مهمات تطبيلية!
لطالما كنت أتعامل مع جميع المتعاطين مع صفحات "بالمحكي" بالحياد، وهو لب العمل الصحافي على ما آمنت، فلا علاقة للحب أو الكره بمسألة نشر القصائد أو المقالات أو استضافة الشخصيات، وكنت على خلاف كبير مع أخ لي في هذه المسألة بالذات، فهو يرى أن "غربلة" المادة الخام قبل طبخها تؤدي إلى تقديم طعام "أكثر" صحة ونظافة، إلا أني كنت أرى أن "الغربلة" فيها نوع من القياس الشخصي، والقياس الشخصي يعني "أهواء"؟ وطالما كانت الأهواء غير دقيقة التصنيف، خصوصا وأن الجيد يفرض نفسه، ولن يسعى إليك في ظل انحيازك للجيد سوى الجيد.
رغم سلبيات تلك الطريقة التي أستخدمها، إلا أنها كانت منصفة نوعا ما في نتائجها، وكان ما يقض مضجعي في هذه المسألة بالذات أمر واحد فقط، وهو اعتقاد بعض من يُنشر له أني أحبه، واعتقاد البعض الآخر ممن لم يُنشر لهم أني أمقتهم، وهي مشكلة كبيرة في عالم الشعراء، فلا يجوز إلا أن تقتنع بنصوص الجميع، ولا يمكن أن ترفض أحدا، وإلا خسرته على المستوى الشخصي، إلا أني أيضا تعايشت مع هذه المشكلة بالنظر إليها على أساس أنها الإيجابية الأجمل، طالما هي تخلصني من عقليات سخيفة تنظر إلى النتاج الفكري (بشخصنة).
البارحة فقط اقتنعت بـ "غربال" صديقي وقياسه الشخصي، إذ تسلمت رسالة من أحد مطبلي الساحة الشعرية، يمدح فيها "مطبلا" آخر وهو صديق له على فكرة، وهذا الممدوح مسافر الآن في مهمة "تطبيلية" خارج البلاد، طبعا أنا رميت المقال في سلة المهملات بالأسماء التي حواها، إلا أنني حزنت كثيرا على حالي، وطفقت أتساءل: "لم يجرؤوا على إرسال مقالات تطبيلية في السابق، ما الذي جد الآن؟"، حاولت أن أعود إلى أرشيف صفحات "بالمحكي" لأقرأ إن كنت أخطأت مرة ونشرت لهذا الغبي من مبدأ "الجميل يفرض نفسه"، فربما أخطأ وأرسل مقالا جميلا لا علاقة له بالتطبيل، إلا أن ذلك لم يحصل، اتصلت بصديق أسأله عن رقم هذا الأخ لأتصل به، سألته: شكرا على إرسال مقالتك لنا، لكن ما الذي دعاك إلى إرسال هذا المقال لـ "بالمحكي"؟ فأجاب ببلاهة: "صفحاتكم حلوة"!
لأول مرة في حياتي لا أستطيب المدح!، ولأول مرة أيضا أرى أن الجهد المبذول في صفحات "بالمحكي" يحتاج إلى مضاعفته وبذل الكثير كي لا يتجرأ أي "طبال" على التفكير – مجرد التفكير- في مدح "طبال" آخر من خلال "بالمحكي"!