاليين القول إنهم كانوا السباقين في دخول السوق بسياراتهم الجديدة. يضاف إلى ذلك أن تخطي جزء من الفجوة التي تفصلها عن منافستها ألمانيا ، بقفزة واحدة، هو نجاح كبير بالنسبة لشركة فيات. وهذا لا ينطبق فقط على الأساليب التقنية وإنما أيضا على أساليب عمل كل واحد من المديرين والمهندسين, ذلك لأن الشركة كانت حتى وقت قريب مطبوعة بطابع البلادة ومحكومة بنظام يستوي في ظلها العاملون من حيث عدم الإحساس بالمسؤولية ، أما اتخاذ القرارات فمتروك لعدد محدود من الرؤساء. ولكن الرئيس الجديد لشركة فيات سيرجيو ماركيوني أحدث ثورة ثقافية، حيث تم تسريح العديد من الديناصورات الرمادية لتحل محلهم كوادر مبدعة منحت حرية اتخاذ القرارات، ولكن أيضا وفق أهداف محددة واضحة مع تحمل لمسؤولية النتائج المترتبة على ذلك.
إن أسلوب العمل الجديد والإمكانات التقنية الجديدة وموهبة الإيطاليين في التسويق والميل العارم للمنتجات الإيطالية منحت لسيارات فيات وألفاروميو ولانسيا فرصة جديدة ، وبدلا من الخوف الذي كان سائدا في البداية من أن تؤدي التغييرات السريعة إلى الانهيار حلت الآن محل الخوف روح إبداعية جديدة. وكلا هذين العاملين أصبحا يمكنان شركة فيات من التحرك بخفة وسرعة لا تستطيع الشركات الأخرى إلا أن تحلم بها.
ومن المعروف أن ردود فعل قطاع إنتاج السيارات واتخاذ القرارات كانت تقليديا تتميز بالبطء الشديد بسبب فترات التطوير الطويلة والاستثمارات الباهظة والمخاطر الجسيمة في السوق. وبالمثل تميل شركات إنتاج السيارات الألمانية لمناقشة جميع التفاصيل مع العديد من الناس، ثم البحث عن حلول وسط في جلسات لا نهاية لها وتأجيل اتخاذ القرارات المهمة. ولكن "فيات" لم يكن لديها ما يكفي من الوقت للتردد أو التلكؤ. ففي ظل الأزمة كان لا بد من التوجه نحو الأهداف المرسومة مباشرة وبلا لف أو دوران. والآن يتولى لوكا دي ميو ، البالغ 39 سنة من العمر ، مسؤولية علامة فيات ، وهو يبدو في حالة استرخاء أثناء عمله، لا تثقل كاهله مئات ملايين اليورو التي يستثمرها ويتحمل مسؤولية النتائج المترتبة على ذلك. وبكل الدقة التي يتصف بها مدير سابق في شركة تويوتا لا يتحمل كالآخرين تعقيدات تجارة السيارات ، وإنما يتصرف بعفوية غير متوقعة ربما إلا من قبل مدير تسويق لإحدى شركات إنتاج الهواتف الجوالة الناجحة.
إن السرعة في اتخاذ القرارات وفي التطوير أعطت أكلها بالنسبة لشركة فيات للمرة الثانية الآن : فسيارة بونتو الصغيرة تمكنت من اقتحام الأسواق في خريف عام 2005 قبل الموديلات المهمة من سيارات أوبل ورينو وبيجو. وها هي ذي الآن السيارة الصغيرة برافو تدخل السوق في الوقت المناسب لتحقق مكاسب كبيرة ، في الوقت الذي لا تزال فيه في معارض التجار، الموديلات القديمة لشركات السيارات المنافسة بما فيها سيارات شركة فولكس فاجن.
إن تقليص الوقت اللازم للتطوير وهو ما أنجزته شركة فيات يحقق حلما طالما راود المديرين والمهندسين ، الذين غالبا ما كانوا يلهثون بسياراتهم الجديدة للحاق بتوجهات السوق. أما عندما يجري طرح السيارات في السوق بصورة أسرع، فإن الشركات التي تمر بأزمة ، كشركة فيات، تستطيع أن تسترد عافيتها بصورة أسرع. ولكن يبقى الخطر ماثلا في حالة تجاهل بعض الصعوبات وبالتالي توريد سيارات غير مكتملة للعملاء. وبالنسبة لشركة فيات ثمة خشية من أن يؤدي النجاح الأولي الذي تحقق إلى نوع من أنواع الرضا الخادع، كما حدث كثيرا في السابق ، بحيث يجري إهمال سياسة تجديد الموديلات، إلى أن تقع الأزمة التالية، فتثير مجددا النشاطات الإبداعية.