"الطيران الاقتصادي": هل يقلص حوادث المرور القاتلة؟
"الطيران الاقتصادي": هل يقلص حوادث المرور القاتلة؟
هل بات السفر سهلا لهذه الدرجة؟ وهل يمكن أن أسافر بعد قليل في مهمة عمل عاجلة أو مناسبة اجتماعية طارئة دون الحاجة إلى المرور على عدد من المعارف والأصدقاء والزملاء للبحث عن مقعد على إحدى الطائرات؟ وهل يمكن أن أحصل على رحلة غير مكلفة "نسبيا بالتأكيد"، وآمنة أيضا؟ تبدو هذه التساؤلات قريبة من التحقق مع تكاثر مصطلح "الطيران الاقتصادي"، الذي بات قاب قوسين أو أدنى من العمل. هذا الأسبوع أطلقت شركة "ناس" أولى رحلاتها داخليا، وقريبا ستلحق بها "سما" وهما الفائزتان برخصتي النقل داخليا، وقريبا "ربما أعوام أقل من أصابع اليد الواحدة" ستدخل شركات أخرى وبتجارب دولية مع فتح هذه السوق المغرية.
يبدو الأمر مفرحا للوهلة الأولى، في ظل الضغط الهائل على الرحلات الداخلية حاليا، لكن الأمر لا يخلو من هواجس وتساؤلات. مفرحة لأن الناس تريد السفر أولا، لكن عندما يحصلون على هذه الفرصة سيطرحون مطالب أخرى. ماذا عن الخدمة؟ وكيف هو وضع الأمان في الطائرات؟ وهل سيؤثر التنافس في أي منهما. هل سيخاطر أحد بتجربة ربما يدفع حياته ثمنا لها، ونحن نشاهد حوادث الطيران المرعبة؟ في الجانب الآخر، ماذا يقول "أهل الصنعة"، وما موقف الجهات الإشرافية والرقابية؟ هذه التساؤلات وغيرها طرحناها في تقريرنا هذا, وإليكم التفاصيل:
يمثل تسيير شركات الطيران الجديدة لرحلاتها الاقتصادية (منخفضة التكلفة) الداخلية بين المدن السعودية، مع مطلع هذا العام، حدثا تاريخيا قدم خيارا جديدا للسعوديين للسفر بين مدنهم لإنجاز أعمالهم المختلفة بعد أن ظل النقل الجوي مقتصراً على "الخطوط السعودية" سنوات عديدة، ومع ضخامة سوق السفر الداخلي والمتنامي يوماً بعد آخر دفعت هيئة الطيران المدني السعودي للترخيص لشركة ناس لتقديم خدمات النقل الجوي المحلي، التي بدأت عبر ثلاث محطات فقط هي. الرياض, جدة, والدمام، وشركة "سما" ومقرها الدمام كثاني مشغل للطيران منخفض التكلفة.
وهذا يؤكد على الصعيد الإقليمي ما تشهد شركات الطيران الاقتصادي "منخفض التكلفة"، من نمو في المنطقة العربية بعد تزايد الطلب عليها، ويعد هذا القطاع حديث عهد في المنطقة مقارنة بالولايات المتحدة وأوروبا وآسيا.
4 شركات عربية
ويأتي ارتفاع الطلب على هذه الشركات التي بلغت هذا العام أربعا في المنطقة العربية (العربية، الجزيرة، ناس، سما)، مع ارتفاع تكلفة الرحلات التقليدية الناجمة عن ارتفاع تكاليف الوقود، إذ تستحوذ هذه الشركات على 5 في المائة من سوق الطيران في المنطقة، ويرجح الخبراء أن ترتفع النسبة لتصل إلى نحو 30 في المائة خلال السنتين المقبلتين.
ويقول عاملون في هذا القطاع إن خفض التكاليف لا يكون على حساب الأمن والسلامة، إذ يؤكد الرئيس التنفيذي لشركة طيران العربية عادل علي الجزيرة أن جميع الشركات ملتزمة بقوانين دولية في السلامة والأمن، ولا يستطيع أحد مخالفتها.
لكن مع إيجابيات هذه الشركات الاقتصادية يشكو مسافرون من محدودية جهات وأوقات السفر وارتفاع قيمة الضرائب والتأمين التي قد تصل إلى أكثر من ثلث ثمن التذكرة في بعض الحالات.
خيار اقتصادي
في البداية يؤكد عمر حلواني المدير العام التنفيذي لطيران ناس أن الطيران الاقتصادي هو خيار جديد للتنقل بأبسط الطرق وأقلها تكلفة بدون المساس أمان الطائرات وجودة الخدمة المقدمة للمسافرين.
وكشف حلواني لـ "الاقتصادية" أن شركة ناس ستسعى إلى تقديم أسهل طرق الحجز المتوافرة عالميا، مؤكدة أن الشركة ستطلق في شهر نيسان (أبريل) المقبل، خدمة شراء التذاكر عبر أجهزة الصراف الإلكتروني من خلال تفعيل اتفاقية مع شركة سداد التي تتيح للعملاء سداد مستحقات شركة ناس عبر أجهزة الصرافات الآلية، مبينا أن مركز حجوزات "ناس" سيمنح العميل رقما وبالتالي يمكنه شراء التذكرة عبر سداد المبلغ المطلوب منه من خلال الخدمات المدفوعة في حسابه، كما أن جميع أجهزة الصرافات الآلية ستقدم هذه الخدمة من خلالها، وستمنح العميل جميع المعلومات عن حجزه.
عقبة بطاقة الائتمان
وأكد حلواني أن بيع تذاكر الطيران الاقتصادي في جميع أنحاء العالم يتم عبر الإنترنت، لكن بعد دراسة السوق المحلية ودراسة حجم التعاملات الإلكترونية والدفع بواسطة بطاقات الائتمان في المملكة وجدت أن هذه الأمور ضعيفة جدا.
وذكر أن "ناس" اتخذت هذه الخطوة من أجل توفير الوقت للعميل والتي ستنطلق خلال الشهرين المقبلين، كما أن شروط تذاكر السفر لا تختلف في الطيران الاقتصادي عن غيره، ولكن تلك التذاكر التي تصدر عن شركة ناس للطيران لا بد أن تستخدم ليومها، كما أن المسافر عبر الطيران الاقتصادي يمنح فرصة لتغيير موعد سفره ولكن بفرض رسوم مالية قليلة لإمكانية منحه موعدا آخر للسفر.
وأبان المدير العام التنفيذي لـ "طيران ناس"، أن الشركة دربت موظفيها على حسن التعامل مع العملاء خصوصا في تغيير حجوزات العملاء الذين يواجهون ظروفا طارئة، حيث لا تسمح الشركة باستغلال العميل، شارحا ذلك بالقول: لو أن أحد الركاب حدث له ظرف طارئ فإن الموظفين يتعاطفون مع العميل.
تقليل من حوادث السير
من جانبه قال لـ "الاقتصادية" الدكتور ناصر الطيار العضو المنتدب لمجموعة الطيار للسفر والسياحة، إن الطيران الاقتصادي منتج تأخرنا كثيرا في إدخاله إلى السوق المحلية، مؤكدا أن سوق السفر السعودية تحتاج إلى نحو 40 مليون رحلة سفر داخلية سنوية، في حين أن الشركة المشغلة للطيران الداخلي لا تغطي إلا نحو 13 مليون رحلة سنويا.
وأوضح الطيار" أن خيار السفر عبر الطيران الاقتصادي سيقلل كثيرا من المتسبب الأول في قتل السعوديين على طرقها المترامية، وهي حوادث المرور، مشيرا إلى أن الطيران منخفض التكلفة سيشجع الكثير من المسافرين عبر مدن ومحافظات المملكة، على التوجه إلى الخيار الأكثر أمنا في ظل ما نشاهده من حصد للأرواح على الطرق بسبب التعجل في الوصول يوميا.
وحول شروط الطيران المخفض وعلاقته بالثقافة السعودية والإمكانات المتاحة، بين الطيار أن على السعوديين التعامل بدقة مع شروط وواجبات الطيران الاقتصادي، وزاد" نحن نشاهد السعوديين كيف يتعاملون مع مثل هذا النوع من السفر في الخارج، وهم ملتزمون بكل ما يرد على ظهر التذكرة، لذا عليهم أن يكونوا أكثر دقة عند تحديد وقت السفر، بمعنى أن يكون سفرنا أكثر تنظيما مما هو عليه الآن".
تعطش ومرحلة نمو
أكد العضو المنتدب لمجموعة الطيار للسفر والسياحة أن السوق السعودية متعطشة لمثل هذا النوع من الخدمات، مبينا أن أي اقتصاد نام لا يمكن أن يتطور بدون تطور وسائل النقل، ولنا في وسائل النقل في الدول المتقدمة خير مثال، وأضاف" الاقتصاد السعودي يمر في مرحلة نمو على جميع الأصعدة ليس أقلها التبادل التجاري وتنوع الاستثمارات ما يعني حاجة متنامية للسفر بين المدن.
محرك للنمو
هذا وكان عبد الله رحيمي رئيس الهيئة العامة للطيران المدني، قد قال لـ"الاقتصادية" في وقت سابق إن قرار الحكومة فتح القطاع الجوي ودخول القطاع الخاص للاستثمار فيه صدر بعد دراسة متعمقة في قطاع النقل الجوي وتأكيدا لأهميته كمحرك لنمو الاقتصاد السعودي.
وبين رحيمي أن الهيئة العامة للطيران المدني ستصدر في وقت لاحق من هذا العام عدة رخص للطيران العارض، إضافة إلى إصدار رخص لطيران الشحن والطيران الخاص وطائرات التأجير، وذلك خلال العام الجاري.
وبيَن رحيمي حينها أن هيئة الطيران المدني هي المسؤولة عن مراقبة الأسعار في شركات الطيران، كما أنها أعدت استراتيجية جديدة لجميع مطارات المملكة، سواء من حيث تحديثها أو بنائها أو نماذج تشغيلها على مدى السنوات العشر المقبلة، إضافة إلى أن هناك خطة لتوسعة وتحديث لمقابلة النمو والطلب بالنسبة لحركة الطيران".
فقدان الأمان .. مفهموم خاطئ
وعن جانب الأمان والسلامة على متون الطائرات الاقتصادية، أشار عمر حلواني إلى أن هناك مفهوما خاطئا لدى العديد من الجمهور عن الطيران المنخفض التكلفة، حيث يربط المسمى بخفض سلامة الطائرة والصيانة، مؤكدا أن أفضل وآمن وأجود الطائرات في العالم والدول المتقدمة التي تستخدم هي طائرات شركات الطيران المخفض.
وأبان أن أنجح الشركات العاملة في الولايات المتحدة، البالغ عددها أكثر من 125 شركة طيران، هما الشركتان اللتان تعملان على نظام الطيران المنخفض التكلفة، حيث سجلت أعلى ربحية في العام الماضي, إضافة إلى أن طائرات كلتا الشركتين هي الآمن في أمريكا.
الإنترنت والموظفين
ومضى حلواني في التبيين إلى أن شركة ناس ستخفض تكاليف التشغيل خلال السنوات المقبلة من خلال أن أمور الحجز على طائراتهم ستكون عبر الإنترنت التي ستخفض كثيرا من التكاليف التشغيل، حيث لا تحتاج الشركة في مركز الحجز إلى 500 موظف، إلى جانب عملية تكثيف تسيير الرحلات اليومية ما بين المدن الرئيسة مثل الرياض وجدة.
في المقابل يعتقد فيصل الدحيم مدير التسويق في شركة "سما" أن تشغيل رحلات الطيران المنخفضة التكلفة يمثل انطلاقة عصر جديد من الطيران المدني عبر تقديم خدمات الطيران الاقتصادي، وإقامة خطوط جوية مفضلة للجميع بأسعار مخفضة في رحلاتها بين مدن المملكة، ومنح المسافر تجربة سفر مبسطة، مبينا أن اختيارهم تشغيل طريقة الطيران الاقتصادي، جاء نتيجة لزيادة الطلب على هذا النوع من خدمات الطيران حول العالم،وزاد" أثبت الطيران المخفض نجاحه في أمريكا وأوروبا وشرق آسيا، وتنمو شركات الطيران الاقتصادية بشكل كبير لزيادة الطلب عليها".
يقلل من إلغاء الحجوزات
وأضاف "بدأت فكرة الطيران الاقتصادي في الولايات المتحدة عام 1972 عن طريق خطوط ساوث ويست الأمريكية، ويهدف مفهوم الطيران الاقتصادي إلى توفير طريقة سفر سريعة بأقل تكلفة لنقل المسافرين جواً من مدينة لأخرى وذلك لفتح مجال السفر بالطائرة أمام أكبر عدد من المسافرين.
وحقق هذا النموذج من الطيران نجاحاً كبيراً نظراً لزيادة الطلب وتكوين شريحة جديدة من المسافرين لأول مرة بالطائرة، وفي الثمانينيات بدأت شركات الطيران الاقتصادي في أوروبا وزاد عددها بشكل كبير مع مطلع التسعينيات وواصل مفهوم الطيران الاقتصادي نجاحه في شرق آسيا وخصوصاً في ماليزيا مع نهاية التسعينيات، وخلال السنوات القليلة الماضية بدأ الطيران الاقتصادي في الظهور في منطقة الشرق الأوسط عبر "طيران العربية" في الإمارات و"طيران الجزيرة" في الكويت.
وتسعى "سما للطيران" إلى تقديم نجاح خدمة الطيران الاقتصادي إلى المملكة الشهر المقبل بإذن الله".
وهنا عاد الدكتور الطيار ليؤكد أن تجربة مكاتب السفر والسياحة في السعودية مع شركات الطيران المخفض جيدة، ويمكن أن تحل كثيرا من إشكالات تسويق تذاكر السفر المخفض، كما أن مسألة حساب التكلفة ستقلل من عمليات إلغاء الحجوزات، وستعزز من مفهوم السفر المقنن.
السوق تستوعب 5 شركات
وتمنى الطيار أن يساهم دخول شركات الطيران الجديدة في ارتفاع جودة الخدمة والتنافس في الأسعار بين شركات الطيران المختلفة، واختفاء كلمة "انتظار أو لا يوجد مقعد"، مبينا أن السوق السعودية تستوعب ما يزيد على خمس شركات داخلية، خاصةً أنه يوجد هناك 40 مليون رحلة, والنمو في هذه الرحلات يعتبر الأعلى في المنطقة، كما أن النمو في حجم السكان في السعودية في ازدياد يصل إلى 26 مليونا.
وهنا يعود مدير التسويق في "طيران سما" ليؤكد أن مفهوم الطيران الاقتصادي يرتكز على عدة مبادئ من أهمها، تقديم خدمة درجة (مقصورة) واحدة على متن الطائرة بدون درجة أولى أو درجة رجال الأعمال، وهذا يساعد على الاستخدام الأمثل لعدد المقاعد في الطائرة الذي يبلغ 148 مقعداً، استخدام نوع واحد من الطائرات وذلك لتوحيد برامج التدريب والصيانة وكذلك قطع الغيار للطائرات، تزداد الفرصة للحصول على أقل الأسعار عند الحجز والدفع المبكر، حيث يعتمد السعر على مبدأ العرض والطلب على الرحلة، الأسعار في الطيران الاقتصادي تتغير بشكل مستمر بحسب المقاعد المباعة على الرحلة، يمكن تغيير موعد الرحلة بعد استيفاء رسوم التغيير، وكنظام متبع في الطيران الاقتصادي عالمياً، لا يتم استرجاع المبلغ المدفوع عند إلغاء السفر، ومنح الفرصة لتخفيض تكاليف الحجز وتوفير الوقت والجهد عن طريق الحجز عبر المواقع الإلكترونية".
منافسة وسوق حرة
أمّا بالنسبة لموضوع المنافسة، قال الدحيم "لا شك أنها ستساهم في تحسين الخدمة وخفض الأسعار للمسافرين، وقد شاهدنا مدى تأثيرها الإيجابي في قطاع الاتصالات في المملكة، ونتوقع أن نرى تأثيرها في قطاع الطيران قريباً، وسنعمل جاهدين على تقديم خدمات سفر جوية ذات جودة عالية وبأسعار مناسبة للجميع".
وأضاف "نسعى إلى خلق سلوك جديد للتخطيط للسفر عبر تقديم أسعار مخفضة وتشجيعية، حيث إن عدم التخطيط أو الجدية في السفر بعد عملية الحجز يساهم في هدر عدد كبير من المقاعد، مما يرتّب تكلفة كبيرة على شركات الطيران، إضافة الى فوات الفرصة على المسافرين العازمين على السفر، وخصوصاً في المواسم التي تشهد ضغطاً كبيراً في الحجوزات أثناء رمضان والحج والعطلات الصيفية ونهاية الأسبوع.
لا تذاكر وبطاقات الصعود
مبينا أنه عند القيام بالحجز والدفع سيتم ضمان حجز المقعد من دون الحاجة الى تأكيد الحجز. كل ما على المسافر هو إبراز رقم الحجز مع الهوية الشخصية للحصول على بطاقة صعود الطائرة في المطار.
من جهته يقول راشد المقيط مدير عام وكالة الموسم للسفر والسياحة "على المسافرين أن يعلموا أن الطيران المخفض يتسم ببعض الأمور التي تساهم في خفض التكاليف، ومنها أن الكثير من الخدمات تكون معدومة، ومنها الوجبات والصحف، وإلغاء التذاكر الورقية وبطاقة الصعود، كما أن الملاحيين ينشغلون أثناء الرحلة بأمور أهم".
وقال المقيط "إلا أن ذلك لا يمنعنا من القول إن هناك خصوصا في بلد مترامي الأطراف مثل السعودية حاجة ماسة للطيران الاقتصادي، متعدد الوجهات، وسيخدم بكل تأكيد شرائح جديدة ومتنوعة من المسافرين".