الإنترنت في المملكة .. انخفاض الجودة وارتفاع الأسعار.. إلى متى؟

الإنترنت في المملكة .. انخفاض الجودة وارتفاع الأسعار.. إلى متى؟

الإنترنت في المملكة .. انخفاض الجودة وارتفاع الأسعار.. إلى متى؟

أكملت المملكة عشر سنوات تقريباً منذ تاريخ تقديم خدمة الإنترنت، ظلت خلالها وحتى الآن من أقل دول العالم في مستوى جودتها ومستوى انتشارها ومن أغلاها في مستويات أسعارها. وعلى أنه تم منح رخصتي تقديم خدمات المعطيات (ومنها تقديم خدمة الإنترنت عالية السرعة) منذ أكثر من سنتين، إلا أنه لم يتم توفير الخدمة حتى تاريخه، على الرغم من بدء الشركات المرخصة بالحفريات اللازمة لإنشاء البنية التحتية لشبكة الألياف البصرية التي ستغطي بعض الأحياء في المدن الرئيسية. وحتى لو تم تقديمها، ستكون الأسعار من أعلى أسعار الإنترنت في العالم. أما خدمة DSL الحالية، فهي أيضا مرتفعة السعر على الرغم من الانخفاض التدريجي (لا أدري لماذا يكون تدريجيا؟) الذي تقوم به شركة الاتصالات، وما زالت جودتها متدنية إلى حد بعيد.
وبنظرة سريعة على مستويات الأسعار وجودة الخدمة في الدول الأوروبية والأمريكية والآسيوية ومعظم دول الشرق الأوسط، نجد أن المملكة من الأغلى سعراً والأقل جودة. فلماذا تكون الأسعار أرخص وأكثر شمولية في الدول الأغلى من المملكة (كاليابان مثلاً)، وفي الدول الأرخص (كمصر مثلاً)؟
قد يعود السبب الرئيسي في تخلف المملكة عن الركب العالمي في مستوى انتشار الإنترنت (دون 20 في المائة من عدد السكان، وأقل من 3 في المائة بالنسبة لـ DSL) إلى ارتفاع تكلفتها بسبب احتكار شركة الاتصالات السعودية توفير الخدمة من الشبكة الدولية وإيصالها إلى مقدمي خدمة الإنترنت وبالأسعار التي تحددها، يضاف إلى ذلك قلة عدد خطوط DSL المتوافرة أصلا في المناطق المهمة. على أن الاحتكار ليس مشكلة بحد ذاته، فهناك أمثلة واضحة على وجود احتكار في أسواق أخرى ولكن استطاعت الشركات في تلك الأسواق أن تتجاوز في جودة خدماتها ما يفوق التوقعات.
لذا، فإن استمرار هذا الوضع سيعني بكل بساطة أن حلمنا الكبير بوجود حكومة إلكترونية أو تعاملات إلكترونية سيكون مجرد حلم طالما بقي الوضع على ما هو عليه. فعلى سبيل المثال، إذا رغبت إحدى الجهات الحكومية التي لديها فروع في عدد من مدن المملكة في ربط هذه الفروع بشبكة معلوماتية واحدة، فإنها ستواجه مشكلة ارتفاع الأسعار وعدم توافر خدمة الاتصال السريع أصلا في بعض المدن.
إن قيام هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات مشكورة بمنح رخصتي تقديم خدمات المعطيات يعد خطوة مهمة لفتح السوق وخلق المنافسة وتحقيقا لمبدأ الشفافية، كما أنها ضربت مثالاً يحتذى به في منهجية فتح سوق الاتصالات (وبالذات تقديم خدمات الإنترنت عالية السرعة)، مما جعل الاتحاد الدولي للاتصالات يستشهد بهذه المنهجية في المحافل الدولية. إلا أنه على الأرجح ألا تحقق تلك الإجراءات الهدف المنشود بتوفير خدمات الإنترنت من جودة عالية وأسعار منخفضة وبالشمولية المطلوبة، إلا إذا صاحب ذلك تقديم حوافز لهذه الشركات تساعدها على توفير خدمة الإنترنت لكي تنافس المملكة دول العالم الأخرى في ذلك. ومن الأمثلة على هذه الحوافز أن تقوم الهيئة بدفع مبالغ محددة لكل مبنى/ منزل يتم إيصال الخدمة إليه من قبل هاتين الشركتين. إضافة إلى إعطائهم فترة سماح (لنقل خمس سنوات مثلا) دون تحصيل الرسوم السنوية منهم. إضافة إلى العديد من الحوافز الأخرى المهمة بالاستفادة من تجارب دول أخرى ريادية في هذا المجال.
ثم إن قيام الهيئة بالاعتماد على أسلوب المزايدة لتقديم هذه الخدمة وقيام الشركات المتقدمة للحصول على الترخيص بدفع تلك المبالغ الباهظة (420 مليون ريال للرخصتين ومليارات الريالات للبنية التحتية) قد يكون أكبر معوق أمام الشركتين لتقديم الخدمة بأسعار مغرية للمستفيدين (أفرادا وشركات) وهو الهدف الأسمى الذي تسعى الهيئة إلى تحقيقه. وإلا كيف ستستعيد هاتان الشركتان استثماراتهما الضخمة؟
ففي معظم دول العالم، لا يتم التعامل مع تقديم خدمة الإنترنت كأي خدمة اتصالات تدار على أسس تجارية بحتة، بل يتم النظر إليها كالخدمات الأساسية التي تقوم الحكومة بدعمها ومساندتها وضمان وصولها لكافة شرائح المجتمع وبأسعار زهيدة جداً وبالذات في مجال خدمة الإنترنت عالية السرعة Broadband.
لنأخذ كوريا الجنوبية كمثال، فقد حددت الحكومة الكورية هدفاً استراتيجياً لها يقول: "يجب أن تكون كوريا الجنوبية الدولة الأولى في العالم في تقديم خدمة الإنترنت عالية السرعة بحيث تكون الأقل سعراً والأعلى جودة والأشمل وصولاً". لذا قامت الحكومة الكورية بدفع نحو 1200 مليون دولار من خزانة الدولة في مشروع ريادي لتوصيل الألياف البصرية لجميع المنازل بسرعة تصل إلى 100 ميغابايت وبسعر 20 دولاراً في الشهر. (المحظوظ منا في المملكة من يحصل على 2 ميغا بايت يشترك معه فيها عشرات المشتركين الآخرين وبعشرة أضعاف السعر).
أما الهند فقد تميزت في نظرتها للموضوع بكل احتراف وبعد نظر، حيث قامت وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات بتأسيس هيئة "مدن التقنية العلمية الهندية" (STPI) لتكون الجهة المنظمة لقطاع تقنية المعلومات في الهند ولتتولى بناء 38 مدينة تقنية تضاهي في بنيتها التحتية أرقى المدن التقنية في العالم وتهدف إلى أن تكون الهند أكبر الدول المصدرة للبرمجيات في العالم. وكان المهم لديها ضرورة توفير خدمة إنترنت عالية السرعة وبأسعار معقولة جداً للشركات المقيمة في هذه المدن. لذا قامت الهيئة نفسها بدور مقدم الخدمة وحصلت على السعات الكافية من الخارج دون الاستعانة بشركات الاتصالات المحلية، وضمنت عدم انقطاعها مطلقاً.
أما في المملكة، فإن خدمة الإنترنت عالية السرعة ليست متوافرة في أحدث المباني التجارية في المركز التجاري وسط مدينة الرياض (عاصمة أكبر اقتصاد في المنطقة) وعلى بعد أمتار قليلة من الشارع الذكي الذي تم تدشينه أخيرا ضمن مبادرة المدينة الذكية!!.
ويجب التذكير هنا بأن موضوع توفير خدمة الإنترنت عالية السرعة بأسعار منخفضة وبجودة عالية يعد من أهم أدوات قياس تنافسية المملكة التي نسعى إلى أن تكون من أفضل عشر دول في العالم بحلول عام 2010. هنا تتضح لنا أهمية قيام الدولة بدور مهم وفعال لتكون المملكة في مصاف الدول الريادية في تقديم خدمات الإنترنت على أمل أن نصل إلى تطبيق مفهوم "الاتصال من أي مكان" Connectivity Anywhere.

الأكثر قراءة