أولويات المملكة واستثمارات أرامكو المستقبلية ( 2- 2 )

أولويات المملكة واستثمارات أرامكو المستقبلية ( 2- 2 )

حسب توقعات الأوبك, كمية الزيادة المتوقعة  للنمو على استهلاك العالم للنفط منذ الآن وحتى 2025م تقدر بنحو 30 مليون برميل يوميا, 80 في المائة (24 مليون برميل يوميا) من النمو المتوقع على استهلاك النفط في العالم من نصيب دول نامية. قارة آسيا على سبيل المثال يقدر حجم النمو المتوقع على الاستهلاك بنحو 17 مليون برميل يوميا خاصة جنوب شرق آسيا, الصين من المتوقع أن يتضاعف استهلاكها عما هو عليه في الوقت الحالي  ليصل إلى 14 مليون برميل يوميا تقريبا بحلول عام 2025م, إلى جانب أنها سوق واعدة لاستهلاك النفط ومشتقاتة, أهم عامل مساعد للنمو الاقتصادي المتواصل  لديها يعود إلى توافر ورخص الأيدي العاملة, لذا إقامة مصاف نفطية قادرة على التكيف حسب متطلبات السوق من حيث النوعية والكمية conversion capacity في أو بالقرب من الصين  يعد ميزة وأكثر جدوى من ناحية اقتصادية سواء بزيادة الأرباح أو تقليل تكلفة الإنتاج, إلى جانب العوامل الأخرى المساعدة التي ذكرت في السابق. عامل آخر مساعد لإقامة المصافي في أو بالقرب من الدول المستهلكة, منطقة غرب أوروبا مثلا، إضافة إلى أنها سوق مستهلكة للنفط المكرر وقريبة للأسواق الأمريكية, أيضا هي (غرب أوروبا) تعد منطقة ضخمة لصناعة البتروكيماويات وتأتى في المركز الثاني بعد الولايات المتحدة, من المعروف إن صناعة البتروكيماويات تحتاج إلى نسبة 5 في المائة إلى 8 في المائة تقريبا (68 في المائة نفط و32 في المائة غاز) من استهلاك النفط والغاز المكرر على مستوى العالم لاستخدامها كمادة خام.
وفي الشرق الأوسط لأسباب تعود إلى الطفرة الحالية التي تشهدها المنطقة في صناعة البتروكيماويات وصلت النسبة لدولة مثل المملكة إلى 11 في المائة تقريبا من الاستهلاك وهي نسبة عالية مقارنة بالدول الأخرى, (معدل استهلاك المملكة من النفط لعام 2005م 1.22 مليون برميل يوميا) هذا يعنى (فرضيا) إن 135 ألف برميل يوميا تقريبا من إنتاج مصافي التكرير التابعة لأرامكو في المملكة تستخدم كمادة خام في صناعة البتروكيماويات.
زيادة معدلات النمو في المستقبل على استهلاك المنتجات النفطية, لا يعنى أنه من مصلحة المملكة على المدى البعيد الاستثمار بشكل موسع في صناعة (إقامة مصاف نفطية للتصدير الخارجي) الكثير من المصادر المعروفة في مجال الطاقة  مثل منظمة الأوبك owem, iea حتىeia  تحذر منها لغير الطرف أو الدول المستفيدة. ومن جهة ثانية ومن باب  طرح بديل للخيار الأول (إقامة المصفاة في أو بالقرب من الدول المستهلكة) وهو أن يتم تأجير طويل الأجل لموقع المصفاة (كخيار ثان) لمن يرى ومتأكد من وجود جدوى اقتصادية من إقامة المصافي النفطية في منطقة الإنتاج بغرض التصدير الخارجي وأن هامش الربحية  يكفي للقيام  بمخاطر استثمارية  من دون أدنى مسؤولية أو التزامات مالية على الدولة المستضيفة للمصفاة أو مواطنيها. على أن يتم اعتبار الموقع منطقة تصنيع استثمارية تابعة لشركة  خاصة في الداخل (مقفلة) أو الخارج. ويقتصر دور الدولة المنتجة المستضيفة للمصفاة  على تزويد المصفاة بالنفط الخام (غير مخفض), إضافة إلى الدور الرقابي والتشريعي، وتواجه الدول المنتجة للنفط في المنطقة العربية وشمال إفريقيا تحديات تلبية النمو المتزايد على استهلاك النفط في المستقبل ومن المتوقع (حسب مصادر الأوبك) أن تستثمر نحو 100 مليار دولار أمريكي خلال خمس سنوات في مائة مشروع لزيادة الإنتاج إلى نحو أربعة ملايين برميل يوميا, أرامكو السعودية على سبيل المثال, حسب موقع وزارة البترول والثروة المعدنية (سياسات المملكة النفطية) ذكر أن المملكة بدأت (منذ 2004م) تدريجيا زيادة طاقتها الإنتاجية إلى 12.5 مليون برميل يوميا تلك الزيادة تتطلب تحديثات ضخمة Numerous Upgrades "حسب موقع أرامكو" وتقنية متقدمة وحديثة جدا للحقول القديمة والحديثة معا (نحو 85 حقلاً) خلال فترة خمس سنوات و بتكلفة إجمالية تبلغ نحو 18 مليار دولار أمريكي (68 مليار ريال سعودي) لإضافة 1.2 إلى 1.5 مليون برميل يوميا  للطاقة الإنتاجية للمملكة  ليصل إلي مستوى 12.5 مليون برميل يوميا بحلول عام 2009م، علما أن القدرة الإنتاجية لأرامكو في الوقت الحالي في حدود 11 مليون برميل يوميا منها نحو مليون و نصف إلى مليوني برميل يوميا سعة إضافية (احتياطي) عند تعرض أو توقف الإمدادات لأي سبب كان يتم استخدام الاحتياطي والذي يعادل 85 في المائة تقريبا من السعة الإضافية المتوافرة في العالم لتعويض الأسواق وللمحافظة على الأسعار. لهذا السبب وغيره من أسباب أخرى, الدول المنتجة للنفط (خاصة في منطقة الشرق الأوسط) ليست في حاجة إلى مهام وأعباء ومخاطر استثمارية, مالية ولوجستية أخرى مثل إقامة المصافي بغرض التصدير الخارجى في جانب زيادة الإنتاج حتى لو سلمنا فرضيا أن التوسع (إقامة المصافي النفطية للتصدير الخارجي) قد يحقق أرباح جيدة تبقى المشكلة في محدودية القنوات الاستثمارية لتلك العوائد المالية مقارنة بما تحتاج إليه المملكة كدولة نامية ومجتمع يحتاج إلى الكثير من الوقت و"لخبرة" في كيفية التعامل مع مداخيل ضخمة, على هذا الأساس لتصبح  الفائدة أشمل وأفضل, يبقى خيار الترشيد في استخدام المخزون النفطي, الخيار الاستراتيجي الأمثل للمملكة على المدى البعيد, وهو إبقاء أقل كمية من النفط في باطن الأرض والاستفادة من أكبر كمية لأطول فترة ممكنة قد تتجاوز المائة وخمسين سنة, لكي تستفيد منه الأجيال المقبلة, خاصة أن المملكة  تعتمد على العائد من النفط بشكل أساسي ولا يوجد لديها خيارات متوافرة في الوقت الحالي أبعد من النفط والغاز كمصدرين للدخل وتوليد الطاقة.
لذا, أعتقد أن هذا الاندفاع غير المبرر في إقامة مصاف نفطية للتصدير الخارجي في المملكة تنطوي عليه مخاطر متعددة تحتم أن يكون هناك نوع من الشفافية في التعامل مع الاستثمارات النفطية بشكل عام سواء بزيادة الإنتاج أو التصنيع, وخاصة إقامة المصافي النفطية في المملكة بغرض التصدير الخارجي وأن تخضع تلك الاستثمارات لدراسة جدوى على أساس مصلحة المملكة في الدرجة الأولى بناء على مصادر موثوقة لا على معلومات هشة وضبابية تنسب إلى مصادر لا يؤخذ بها أو غير معروفة, لتفادى ما حدث في السابق لأرامكو قبل أن تعود ملكيتها للمملكة (79م ـ 80م) من سوء تقدير لحجم المخزون وكمية الطلب من قبل شركاء أرامكو: شركة أيكسون، شيفرون، تكسكو وموبيل بزيادة الإنتاج إلى نحو ثلاثة أضعاف عما كان عليه قبل عام 1973م ليصل معدل الإنتاج السنوي خلال الفترة من 1973م وحتى 1981م 8.7 مليون برميل يوميا. بعد تملك المملكة لشركة أرامكو في آواخر السبعينيات الميلادية انخفض معدل الإنتاج السنوي خلال الفترة من 1981م وحتى 1990م ليصل إلى نحو خمسة ملايين برميل يوميا.
نظرة الأوبك المستقبلية (2007م) لحجم الطلب وكمية الاستهلاك على النفط  هي تفاؤل يشوبه الحذر بقولها "مهم جدا إن نعرف أن هناك درجة عالية من عدم الوضوح لحجم  العرض والطلب في المستقبل", تبعد الحاجة إلى إضافة نفط من الأوبك (خام ومكرر) إلى الأسواق عما هو عليه في الوقت الحالي, لكن التحدي الحقيقي على حد قول الأوبك هو الوصول إلى توقعات منطقية ومعقولة لحجم الطلب المتوقع مستقبلا. على ضوء ذلك عمل الاستراتيجيات المستقبلية للصناعة النفطية في الإنتاج والتصنيع طبقا لتقديرات الأوبك المتدنية لمعدلات النمو (الأوبك تصدر عدة احتمالات  لمعدلات  النمو المتوقعة لاستهلاك النفط, متدنية، متوسطة, عالية) المتوقع على الطلب على الأقل حتى بداية عام 2010م، وهي فترة معقولة لقياس حجم الطلب من أجل تقييم الحاجة إلى زيادة التوسع في الاستثمارات النفطية (الإنتاج والتصنيع) من عدمها، إضافة إلى ذلك, اعتماد الاستثمارات المستقبلية في الصناعة النفطية للدول الأعضاء في الأوبك بشكل أساسي على "استراتيجية بعيدة المدى"، LTS التي تبنتها (الأوبك)  في اجتماع فينا 20 أيلول (سبتمبر) 2005م , في جانب تطوير معلومات, أرقام, توقعات ومرئيات عن حجم العرض, الطلب, كمية الاستهلاك ومسار الأسعار من مصادر داخل شركات النفط الوطنية مثل أرامكو السعودية في الدرجة الأولى, مع الاستعانة بمعطيات قاعدة البيانات المشتركة JODI ونموذج أوبك العالمي للطاقة owem والذي يعد حسب تقديرات السنوات الماضية أكثر دقة من منظمات أخرى معروفة مثل iea, eia وDoe, ضرورة  لتفادى إهدار مصادر مالية مهمة لدول نامية مثل دول الشرق الأوسط. 
تعليق أخير، ظاهرة جديدة بدأت أخيراً وهي كثرة تصريحات مسؤولي الإدارات العليا والوسطى في شركة أرامكو السعودية بشكل مكثف, مثال وليس للحصر, أحد التصريحات تحدث عن 339 مليار دولار لحجم الاستثمارات المستقبلية المتوقعة في المملكة منها 64 في المائة لقطاع الطاقة (نفط, غاز وبتروكيماويات) أي ما يعادل 216 مليار دولار, تصريح آخر يضع حجم الاستثمارات المتوقعة لقطاع الطاقة عند 268 مليار دولار وحجم استثمارات يبلغ 507 ملايين دولار بنسبة 53 في المائة، إضافة إلى ذلك تعدد واختلاف التصريحات بشأن التوقعات المستقبلية للطلب على النفط الخام والمكرر, معدل إنتاج المملكة المتوقع للنفط الخام في المستقبل (بعد 2010م وحتى 2025م), تقديرات المخزون النفطي وحجم الاستثمارات المتوقعة لقطاع الطاقة وغير الطاقة, عدم ثبات تلك المعلومات بشكل متواصل قد يؤثر في مصداقيتها خاصة إذا كان الأمر يتعلق بتشجيع المستثمرين الأجانب للاستثمار في المملكة, لزيادة الوعي بمشاريع أرامكو المستقبلية, تكاليفها وأهميتها الاستراتيجية للمملكة على المدى البعيد, ربما يكون من الأفضل تكثيف المؤتمرات الصحافية لأرامكو داخل المملكة للمشاريع التي يعلن عن تنفيذها أو المقترح إنشاؤها للحد من تضارب المعلومات والأرقام في الأعلام المكتوب, مع اعتماد توزيع خبر مطبوع مسبقا قبل التصريح لتفادى سوء فهم البعض (صحافة, مستثمرين ومهتمين بقطاع الطاقة) خاصة إذا كان التصريح يحتوى على أرقام ومعلومات تتعلق بالمملكة كدولة منتجة وأرامكو كشركة قائمة على صناعة النفط والتنويه عن مصدر الخبر مثل موقع الشركة الرسمي على الإنترنت, رئيس الشركة أو من ينوب عنه.

الأكثر قراءة