جائزة للقبح
جائزة للقبح
يا لها من فكرة عجيبة. إنها فكرة جائزة لأقبح مسكن. نعم مسابقة لأقبح مسكن سعودي يتم بناؤه. دعوني أحدثكم عن قصة هذا الاقتراح الجميل. عندما طرح أحد الزملاء فكرة جائزة لأجمل مسكن يتم بناؤه، اعترض البعض لقلة المساكن الجميلة وربما أدت تلك الفكرة إلى موتها مبكرا. إذ يعتقد البعض أن المساكن التي يمكن أن يطلق عليها جميلة نادرة وربما غير موجودة، وهنا تحول الاقتراح إلى فكرة معاكسة تماما أي فكرة أقبح مسكن إذ أن الغرض سوف يكون أكثر جدوى ونفعا من الأجمل. وربما تبدو الفكرة غريبة أو مستغربة وربما مستهجنة لكن الهدف منها سيكون فعالا و يدفع المصممين والمواطنين إلى عدم قبول أي عوامل ربما تجعل مسكنهم من المساكن المرشحة لهذه الجائزة عندما يطلعون على أسباب الاختيار من قبل اللجنة المحكمة.
أعود إليك سيدي القارئ الكريم و أسألك: كم عدد المساكن التي يعجبك شكلها الجميل أو المميز، التي يمكن أن تقف أمامها لدقائق تتأملها. لقد طرحت سؤالي هذا على عدد كبير من الأفراد الذين أقابلهم، لكن النتيجة قليلة في أحسن أحوالها فمنهم من يرى أن عدد المساكن الجميلة التي تشد انتباهه لا يتجاوز الخمسين، منهم من يرى أنها لا تجاوز الخمسة مساكن. إنني أتمنى أن تساعدوني على الإجابة عن سؤالي هذا. على أن نسبة المساكن الجميلة والبسيطة في أحسن الأحوال لن تصل إلى 0.001 في المائة نعم واحد من كل ألف مسكن في أغلب مدننا الكبيرة، أي يمكن الاتفاق على وصفها بوصف الجمال. و الحقيقة إنني أرغب أن أتأكد من ذلك بشكل عملي ودقيق، وأتمنى أن تكون هناك استبيانات مختلفة للتأكد من هذا الرقم المتشائم المخيف والمفزع نعم نريد أن نقيم خبرتنا من الناحية الجمالية لتلك الأعداد الكبيرة من المساكن التي لا تحقق الرضا والقبول بها على الأقل من الجانب الظاهر، وبالتأكيد فالخافي أعظم وأمر وأدهى، والأشد مرارة من هذا وذاك أن تلك المساكن مكلفة جدا و مرهقة في استهلاكها من نواحي الكهرباء و الماء والصيانة لينطبق عليها المثل (حشفا وسوء كيلة). إنه شيء غريب ومدهش ومرير وبحاجة إلى بحوث واستبيانات ومعلومات دقيقه يقوم بها مختصون مؤهلون. إن التساؤل الخطير هو لماذا أغلب مساكننا ليست جميلة ولا بسيطة ومكلفة ومسرفة في استهلاكها؟ نتكلم عن نسبة 99 في المائة على أحسن حال. على افتراض أن مدينة يصل عدد المساكن فيها مليون مسكن توجد فيها عشرة آلاف مسكن يمكن أن نطلق عليه مساكن جميلة ونرضى ونقبل بها. (ومع هذا يبدو أن تلك النسبة مبالغ فيها أي أن القبح أكثر من ذلك).
علينا أن نتساءل عن المتسبب في هذا الكم الهائل من القبح والتبذير والإسراف والفوضى والتشويه في مساكننا التي يراها الجميع دون استثناء. إننا يجب نعترف أن وراء هذا الهرم من القبح يقف عدد كبير من المهندسين والمقاولين والأنظمة التي تحاول جاهدة إصلاح الفاسد وإفساد الصالح ومهما كانت التبريرات. فالجهات البلدية والمهندسون المصممون هم من يتحمل أوزار وآثام هذا التشويه. بل هم المسؤولون عن استمراره وتكاثره و تناسله وغض النظر. ولاشك أن التنافس على هذه الجائزة سوف يكون شديدا وقويا و محتدما و سوف تحتار لجنة الاختيار في المرشح الأفضل نظرا للأعداد الهائلة التي يمكن تقديرها بمئات الألوف من المساكن البشعة للفوز بهذا اللقب، وتحديد حجم فضيحتنا أو مهزلتنا الفنية و الهندسية.