التخطيط لعملها لم يتزامن مع تعليمها .. لا ثقافة عمل لدى المرأة السعودية!

التخطيط لعملها لم يتزامن مع تعليمها .. لا ثقافة عمل لدى المرأة السعودية!

التخطيط لعملها لم يتزامن مع تعليمها .. لا ثقافة عمل لدى المرأة السعودية!

أجمع المشاركون في استطلاع نفذته "المرأة العاملة"على وجود خلل كبير في ثقافة العمل لدى شريحة كبيرة من الموظفين والموظفات، الأمر الذي أدى إلى انتشار بعض المظاهر السلبية في العمل وتكوين صورة سيئة عن الموظف والموظفة السعوديين.
وقال المتخصصون إنه وبالرغم من أن ديننا الحنيف يعتبر الإخلاص في العمل عبادة، إلا أننا نجد أن التهاون والتقصير في أداء الأعمال أصبح السمة السائدة بين معظم الموظفين، وفي المقابل نرى أن العالم الغربي الذي نصفه بالمادية استطاع أن يربي أبناءه على الإخلاص في العمل والتفاني لخدمة الوطن فكيف نجعل الموظف والموظفة في جميع منظماتنا المحلية رقيب ذاته، "المرأة العاملة" ناقشت في هذا التحقيق أسباب تدني ثقافة العمل الصحيحة بين الموظفين، وسبل تحسين ثقافة المجتمع عن العمل وكيفية نشر المفهوم الصحيح عن العمل المبني على مبدأ العمل مواطنة وليس مجرد مصدر للدخل، حيث يلاحظ قصور كبير في مجال التوعية بثقافة العمل الصحيحة سواء داخل الأسرة أو في المدرسة أو عبر وسائل الإعلام، وحتى من قبل الجهات المختصة في العمل فدورها يقتصر على تقديم كتيبات إرشادية توزع على بعض المرشحين للوظائف..وهناك المزيد:

الاقتصاد الريعي

معلوم أن اقتصاد مجتمعنا في? ?الحقبة النفطية أخذ طابع الاقتصاد الريعي? (الاقتصاد الذي يعتمد على الموارد الطبيعية للدولة) ما أدى إلى تعرض قيمة العمل في? ?الوعي? ?المجتمعي? ?لهزة كبيرة أفرزت ثقافة سلبية شبه عامة بين الأجيال لا تعتد بالقيمة الرفيعة للعمل الإنساني? وهو أن ?العمل عبادة, كما ترك نمط الاقتصاد الريعي? ? آثاراً? ?سلبية واضحة على اتجاهات الثقافة المجتمعية ?نحو العمل كقيمة إنسانية?, ومنها على سبيل المثال أن ?طابع الاقتصاد الريعي? ?أبعد المواطن عن دور فاعل في? ?الإنتاج والمشاركة الفعلية في? ?تحقيق الناتج, ?كما أن الدولة الريعية تكفلت بتقديم جميع الخدمات لمواطنيها.
حول هذا الموضوع أكد الدكتور طلعت حافظ الخبير الاقتصادي أن الاقتصاد الريعي أثر سلباً في ثقافة العمل داخل المملكة ويضيف أن الطفرة الاقتصادية التي شهدتها المملكة في السبعينات من القرن الماضي حين وصل سعر برميل النفط آنذاك إلى 42 دولارا ضاعف من هذه المشكلة، وأن هذه الطفرة أسهمت بشكل كبير في الاعتماد على هذا النوع من الاقتصاد, مشيراً إلى أن الحكومة تنبهت إلى هذه المشكلة خاصة عندما هبطت أسعار النفط في التسعينيات إلى عشرة دولارات مما أثر بدوره في الموارد المالية للدولة وأدى إلى عجز في الميزانية على مدى 17عاماً موضحاً أن الحكومة السعودية انتهجت برنامج إصلاح اقتصادي لتنويع مصادر الدخل حيث أنشأت عددا من الهيئات من أبرزها المجلس الاقتصادي الأعلى الذي يعنى برسم السياسة الاقتصادية للمملكة وحالياً تلمس المملكة النتائج الإيجابية لهذا البرنامج الإصلاحي ونأمل أن يسهم البرنامج في المزيد من التنويع في مصادر الدخل.

البيروقراطية والمركزية

ويرى البروفيسور سالم القحطاني أستاذ الإدارة في جامعة الملك سعود أن تدني ثقافة العمل الصحيحة بين الموظفين يعود لعدة عوامل منها البيروقراطية والمركزية في العمل، فيقول الدكتور أن الموظف عندما يدخل في مجال العمل يجد هناك أسلوبا سائدا في العمل لا يستطيع تغييره فيصبح أسيرا لهذا النظام، أما العامل الثاني فهو زملاء العمل فهؤلاء يشكلون ضغطا على الموظف إذ يفرضون عليه أن يلتزم بثقافة عمل معينة هي الثقافة السائدة بينهم والتي غالباً ما تكون غير صحيحة, وكذلك قلة الوعي لدى الموظف السعودي بثقافة العمل الصحيحة، فوسائل الإعلام المختلفة لم تساعد على نشر الثقافة الصحيحة, أما العامل الرابع فهو غياب القدوة الحسنة وعدم توافر محفزات تساعد على إبراز النماذج المثالية مثل عدم وجود جوائز للموظف المبدع أو المثالي, فيما يتمثل العامل الخامس بإغفال المؤسسات والمنظمات لأهمية التدريب على أخلاقيات العمل.
ويضيف القحطاني بقوله " إننا أصبحنا في عالم مادي ارتفعت فيه المادة إلى مستوى أعلى من القيم، كما أن التباين في الطبقات وضعف المواطنة أديا إلى تفشي الفساد والممارسات اللا أخلاقية"

الأسرة المستهلكة

من جهته يرى الدكتور عبد الإله بن سعيد أستاذ الاجتماع في جامعة الملك سعود أن سبب وقوع الموظفين الجدد بالأخطاء هو غياب ثقافة العمل في المجتمع السعودي, فالأسرة لا تربي أفرادها على أن يصبحوا أفرادا منتجين لذا نجد أن الموظف أو الموظفة في بداية حياتهما العملية يشعرون بالارتباك مما قد يوقعهما في أخطاء متعددة نتيجة جهلهما بقوانين العمل فلم تسهم المدارس والجامعات ولا وسائل الإعلام بشكل فعال في تثقيف المجتمع وتوعيته في هذا المجال.
ويضيف الدكتور أن 70 في المائة من أفراد الأسرة غير منتجين ويعتمدون على رب الأسرة في توفير احتياجاتهم كافة، أي أنهم تحولوا إلى مستهلكين, كما أن العديد من الموظفين يخلطون بين الوظيفة والحياة اليومية، لذا نحن بحاجه إلى بحث حول استراتيجيات العمل وكيفية مواجهة تحديات منظومة العمل بفعالية خصوصاً بعد انضمام المملكة لمنظمة التجارة العالمية، وعلينا أن ندرك وجود خلل في ثقافة العمل في مجتمعنا فلا بد من البدء في تغييرها ووضع أفكار وأساليب مختلفة تعزز فكرة العمل بين أفراد المجتمع وتحمي ثقافته وفي الوقت نفسه تتفق مع تحديات العصر وأن نبتعد عن التنظير والتخطيط غير القابل للتنفيذ.
من جانبها ترجع الدكتورة إيمان أبو خضير منسقة قطاع الإدارة العامة في معهد الإدارة العامة أن السبب في انعدام ثقافة العمل لدى الموظفات الجدد هو غياب التخطيط لعمل المرأة حيث لم يتزامن مع بدء تعليمها فتخرجت أعداد كبيرة من المتعلمات وبدأن الانخراط في العمل لكن لم يكن الاستعداد من جانب الجهات المعنية بحجم الخريجات, لافتة إلى عدم وجود تثقيف للنشء بأهمية تحمل جزء من المسؤولية الاجتماعية فأصبح الفرد مستهلكا بالدرجة الأولى, نتيجة ضعف مستوى التوعية سواء في البيت أو المدرسة أو الجامعة واقتصر مفهوم العمل لدى الكثير بالمردود الاقتصادي فقط مغفلين جانب المساهمة بتنمية وبناء المجتمع.
وبينت الدكتورة أبو خضير أن لغياب ثقافة العمل سلبيات متعددة على الفرد وعلى المنظمة منها نقص مهارات الأفراد ونقص معارفهم فلا يكون هنالك إتقان للعمل فنرى تأخيرا في إنجاز المهام وتعطيل العمل وبالتالي لا يكون لديهم الحافز الكافي لمواكبة التغيير أو تطوير الذات بالتدريب نجد أن الكثير يحاول الالتحاق بدورات تدريبية لمجرد الحصول على نقاط للترقية.

العمل "مواطنة "

من ناحيتها أوضحت لمى الغلاييني رئيسة مركزODEC للاستشارات وبرامج تمكين المرأة أن معظم الفتيات يضعن في اعتبارهن عند البحث عن عمل مفهوم "كيف يمنحني صاحب العمل وظيفة" في منشأته وهذا مفهوم خاطئ بشكل كبير فلا بد أن تتحمل الفتاة مسؤولية تطوير مهاراتها وقدراتها وألا تعتمد فقط على التحصيل الأكاديمي، والأجدر أن تغير مفهومها وتبدأ تفكر بـ"كيف أجعل صاحب العمل يسعى لتوظيفي" من خلال إدراك المهارات التي يتطلبها سوق العمل والسعي لاكتسابها, مضيفة أن صورة العمل ارتبطت لدى الكثير بالعائد المادي إلا أن هذه الصورة ارتقت بعض الشيء فنجد أنه ظهر مفهوم تحقيق الذات من خلال العمل, ولكن ما زال هناك قصور في ثقافة العمل فلم نصل بعد إلى الوعي الصحيح لمفهوم العمل وهو أن العمل مواطنة ومسؤولية اجتماعية وليس مجرد مصدر للدخل.
واستطردت بقولها "كما أن غياب ثقافة العمل لدى العديد من الباحثات عن عمل وافتقارهن لمهارات سوق العمل أدى إلى عزوف الكثير من الشركات عن توظيفهن، مشيرة إلى أن دراسة جدية أجرتها جامعة الملك سعود أظهرت أن 80 في المائة من مديري الشركات المشاركين في الدراسة يعتقدون أن معظم التخصصات الجامعية في الجامعات السعودية لا تتماشى مع الاحتياجات الفعلية لسوق العمل، كما أن 79 في المائة من هذه العينة نرى أن هناك نقصا في كفاءة وخبرات الخريجين والخريجات وهو ما يضيع عليهم فرص العمل في القطاع الخاص".

الجهل بالقوانين

وهنا ذكرت حنان أبو زيد المستشارة القانونية أن غياب ثقافة العمل وتدني وعي المرأة بشكل خاص بقوانين العمل أديا إلى وقوعها في مشكلات متعددة, مؤكدة أن النظام لا يتجاوز عن الأخطاء بسبب الجهل، فالقاعدة القانونية تقول "لا يجوز الاعتذار بجهل القانون" مشيرة إلى أنه لا مجال للتجاوز لعدم المعرفة بالقانون وإلا لفتح الباب أمام الكل للتذرع بجهل النظام, فعلى سبيل المثال أسرار العمل ففي حال أفشت الموظفة أسرار العمل بسبب جهلها بالحد المسموح به من المعلومات فإن ذلك لا يعفيها من العقوبة القانونية.
وأوضحت أبو زيد أن جهل الموظفات بالقانون ترتب عليه وقوعهن في أخطاء أدت إلى سلبهن حقوقا ضمنها لهن القانون مثل التوقيع على العقد دون معرفة فعلية لبنوده, أو العمل لساعات تزيد على الساعات التي حددها نظام العمل وهي ثماني ساعات يومياً أو 48 ساعة في الأسبوع دون حصولها على بدل عن ساعات العمل الإضافية, كذلك حق الموظفة في الحصول على إجازة وضع فلا يحق لصاحب العمل فصلها أثناء إجازة الوضع, مضيفة أن الكثير من الموظفات يجهلن حقوقهن عند تقديم الاستقالة أو في حال إقالتهن من العمل، حيث تردني الكثير من الاستشارات حول هذا الموضوع.

توعية المجتمع
وعادت الدكتورة إيمان أبوخضر لتشدد على أننا بحاجة إلى تغيير ثقافة المجتمع تجاه العمل من خلال تنمية الوعي الأسري، فلا بد أن ينشأ الطفل على تحمل المسؤولية وأن توكل إليه مهام بسيطة داخل المنزل, وكذلك من خلال إقامة المحاضرات والندوات, كما يجب ألا نغفل دور المدرسة التي بإمكانها الإسهام في توعية النشء من خلال الأنشطة أو من خلال التعليم التعاوني الذي يعزز مفهوم العمل داخل الفريق فيتعلم الطفل تحمل المسؤولية من الصغر, مضيفة أن الجامعات أيضا يقع عليها عبء كبير لتوعية طلابها بسلوكيات وأخلاق المهن, داعية إلى تخصيص ساعات تدريب ميدانية للتخصصات كافة.

الأكثر قراءة