مسؤول من ورق!

مسؤول من ورق!

كثيرة هي الصور والمواقف التي تعبر أمامك، تصبح شاهداً عليها ولا ترضاها لكنك لا تملك تغييرها. وهذا من أشد ما يؤرقك ويثير دهشتك وبالتالي يدفعك إلى أقصى ما يمكنك عمله.. أن تعبر عن رأيك .. أن تقول ما ينبغي أن يقال ذات لحظة.
شاءت الظروف أن أتحدث مع أحد الإعلاميين الجدد في إحدى القنوات المحلية .. حيث حدثني للتأكد من معلومة ما، وأثناء الحديث علمت أنه أراد أن يستضيف في برنامجه الحواري أحد المسؤولين على الهواء مباشرة وأنه قد ضمن له تماماً أن تكون المشاركات مرتبة وأن يختار السائلين بنفسه ممن يرضاهم المسؤول وأنه وافق في البداية ثم اعتذر بسبب ظروف العمل. أذهلني الأمر بقدر ما أضحكني .. قلت: لكن ذلك يعتبر غشاً وتدليساً، فالمشاهدون يريدون الحقيقة ولديهم الكثير من المشكلات يودون سماع رأي هذا المسؤول فيها، وأنت بهذه الطريقة لا تفعل شيئاً ذا قيمة.. فالمشاهدون أو المواطنون ليسوا بحاجة إلى الاستمتاع بإطلالة هذا المسؤول، وإذا كان هذا هو هدفكم فلتقدموا له مقابلة خاصة يتحدث فيها عن إنجازاته فقط لإرضاء غروره!
قال لي: ألا تعلمين أن معظم البرامج الحوارية في التلفزيون - إن لم يكن جميعها - على هذا المنوال؟. إن الكثير من المذيعين يفعل ذلك، وخاصة حين يقدم برنامجاً جديداً، يأتي بمسؤول مهم ومعروف لإضفاء القوة والشهرة والدعم لبرنامجه في البداية؟!
وهذا في رأيي أمر خطير جداً فالشهرة والقوة للبرنامج ينبغي أن ترتكز قاعدتها على الصدق والشفافية وعلى عدم ترتيب المحاورين والمداخلات فماذا يستفيد المشاهد المواطن أو صاحب المشكلة حين يتم عرض حوار مع مسؤول لا يأت بجديد ولا يخفف عنه مشكلاته وإنما يفيض بالمجاملات المتبادلة والكلمات المنمقة..؟! وإذا علمنا أن الإعلام من خلال طرح مثل هذه المناقشات وعرض الحقائق على الشاشة يحقق الكثير من الأهداف الاجتماعية في التنمية والإصلاح، فإن هذا الأسلوب المزيف في تقديم البرامج لا يسهم إطلاقاً على المدى الأبعد في التنمية أو الإصلاح وإنما يسهم في إعادتنا إلى الوراء مراحل كثيرة.. وهذا الأمر يتحمل مسؤوليته كل من العاملين في الإعلام والمسؤول الذي يرضى على نفسه أن يظهر في وسائل الإعلام بهذا الزيف، مختبئاً خلف الكثير من الأقنعة التي ربما تعطيه نجاحاً مؤقتاً في الوقت الحاضر لكنها لا تسهم في نجاحه إطلاقاً على المدى الأبعد !! والمحك هو الزمن الذي لابد أن تظهر الحقيقة من خلاله طال الزمان أو قصر.
في النهاية آمل ألا تكون هذه هي حقيقة إعلامنا الذي ننتظر منه الكثير والذي نتمنى أن يكون مسهماً أساسياً في إصلاح وتقويم المجتمع ومؤسساته.

Email: [email protected]

الأكثر قراءة