المعوقون الكبار يتهمون 3 وزارات بتهميشهم وتجاهلهم
المعوقون الكبار يتهمون 3 وزارات بتهميشهم وتجاهلهم
يواجه المعوقون ـ من هم فوق سن 12 عاما ـ جملة من المشاكل التي تنغص عليهم صفو حياتهم بسبب نقص الخدمات المقدمة لهم سواء كان في التوظيف، الإسكان، الأجهزة التعويضية، الأدوية والمضادات الحيوية، أو الزواج.
ورفع عدد من المعوقين ـ مما لا تشملهم رعاية جمعية الأطفال المعوقين ـ طلبا بهذا الخصوص إلى وزارة الشؤون الاجتماعية يطالبون فيه بتوفير تلك الخدمات التي من شأنها أن تخفف عنهم آثار الإعاقة، واتفق الجميع على أن طلبهم يحمل عنوانا عريضا معناه الخفي"أشتكي لمن منك".
وتحدث هؤلاء المعوقون لـ"الاقتصادية" عن معاناتهم من نقص الخدمات المقدمة لهم وعدم الاهتمام بهم، الأمر الذي أحدث فجوة كبيرة بين الشخص المعوق والآخر السوي في المجتمع السعودي، حيث تسبب هذا النقص في الخدمات في رسم نظرة تحفها الشفقة تجاه المعوق مما جعله يعيش في قلق وتوتر دائمين يجعلانه المعوق يحس بالألم طيلة حياته.
ووصف المعوقون في لقاء لهم مع "الاقتصادية"، التي شاركتهم اجتماعا لهم في استراحة شرقي الرياض، وضع المعوقين الكبار بـ "المهمش" كونه لا يلقى أي اهتمام من قبل الجهات المعنية، مؤكدين أن ثمة قرارات صدرت لصالحهم من المقام السامي منذ سنوات لكن بعضها لم ير النور والبعض الآخر سار في الاتجاه غير المطلوب.
وأفاد المعوقون أنفسهم أن تردي الخدمات المقدمة لهم هو المعضلة الحقيقية التي يواجهها أكثر من 320 ألف معوق في السعودية ممن يعانون الإعاقة الحركية تحديدا، مشيرين إلى أنهم سلكوا كل الاتجاهات في سبيل إيجاد حلول جذرية لمعاناتهم بما فيها طرق أبواب عدد من المسؤولين في وزارات الصحة، الشؤون الاجتماعية، والعمل، لكن دون نتيجة.
ولأن الحياة لا تقبل اليأس فها هم يعودون للمناشدة مرة أخرى طمعا في إيجاد حل لمعاناتهم، بعدما أتعبهم الروتين المعتاد وأجل الكثير من تطلعاتهم.
إلى التفاصيل:
يحرك جسمه الصغير بيديه القصيرتين زاحفا نحو كرسيه العتيق، الذي يقف إلى جانبه وهي يقول: إن أولى معاناتنا كمعوقين تبدأ من عدم توافر مراكز ومستشفيات للتأهيل على مستوى جيد في وزارة الصحة، حيث إنه لا يوجد في الرياض سوى مستشفى واحد فقط في مدينة الملك فهد الطبية، ويحتوي على 156 سريرا ولديه بعض الشروط التعجيزية لقبول المعوقين.
يصمت سلطان سويلم العنزي (21 عاما)، قليلا ليلتقط أنفاسه ثم يعود للحديث مجددا "من أهم الشروط التي يفرضها علينا المستشفى في مدينة الملك فهد الطبية وجود تقرير طبي بالحالة، علماً أنه لا يوجد مستشفى يقدم مثل هذا التقرير الطبي، إضافة إلى إغلاق الملفات كافة التي تمت إحالتها إلى مستشفى التأهيل بعد إغلاق المركز المشترك للمعاقين قبل نحو أربع سنوات، إضافة إلى نقص الأدوية والأجهزة التعويضية المساعدة".
ويواصل سلطان ـ معاق حركي ـ حديثه سائلا أين نحن من التأمين الطبي الذي سيطبق على السعوديين قريبا؟ مشيرا إلى أن هناك دراسة تشير إلى أن تكلفة تغطية المعوق بالتأمين تصل إلى نحو 250 ألف ريال سنويا، هل أخذت وزارة الصحة في اعتبارها حين وضعت تلك الدراسات وأعدت تلك التصورات، كيف سيكون وضع المعوقين ومن سيدفع عنهم كل تلك المبالغ الطائلة.
طفل واحد بـ 18 ألف ريال
أما يحيى الزهراني ـ معوق حركي ـ فهو يقول إن المعوقين إجمالا لديهم مشكلة كبيرة مع الإنجاب، "نحن بشر وكل منا يتمنى أن يكون أبا"، حيث لا يتوافر إلا عدد قليل من المستشفيات الحكومية، والكبير منها فقط لديه مراكز للعقم والإنجاب على مستوى مستشفيات وزارة الصحة.
وفرص إنجاب المعوقين (لأطفال أنابيب) متوافرة في مستشفى القوات المسلحة "العسكري" للعسكريين، أما البقية فتتم مراجعة مستشفى الملك فيصل التخصصي لكن غير مسموح لهم الإنجاب إلا مرة واحدة فقط، مما يضطر البعض إلى مرجعة مستشفيات القطاع الخاص وتحمل مزيد من التكاليف المالية التي تصل في بعض الأحيان إلى 18 ألف ريال في المحاولة الواحدة، علما بأنه مجبر على تحمل هذه التكاليف سواء نجحت تلك المحاولة أو فشلت.
وأرجع الزهراني أسباب حرمان المعوقين من الإنجاب إلى عدم قدرتهم على تحمل تكاليفه العالية نتيجة ظروفهم المادية الصعبة، "إذ لا يتجاوز دخل الواحد منا 1500 ريال شهريا، وهذا في طبيعة الحال يكاد لا يغطي المصروفات الشخصية أو راتب السائق الخاص".
وزاد: مشكلة الزواج أيضا ليست بأقل من معاناة الإنجاب أو نقص الخدمات الصحية، فالبعض من المعوقين يتزوج من امرأة أجنبية ويتحمل تكاليف الزواج الباهظة وتذاكر السفر سنويا، فضلا عن معاناته في التعامل مع تلك الزوجة الأجنبية التي دائما ما تنفر منه وتحسسه بالنقص دائما وأنه شخص مريض ومقعد.
كما لا يحق للمعوق المتزوج من أجنبية الاستفادة من المشاريع الخيرية التي تعين الشباب على الزواج، وذلك لعد توافر شرط تقديم الإعانة بأن تكون الزوجة سعودية.
عدم التزام بتوظيف المعوقين
فيما يتعلق بالعمل والوظائف يبين عبد الرحمن الرشيد ـ معوق حركي ـ أنه خاطب هو وزملاؤه المعوقون الدكتور غازي بن عبد الرحمن القصيبي وزير العمل، أكثر من مرة من أجل حل العقبات التي تواجههم لدى جهات العمل، وأن كثيرا من الجهات في الحكومة والقطاع الخاص لا تلتزم بتوظيف المعوقين كما نص عليه نظام العمل والعمال، الذي يقضي بتوظيف 5 في المائة من مجموع موظفي أو عمال أي جهة حكومية، أو مؤسسة أهلية من المعوقين، حيث لم تحقق ولا 1 في المائة.
وأفاد الرشيد أن نظام احتساب توظيف المعوق عن ثلاثة من الأصحاء تشجيعا لنظام السعودة، تم استغلاله من قبل بعض أصحاب النفوس الضعيفة من أرباب العمل والشركات الأهلية بأبشع صورة، حيث يتم إعطاء المعوق الحد الأدنى من الراتب 1500 ريال، في مقابل جهد ووقت غير متوافقين مع ذلك الراتب المتدني، في ظل غياب وزارة العمل.
نحتاج لمواصلات وتحديد الدوام بالساعات
وأضاف قائلا: "إن المعوق أحق بالزيادة لأنه يحتاج إلى مواصلات من نوع خاص، ودوام لساعات محددة، لأن العمل ساعات طويلة وهو ما تطبقه الكثير من الجهات، خاصة الأهلية ومنها المستشفيات، يدفع الكثيرين إما إلى ترك العمل، وإما التحامل على نفسه والتعرض للكثير من المشاكل الصحية التي قد تسبب له تقرحـات سريرية وجـــروحا دائمة، ربما تصل إلى حالات التجلط، قد يصعب التئامها، وفي النهاية يستغني عنه رب العمل.
وطالب الرشيد بخفض سنوات الخدمة للوصول إلى سن التقاعد النظامي، للحصول على معاش تقـاعدي يكفل له عيشة كريمة، وقال: "إنه من غير المعقول أو المنصف أن يتساوى شخص سليم وشخص معاق بما يعانيه من أمراض، ومشاكل صحية مدة الخدمة المطلوبة نفسها للتقاعد".
وأشار الرشيد إلى إمكانية مساواتهم بالمرأة العاملة في أحقية سن التقاعد، مطالبين بإلزام جميع الجهات والمنشآت سواء كانت حكومية أو أهلية، بتهيئة أماكن العمل بما يكــفل سهولة حركة وتنقل المعاق داخل بيئة العمل، وكذلك إنشاء جهــة مختصة للمساعدة على حــل ما قد يعترض المعاقيـــن من مشاكــل في سبيــل حصولهم على عمل مناسب، أو استمرارهم في أعمالهم على أن تكون قراراتها ملزمة للجميع.
وطالب الرشيد بإشراك المعوقين في اتخــــــاذ القرارات التي تخص أمورهم سواء كانت داخل الوزارة أو فيما يرفـــع لمجلس الشورى ـ كنظام العمل الذي نــوقش أخيرا- أو مجلس الوزراء أو أية جهة أخرى كونهم أدرى بمعاناتهم، مع مخاطبة وزارة الخدمة المدنية وحثها على جعل الأولوية في التوظيف للمعاقيـن في حالة تساوي الفرص مع غيرهم من الأسوياء.
مكتب للمعوقين في وزارة العمل
وهنا اتفق جميع المعوقين على أن هناك عدة صعوبات تواجههم عند استقدام سائقين أو ممرضين أو خادمات كونهم غير قادرين على العناية بأنفسهم، بل إن بعضهم لا يستطيع رفع يـده إلى فمه لتنـــاول طعامه أو قيادة السيارة، لقضاء ما يحتاج إليه في حياته اليومية، مما اضطرهم إلى الاتجاه نحو الاستقدام.
كما أن معظم المعوقين يحتاجون إلى أكثر من عامل ما بين سائق ومعاون في المنزل ـ قد يكون ممرضا ـ فضلا عن خادمة منزلية تقوم بأعمال المنزل الكثيرة نظرا لوجــود معوق في الأسرة.
ويشتكي المعوقون من رسوم الاستقدام التي اعتبروها مرتفعا جدا بالنسبة لهم، بل إنها تضطرهم في معظم الأوقات إلى الاستدانة من الغير إن لم يدفعهم ذلك للتسول ـ على حد قولهم.
وهنا يعود سلطان سويلم ليقول: "إن حاجة المعوق لعامل ذي مهارة خاصة للتعامل مع حالته، تجعله يجد صعوبة في استمرار بعض العمال معه، مما يجبره إلى الاستقدام أكثر من مرة وفي فترة وجيزة الأمر الذي يجعله على احتكاك مباشر مع مكاتب الاستقدام وفي كل مرة يدخل في دوامة مليئة بالعذاب والمعاناة".
أعفونا من رسوم الاستقدام
وطالب سلطان وغيره من المعوقين بإعفائهم من رسوم الاستقدام وتجديد العمالة، والاستبدال إن دعت الحاجة، وكذلك إلغاء رسوم التجديد للعمالة المنزلية، إضافة إلى إيجاد مكتب في وزارة العمل، لإنهاء إجراءات الاستقدام للمعوقين أسوة ببعض المصالح الحكومية، وقد يكون موجها وناصحاً لهم في اختيار نوعية العمالة التي لديها القدرة على التعامل مع حالة كل شخص منهم.
وطالب المعوقون بضرورة تعديل نظام التعامل مع المعوقون، المطبق من قبل وزارة الشؤون الاجتماعية لكي يتوافق مع المعمول به عالميا، لأنه من غير المعقول أن تكون الوزارة معنية بشديدي الإعاقة فقط كما يصرح المسؤولون في هذا الشأن، وهذا مناف للأنظمة المطبقة في وزارة الشؤون الاجتماعية في دول العالم كافة. وقالوا "لقد طلبنا من وزارة الشؤون الاجتماعية توضيح هذا الأمر لكننا لم نحصل على إجابة شافية".
تخفيض التذاكر الدولية على "السعودية"
واشتكى المعوقون من عدم منحهم تخفيضا في أسعار التذاكر على الرحلات الدولية على الخطوط الجوية السعودية، والذي يصل إلى 50 في المائة لذوي الاحتياجات الخاصة في الرحلات الداخلية، مشيرين إلى أن التخفيض الممنوح لهم يكون على أعلى سعر وليس السعر التجاري المتداول.
وطالبوا "السعودية" بضرورة النظر إلى هذه الملاحظة، إلى جانب زيادة عدد المكاتب التي تقوم بخدمتهم في إعطاء التذاكر المخفضة، حيث لا يوجد سوى مكتب واحد في الرياض، ومن الصعب جدا تنقل المعوق وهو بهذه الحالة، خاصة إذا كان منزله بعيدا عن المكتب.
وهنا يرد عبد العزيز المحيسن كبير إخصائيي برامج الخدمات على الطائرة، وحدة ركاب ذوي الاحتياجات الخاصة، بالقول: "إن الخطوط السعودية أنشأت هذه الوحدة لخدمة هذه الفئة وأن منح التخفيض على الرحلات الدولية لا بد من الرجوع فيه إلى الموظفين العاملين في الأقسام الأخرى".
وأكد المحيسن الذي التقته "الاقتصادية" ضمن ضيوف اجتماع المعوقين في استراحتهم شرقي العاصمة، أن الخدمات التي تقدمها "السعودية" لهذه الفئة كبيرة ومتطورة، وقد حازت من خلالها أربع جوائز دولية، معتبرا أن زيارته للمعوقين كانت بهدف معرفة مدى رضاهم عن الخدمات التي تقدمها "السعودية" لهم، وكذلك رصد احتياجاتهم المستقبلية للخدمات التي يأملون الحصول عليها على متن أسطول الخطوط السعودية.
الأولوية في القروض العقارية
أما من حيث السكن فيعود الزهراني ليقول: "إنهم ـ أي المعوقين ـ يعانون الأمرين من عدم توفير السكن المناسب، خاصة وأن معظم المساكن غير مهيأة للمعوقين من النواحي كافة، ما يدفع البعض إلى الصرف على المنزل، الذي يستأجره من تغيير المداخل وغيرها لعله يلبي حاجاته لكن ذلك يكلفه تكاليف باهظة.
واقترح الزهراني أن توفر لهم البنوك التجارية منازل بأسعار مناسبة عن طريق التأجير المنتهي بالتمليك، حيث إنها أولى من أن يكون المنزل مستأجرا ويذهب العمر كله وهو يدفع دم قلبه في المسكن وهو في النهاية إيجار، أو توفير مساكن لهم عن طريق الصندوق العقاري بحيث يعطون الأولوية في الحصول على القرض مراعاة لظروفهم الصحية والمعنوية التي يمرون بها.
مواقف المساجد والمرافق العامة
وفي ختام اللقاء بهم ناشد المعوقون أمانة منطقة الرياض إلزام الجهات الحكومية بتوفير مواقف خاصة للمعوقين وكذلك في المرافق العامة وتحديدا أمام المساجد، لأن جميع المعوقين يواجهون عقبات كبيرة عندما يحضرون فعاليات أو مناسبات معينة لا يجدون مواقف مخصصة قريبة من المدخل للمعوقين كما هو مطبق في معظم دول الخليج، خاصة الإمارات.